الجمعة 29 مارس 2024 02:21 مـ 19 رمضان 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

اقتصاد

جولد بيليون: 1.4% تراجع في أسعار الذهب بالبورصة العالمية خلال مايو 2023

اختتمت تداولات الذهب خلال شهر مايو على انخفاض بعد تقلبات حادة شهدتها أسواق الذهب في ظل تطورات أزمة سقف الدين الأمريكي، وتغير توقعات الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي مما سمح للدولار بتسجيل ارتفاع على المستوى الشهري ليجبر الذهب على الهبوط.

انخفضت أسعار الذهب الفورية خلال شهر مايو بنسبة 1.4% ليفقد قرابة 30 دولار بعد أن شهدت بدايات الشهر تسجيل أعلى مستوى في تاريخ الذهب عند 2080 دولار للأونصة، قبل أن يبدأ سلسلة في الهبوط استمرت ثلاثة أسابيع متتالية ليصل إلى أدنى مستوياته في شهرين عند 1931 دولار للأونصة.

يعد هذا الانخفاض الشهري هو الأول منذ فبراير الماضي ويجدر القول إن سعر اغلاق الذهب في شهر مايو يظل أعلى من سعر افتتاح تداولات عام 2023 بمقدار 135 دولار، ولكنه أقل من أعلى مستوى تاريخي تم تسجيله بمقدار 118 دولار.

شهر مايو شهد تقلبات حادة في أسعار الذهب من اعلى مستوى تاريخي إلى أدنى مستوى في شهرين، وذلك بسبب التغير الكبير في العوامل التي تؤثر على الأسواق وخاصة أزمة سقف الدين الأمريكي وتغير توقعات الفائدة من قبل الفيدرالي.

أزمة سقف الدين الأمريكي

سيطرة أزمة سقف الدين الأمريكي على الأسواق منذ بدايات الشهر الماضي مع تزايد المخاوف من تخلف الولايات المتحدة عن قدرتها على سداد التزاماتها للمرة الأولى، وذلك بسبب انقسام حاد بين أعضاء الكونجرس الجمهوريين والديمقراطيين على الموازنة الأمريكية ورفض الجمهوريين الموافقة على رفع سقف الدين البالغ 31.4 تريليون دولار قبل إحداث تغير في أوجه إنفاق الموازنة.

استمر السجال بين الحزبين وتدخل الرئيس الأمريكي جو بايدن وعقد أكثر من اجتماع مع رئيس مجلس النواب الجمهوري كيفين مكارثي من أجل التوصل إلى حلول، وقد سيطر الفشل على أغلب هذه الاجتماعات بسبب رفض تنازل أي من الطرفين عن مطالبه.

في الوقت نفسه استمرت وزيرة الخزانة جانيت يليلن في إرسال تحذيرات للكونجرس الأمريكي والإدارة الأمريكية بالوضع الكارثي الذي تقدم عليه الولايات المتحدة في حال تخلفها عن سداد التزاماتها وأثر ذلك العنيف على كل من الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي، لتضع بداية يونيو موعد نهائي لنفاذ الأموال من الحكومة الأمريكية وعدم قدرتها على السداد.

ومنذ أيام معدودة توصل الرئيس الأمريكي مع رئيس مجلس النواب إلى اتفاق لرفع سقف الدين وتمت موافقة مجلس النواب عليه يوم أمس لينتظر موافقة مجلس الشيوخ.

الجدير بالذكر أن الذهب تفاعل مع أزمة سقف الدين بشكل كبير خلال شهر مايو، فالمخاوف التي نتجت عنها في الأسواق كانت الداعم الأساسي والوحيد لأسعار الذهب كونه استثمار الملاذ الآمن في أوقات الأزمات، ولكن مع نهاية الشهر وبعد صدور العديد من التصريحات الإيجابية بشأن التوصل إلى اتفاق، فقد الذهب هذا الدعم وتعرض لانخفاض كبير ليسجل أدنى مستوياته منذ شهرين.

تغير توقعات الفائدة في الأسواق

بالرغم من الدعم الذي حصل عليه الذهب خلال الشهر الماضي من جراء تطورات أزمة سقف الدين الأمريكي، إلا أنه تعرض لضغط سلبي كبير ناتج عن تغير توقعات الفائدة في الأسواق، والتي كان لها أكبر الأثر على حركة الذهب ودفعه إلى التراجع والتصحيح السلبي.

اجتماع البنك الفيدرالي في بداية شهر مايو شهد رفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس وإشارة البنك إلى إمكانية تثبيت الفائدة في اجتماع يونيو القادم، بالإضافة إلى اعتماد القرار القادم على التغير في البيانات الاقتصادية.

لكن البيانات الاقتصادية التي صدرت عن الاقتصاد الأمريكي خلال هذه الفترة لم تأتي لصالح قرار تثبيت الفائدة، فبيانات النمو أظهرت أن الاقتصاد الأمريكي متماسك بأفضل من التوقعات وفقاً للتقييم الثاني للناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول الذي سجل نمو بنسبة 1.3% بأفضل من التوقعات والتقييم الأول عند 1.1%.

أيضاً مؤشر التضخم الأساس لأسعار المستهلكين السنوي ارتفع بنسبة 4.9%، كما ارتفع مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الجوهري الذي يعد مقياس التضخم المفضل لدى الفيدرالي بنسبة 4.7% على المستوى السنوي بأعلى من القراءة السابقة 4.6%.

البيانات تظهر مرونة الاقتصاد الأمريكي في تقبل رفع أسعار الفائدة والتشديد النقدي من قبل البنك الفيدرالي حتى الآن وهو ما شجع الأسواق لتتوقع قدرة الاقتصاد على تحمل المزيد من قرارات رفع الفائدة والتشديد، خاصة مع استمرار تماسك معدلات التضخم بشكل كبير.

بعد أن كان التسعير في الأسواق لصالح تثبيت أسعار الفائدة في اجتماع البنك في يونيو باحتمال يتخطى 90%، جاءت تصريحات أعضاء الفيدرالي لتشير إلى ضرورة استمرار التشديد النقدي ورفع الفائدة في اجتماع يونيو وحصلت التصريحات على التأكيد والقوة من البيانات الاقتصادية التي صدرت، ليتغير احتمالات الفائدة لتصبح حالياً أعلى من 70% لصالح رفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في الاجتماع القادم.

الدولار الأمريكي يعوض خسائره في مايو

شهد شهر مايو أيضاً تعافي كبير وقوي للدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى فبعد تسجيله أدنى مستوى منذ عام في شهر ابريل استطاع أن يسجل ارتفاع بنسبة 2.6% في شهر مايو وفقاً لمؤشر الدولار الذي يقيس أداؤه مقابل سلة من 6 عملات رئيسية ليصل إلى أعلى مستوى منذ 10 أسابيع عند 104.59.

الدعم الكبير الذي حصل عليه الدولار كان بشكل أساس من تغير توقعات الفائدة في الأسواق لصالح المزيد من رفع الفائدة، بالإضافة إلى البيانات الاقتصادية الإيجابية التي زادت من الطلب على الدولار الأمريكي.

من جهة أخرى لعب الدولار الأمريكي دور الملاذ الآمن في الأسواق أثناء التخوفات الخاصة بأزمة سقف الدين الأمريكي ليعطيه أفضلية مقابل العملات والسلع الأخرى وعلى رأسها الذهب.

أيضاً شهد العائد على السندات الحكومية الأمريكية ارتفاع كبير خلال الشهر الماضي بدعم من توقعات الفائدة، ليسجل العائد على السندات لأجل 10 سنوات ارتفاع خلال الشهر الماضي بنسبة 5.6% مسجلاً أعلى مستوى في شهرين عند 3.859%.

أما عن العائد على السندات لأجل عامين والتي تعد أكثر حساسية للتغير في أسعار الفائدة فقد ارتفعت الشهر الماضي بنسبة 8.8% وسجل الأعلى في شهرين عند 4.637%.

توقعات أسعار الذهب العالمية

الأيام القليلة الماضية شهدت تماسك في أسعار الذهب بعد تسجله أدنى مستوى في شهرين ليعود إلى التعافي من جديد في محاولة للاستقرار فوق المستوى 1950 دولار للأونصة ويتداول وقت كتابة التقرير عند 1955 دولار للأونصة بعد أن شهد تراجع محدود بنسبة 0.4% اليوم الخميس.

تحاول أسعار الذهب تكوين منطقة دعم حول المستويات الحالية ليساعدها على العودة إلى التعافي، ولكن شهر يونيو قد يشهد تحديات قوية أمام الذهب، فبعد التصويت على اتفاقية رفع سقف الدين الأمريكي يفقد الذهب الكثير من الدعم في الأسواق.

أيضاً التوقعات لا تزال في تزايد بشأن قيام الفيدرالي برفع الفائدة 25 نقطة أساس في اجتماع يونيو القادم، وهو الأمر الذي يقلل من الطلب على الذهب الذي يعد أصل ومخزن للقيمة ولكنه لا يقدم عائد لحائزيه مقارنة مع السندات الحكومية.

لم يتبقى أمام الذهب سوى بيانات تقير الوظائف الحكومي الأمريكي عن شهر مايو الذي يصدر غداً ومن بعده بيانات التضخم الأمريكي التي تصدر قبل اجتماع البنك في يونيو، وستساهم هذه البيانات بشكل كبير في توقع القادم بالنسبة لأسعار الفائدة وبالنسبة لأسعار الذهب على حد سواء.

ولكن بشكل عام يظل شراء البنوك المركزية العالمية للذهب وزيادة احتياطيها من المعدن النفيس أحد أهم العوامل التي تدعم الذهب منذ بداية العام الجاري، وهو أيضاً أهم عامل وراء التوقعات أن الذهب سيعود إلى الانتعاش مجدداً خلال النصف الثاني من العام.

اشترت البنوك المركزية كميات قياسية من الذهب العام الماضي وصلت إلى 1078 طن، مما عزز الاحتياطيات لدى الدول بالذهب الذي يعد ملاذ آمن أثناء الضائقة الاقتصادية والاتجاه الحالي المستمر لتقليل دور الدولار كعملة الاحتياطي العالمي.

خلال الربع الأول من هذا العام أضافت البنوك المركزية 228 طنًا إلى احتياطاتها العالمية من الذهب، مسجلة وتيرة قياسية للأشهر الثلاثة الأولى من العام منذ بدء جمع البيانات في عام 2000 وفقًا لمجلس الذهب العالمي.

مؤشرات السلع تسجل أسوأ أداء منذ نهاية عام 2021

شهدت مؤشرات السلع انخفاض حاد خلال شهر مايو الماضي في ظل الارتفاع الكبير في مستويات الدولار الأمريكي الذي يرتبط بعلاقة عكسية مع أسعار السلع بسبب كونها يتم تسعيرها بالدولار.

مؤشر S&P GSCI للسلع والذي يتضمن الذهب في مكوناته سجل انخفاض خلال الشهر الماضي بنسبة 6.5% وسجل أدنى مستوياته منذ ديسمبر لعام 2021 كما يظهر في الرسم البياني التالي.

التراجع الحالي في أسعار السلع مستمر منذ يونيو من عام 2022 ليشهد 11 شهر من الانخفاض من أصل 12 شهر من ضمنهم الـ 7 أشهر الأخيرة وفقا لمؤشر S&P GSCI للسلع.

أسعار الذهب محلياً

شهدت أسعار الذهب المحلية تغيرات كبيرة خلال شهر مايو الماضي، والذي يعد شهر إعادة التوازن إلى أسواق الذهب المحلية، حيث شهد عدد من المبادرات والأحداث الهامة التي ساعدت على عودة الاستقرار بعض الشيء لأسواق الذهب.

انخفضت أسعار الذهب المحلي عيار 21 الأكثر شيوعاً خلال شهر مايو قرابة 11% ليفقد 285 جنيه تقريبا من سعر جرام الذهب، لتتداول أسعار الذهب اليوم الخميس أولى أيام شهر يونيو عند 2330 جنيه للجرام ووصل سعر الجنيه الذهب إلى 18640 جنيه.

نهاية شهر ابريل الماضي شهدت تسجيل أعلى مستوى تاريخي في أسعار الذهب في مصر عند 2800 جنيه للجرام، وكانت الأسواق تشهد طلب حاد وتسعير غير منطقي يتخطى بمراحل تسعير الذهب العالمي.

وعليه وبناءً على مطالبات عديدة بضرورة التدخل لاستقرار السوق، قامت الجهات المعنية بتطبيق مبادرات تهدف إلى تحقيق الاستقرار والتوازن في أسواق الذهب المحلية، وكان أهم هذه المبادرات السماح بواردات الذهب من الخارج بدون رسوم جمركية باستثناء ضريبة القيمة المضافة على المصنعية لمدة ستة أشهر.

كان الهدف من هذه المبادرة السماح بدخول كميات من الذهب إلى الأسواق المحلية لمواجهة الطلب المرتفع على شراء السبائك والعملات الذهبية، وتحقيق توازن بين العرض والطلب، هذا بالإضافة إلى مبادرة خفض أسعار المصنعية على المشغولات الذهبية من اجل العمل على تراجع الطلب على السبائك لصالح المشغولات الذهبية التي عانت من ركود حاد خلال الفترة الماضية.

ساهمت هذه المبادرات في تراجع أسعار الذهب خلال شهر مايو وفي يوم 18 من الشهر سجل الذهب قاع سعري عند 2200 جنيه للجرام ليفقد 600 جنيه من قيمته مقارنة مع أعلى سعر تاريخي وينخفض بنسبة 7% خلال 3 أسابيع.

هذا التراجع في أسعار الذهب يدل على نجاح هذه المبادرات وتراجع الطلب المحلي على الذهب مع تراجع السيولة النقدية المتاحة لدى المواطنين الناتجة عن استحقاق شهادة الـ 18%.

في الوقت نفسه تم الإعلان بشكل رسمي عن إطلاق أول صندوق استثماري للذهب متوافق مع الشريعة الإسلامية، ويتيح الصندوق شراء وثائق صادرة من خلاله بقيمة الوثيقة الواحدة 10 جنيهات والحد الأدنى للشراء 10 وثائق بإجمالي 100 جنيه وبدون حد أقصى للشراء.

وبذلك يمكن لأي شخص التداول والاستثمار في الذهب بأقل مبلغ ممكن، وفي حالة الرغبة في الاحتفاظ بالذهب وتسلمه بشكل فعلي سيكون الحد الأدنى للشراء 50 جرام ذهب (ما يساويهم من الوثائق).

صندوق استثمار الذهب يفتح الباب أمام العديد من الشرائح للاستثمار في أسواق الذهب كون الحد الأدنى للاستثمار منخفض، كما يساهم في تحقيق الاستقرار في أسواق الذهب حيث نستطيع معرفة تسعير جرامات الذهب في الصندوق والذي سيكون سعر استرشادي قد يحد من التسعير المبالغ فيه في الأسواق.

ولكن بشكل عام لن يستطيع صندوق استثمار الذهب أن يغير من العوامل الداعمة للذهب كون استثمارات الصندوق مدعومة بالذهب الفعلي، وبالتالي لن يحدث تراجع ملموس في الطلب الحقيقي على المعدن النفيس.

ولكن بشكل عام حققت هذه الخطوات هدفها وعاد تسعير الذهب المحلي إلى التوافق بشكل كبير مع التسعير العالمي، وعاد الهدوء بشكل تدريجي إلى أسواق الذهب المحلية كما نرى منذ الأسبوع الماضي.

توقعات أسعار الذهب المحلية

في حالة استقرار الأوضاع في الأسواق المصرية دون تغير قد نشهد استمرار التراجع الحذر في أسواق الذهب المحلية خلال الفترة القادمة، خاصة مع توقع بزيادة المعروض من الخام في الأسواق في ظل تزايد واردات الذهب من الخارج مع تزايد أعداد نزول العاملين في الخارج لقضاء فترة العطلات الصيفية.

أما عن الأوضاع المالية للاقتصاد المصري فيظل الشغل الشاغل في الأسواق هو مراقبة أوضاع الديون المصرية المرتفعة وسبل الحكومة لتجميع التمويل من النقد الأجنبي اللازم لسداد هذه الديون، بالإضافة إلى سد الاحتياجات المحلية.

وبالنسبة لعودة الذهب إلى اختبار مستويات 2800 جنيه للجرام نجد أن الذهب في حاجة إلى تحفيز قوي للوصول لهذه المستويات من جديد، وقد يجد هذا التحفيز من تزايد جديد في السيولة المتاحة لدى المواطنين مع استحقاق شهادات جديدة أو حدوث خفض جديد في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار.

أيضاً قد يجد الدعم من عودة أسعار الذهب عالمياً إلى الارتفاع وتسجيل مستويات قياسية جديدة تجبر الأسعار محلياً على الارتفاع من جديد.

وبالنسبة لسعر صرف الجنيه مقابل الدولار فقد استقر في البنوك بشكل رسمي في التداول عند مستويات 30.95 جنيه لكل دولار خلال شهر مايو، بينما أعلن البنك المركزي المصري أن عجز صافي الأصول الأجنبية قد تراجع في ابريل الماضي للمرة الأولى منذ ديسمبر الماضي بمقدار 162.7 مليون دولار ليصل إلى 24.1 مليار دولار.

بينما تترقب الأسواق المراجعة الأولى لصندوق النقد الدولي لبرنامجه التمويلي البالغ 3 مليار دولار والذي تم الاتفاق عليه في مارس الماضي وحصلت مصر على الشريحة الأولى، بينما تم تأجيل موعد المراجعة الأولى منذ منتصف مارس حتى الآن من أجل عمل الحكومة على تحقيق تحرك حقيقي في ملف طرح الشركات المملوكة للدولة للبيع لمستثمر استراتيجي أو طرحها في البورصة مثل ما حدث مع طرح 10% من الشركة المصرية للاتصالات.