مدحت الرفاعي لـ”النهار”: تسريع التحول للطاقة النظيفة الطريق لكوكب سليم

في تصريح خاص لـ "النهار" أكد د. مدحت الرفاعي، أستاذ ومستشار السياسات العامة والخبير في مجال الطاقة، أننا وفي معرض حديثنا عن المؤتمر الدولي السنوي لمعهد التخطيط القومي تحت عنوان "الابتكار والتنمية المستدامة" يجدر بنا أن نتحدث عن أهمية الابتكار في مجال الطاقة حيث يُشار إلى أنه بالرغم من أن الوقود الأحفوري المُستخرج من باطن الأرض يتميز بامتلاكه كثافة طاقة عالية وبسهولة نقله وتخزينه، وبمعالجة الوقود الأحفوري بتروكيميائيًا، يمكن الحصول على أنواع مختلفة منه وخاصة من الوقود الأحفوري في صوره السائلة والغازية، حيث يتم استخراج وقود منها وذلك للاستعمالات المختلفة في المحركات والطائرات والسُفن بعد المعالجة البتروكيميائية اللازمة، إلا أن من عيوب استخدام الطاقة الأحفورية هو احتراق الوقود الأحفورية الذي يُعدّ من العوامل الرئيسية لتلوث الهواء والتسبب في الاحتباس الحراري الناتج بدوره عن غازات تغلّف المجال الجوي وتمنع الانعكاس الحراري الصادر من الأرض من انتقاله إلى خارج الكوكب، مما يسبب ارتفاعًا في درجات حرارة الأرض، ويزيد التصحر والجفاف.
وأضاف د. مدحت الرفاعي، إن الوقود الأحفوري، هو إلى حد بعيد أكبر مُساهم في تغير المناخ العالمي، إذ يمثل أكثر من 75 % من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية وحوالي 90 % من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وذلك حيث يتم توليد جزء كبير من الغازات الدفيئة التي تحيط بالأرض وتحبس حرارة الشمس من خلال إنتاج الطاقة، عن طريق حرق الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء والحرارة.
وفي نوفمبر 2023 حذرت الأمم المتحدة من أنّ خُطط توسيع إنتاج النفط والغاز والفحم من قبل الدول المنتجة الكبرى، تُهدّد الهدف المُتمثّل في الحد من ارتفاع درجة الحرارة عند 1.5 درجة مئوية مشيرة إلى أنّ الحكومات تخطّط لإنتاج حوالي 110% من الوقود الأحفوري في العام 2030، وبنسبة 69 % أكثر ممّا يتّسق مع حدّ حصر الاحترار في حدود درجتين مئويتين كحد أقصى حتى عام 2030، ووفقًا لرؤية الأمم المتحدة لتجنب آثار تغير المناخ، يجب خفض الانبعاثات بمقدار النصف تقريبًا بحلول عام 2030 والوصول بها إلى مستوى الصفر بحلول عام 2050.
وأشار الرفاعي، لتحقيق ذلك، نحتاج إلى التخلص من اعتمادنا على الوقود الأحفوري والاستثمار في مصادر بديلة للطاقة تكون نظيفة ومتاحة وفي المتناول ومستدامة وموثوقة.
لذا يجب أن نوضح الأسباب الرئيسية التي تجعل من تسريع التحول للطاقة النظيفة الطريق لكوكب سليم وصالح للعيش للأجيال الحالية والقادمة ومن أهمها ما يلي:
1.مصادر الطاقة المتجددة في كل مكان حولنا:
حيث يعيش حوالي 80% من سُكان العالم في بلدان تستورد الوقود الأحفوري، أي حوالي 6 مليار نسمة يعتمدون على الوقود الأحفوري القادم من بلدان أخرى، مما يجعلهم عرضة للصدمات والأزمات الجيوسياسية، وفي المقابل تتوافر مصادر الطاقة المتجددة في جميع البلدان، ولم يتم استغلال إمكاناتها بالكامل بعد، وترى الوكالة الدولية للطاقة المتجددة أن 90% من كهرباء العالم يمكن وينبغي أن تولد من الطاقة المتجددة بحلول عام 2050.
تمكن مصادر الطاقة المتجددة من التخلص من الاعتماد على الواردات، مما يسمح للبلدان بتنويع اقتصاداتها وحمايتها من التقلبات غير المتوقعة في أسعار الوقود الأحفوري، مع دفع النمو الاقتصادي الشامل، وخلق فرص عمل، والتخفيف من حدة الفقر.
2- الطاقة المتجددة أقل تكلفة:
الطاقة المُتجددة هي في الواقع خيارات الطاقة الأقل تكلفة في معظم أنحاء العالم اليوم والفرصة مواتية للتوسع في استخدام الطاقة المتجددة في ظل أن أسعار تكنولوجيات إنتاجها تنخفض بسرعة فقد انخفضت تكلفة الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية بنسبة 85% بين عامي 2010 و2020 وانخفضت تكلفة طاقة الرياح البرية والبحرية بنسبة 56% و48% على التوالي.
بفضل انخفاض تكلفتها، تُعد الطاقة المتجددة أكثر جاذبية في كل مكان، بما في ذلك في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، حيث سيكون معظم الطلب الإضافي على الكهرباء المتجددة، إن انخفاض الأسعار يتيح فرصة حقيقية لتوفير الكثير من إمدادات الطاقة الجديدة على مدى السنوات القادمة من مصادر منخفضة الكربون، مكن أن توفر الكهرباء المُنخفضة التكلفة المولدة من المصادر المتجددة 65% من إجمالي إمدادات الكهرباء في العالم بحلول عام 2030، كما يمكن أن تزيل الكربون عن 90% من قطاع الطاقة بحلول عام 2050، مع الحد من انبعاثات الكربون بشكل كبير والمساعدة في التخفيف من آثار تغير المناخ.
هذا وتقول الوكالة الدولية للطاقة إنه على الرغم من بقاء تكاليف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في عامي 2022 و2023 أعلى من مستويات ما قبل جائحة كورونا بسبب الارتفاع العام في أسعار السلع والشحن فإن قدرتها التنافسية تتحسن بالفعل جراء الزيادات الأكثر حدة في أسعار الغاز والفحم.
3- الطاقة المتجددة تحافظ على الصحة:
وفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية، فإن 99% من سكان العالم يتنفسون هواءً يتجاوز الحدود القصوى لجودة الهواء، وهذا الهواء يهدد صحتهم، ويرجع أكثر من 13 مليون حالة وفاة في العالم كل عام إلى أسباب بيئية يمكن تجنبها، لاسيما تلوث الهواء.
تنجم المستويات غير الصحية للجسيمات الدقيقة وثاني أكسيد النيتروجين بشكل أساسي عن حرق الوقود الأحفوري، ففي عام 2018، تسبب تلوث الهواء من الوقود الأحفوري في تكاليف صحية واقتصادية بقيمة 2.9 تريليون دولار، أي حوالي 8 مليارات دولار في اليوم، وبالتالي فإن التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، لا يساعد في معالجة تغير المناخ فحسب بل يسمح أيضًا بخفض كبير في مُعدلات تلوث الهواء ومخاطره الكبيرة على الصحة العامة للبشر.
4- الطاقة المتجددة تخلق فرص عمل جديدة:
تشير الدراسات الاقتصادية إلى أن كل دولار يُستثمر في مصادر الطاقة المتجددة ينتج ثلاثة أضعاف الوظائف المُستحدثة في قطاع الوقود الأحفوري، وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن يُفضي التحول إلى صافي انبعاثات صفري إلى زيادة عامة في وظائف قطاع الطاقة في حين يُمكن فقدان حوالي 5 ملايين وظيفة في مجال إنتاج الوقود الأحفوري بحلول عام 2030، سيتم استحداث حوالي 14 مليون وظيفة جديدة في مجال الطاقة النظيفة، أي كسب 9 ملايين وظيفة على افتراض تعطل العاملين السابقين عن العمل أما في حال اخضاعهم لبرامج تدريب تحويلي فيمكن الاستفادة بهم في وظائف جديدة ترتبط بإنتاج الطاقة من المصادر النظيفة والمُتجددة بدلًا من الوقود الأحفوري وبالتالي يتم الاستفادة بالـ14 مليون فرصة عمل المتوقعة كاملة.
بالإضافة إلى ما سبق، ستتطلب الصناعات المتعلقة بالطاقة 16 مليون عامل إضافي فعلى سبيل المثال لتولي أدوار جديدة في تصنيع السيارات الكهربائية والأجهزة عالية الكفاءة أو في التكنولوجيات المبتكرة مثل الهيدروجين، وهذا يعني أنه يمكن خلق أكثر من 30 مليون وظيفة في مجالات الطاقة النظيفة والتكنولوجيات قليلة الانبعاثات بحلول عام 2030، وسيكون تحقيق تحول عادل ووضع احتياجات الشعوب وحقوقهم في صميم التحول الطاقوي، أمرًا بالغ الأهمية لضمان عدم التخلف عن ركب التقدم.
5- الطاقة المُتجددة مُجدية من الناحية الاقتصادية:
تم إنفاق حوالي 5.9 تريليون دولار على دعم صناعة الوقود الأحفوري في عام 2020 من خلال الإعانات الصريحة، والإعفاءات الضريبية، بخلاف الأضرار الصحية والبيئية التي لم يتم احتسابها ضمن تكلفة الوقود الأحفوري، على سبيل المقارنة، يجب استثمار حوالي 4 تريليونات دولار سنويًا في الطاقة المتجددة حتى عام 2030 - لاسيما في التكنولوجيا والبنية التحتية - حتى نصل بالانبعاثات إلى مستوى الصفر بحلول عام 2050.
قد تكون التكلفة الأولية ثقيلة بالنسبة للعديد من البلدان ذات الموارد المحدودة وسيحتاج الكثير منها إلى دعم مالي وتقني لإجراء التحول، لكن الاستثمار في الطاقة المتجددة سيؤتي ثماره، وبإمكان الحد من التلوث ومن آثار تغير المناخ وحده أن يوفر للعالم ما يصل إلى 4.2 تريليون دولار سنويًا بحلول عام 2030.
علاوة على ذلك، يمكن لتكنولوجيات الطاقة المُتجددة الفعالة والموثوقة أن تخلق نظامًا أقل عُرضة لصدمات السوق وأن تعزز القدرة على الصمود وتحقيق أمن الطاقة من خلال تنويع الخيارات المتاحة لمصادر الطاقة المتجددة.
ونتمنى أن تسارع مصر في وتيرة الاستعانة بالطاقة الجديدة والمتجددة خاصة في ظل الأوضاع الإقليمية الغير مستقرة الراهنة التي تحيط بنا وبمصادر الطاقة التقليدية والتي تتأثر بالتوترات السياسية في المنطقة وتؤثر علي الغاز الطبيعي المطلوب لاستمرار كفاءة إمدادات محطات إنتاج الكهرباء في مصر خاصة في ظل تزايد الإستهلاك مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف وتزيد استهلاك الكهرباء مما يجعلنا في أمس الحاجة لحلول غير تقليدية لتشجيع القطاع الخاص للاستثمار في إنتاج الطاقة الجديدة والمتجددة خاصة الطاقة الشمسية التي تتمتع مصر بتوافر مصدرها الأساسي وهي الشمس المشرقة طوال العام والمساحات الصحراوية الشاسعة ومحاولة تكرار تجارب محطة بنبان للطاقة الشمسية في أسوان من خلال القطاع الخاص.