الأربعاء 17 أبريل 2024 12:48 صـ 7 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

منوعات

حديقة الأزبكية.. منارة الفن والثقافة المصرية في القرن الـ20 التي تأمل العودة

حديقة الازبكية
حديقة الازبكية

بدأت كهدية من سلطان المماليك، وطورت في عهد مؤسس مصر الحديثة حتى بنيت رسميا في عهد الخديو إسماعيل لتزين وسط العاصمة القاهرة، وتكون بمثابة قلب ومركز عاصمة الأسرة العلوية طوال القرن الـ19، وتصبح من بعده منارة الفن والثقافة ومقصدا لحفلات كبار المطربين والفنانين المصريين والعرب، فتشدو على مسارحها أجمل الأصوات الفنية، بل ويكون لها دور فني وثقافي عريق بمرور السنوات.

برزت مكانة حديقة الأزبكية في نهاية القرن الـ19 والنصف الأول من القرن الـ20، فبجانب مكانتها كحديقة فريدة ومميزة تضم الأشجار التاريخية والنباتات النادرة التي جُمعت من مختلف أنحاء العالم، ضمت الحديقة عددا من المسارح جعلتها تصبح خلال سنوات طويلة ملتقى للفنانين والأدباء، فاشتهرت بعروضها المسرحية وحفلاتها الغنائية لكبار المطربين وإقامة الاحتفالات الرسمية والشعبية الكبرى للأجانب والمصريين.

• نشأتها.. من المماليك لمحمد علي وإسماعيل

بدأت فكرة إنشاء حديقة الأزبكية في عصر المماليك، عندما أهدى السلطان قايتباي قطعة أرض لقائد جيوشه سيف الدين أزبك، فأقام بها حديقة واسعة ومميزة، شُيدت على مساحة 60 فدانا، لتصبح من أشهر حدائق القاهرة آنذاك، قبل أن يطورها محمد علي باشا، مؤسس مصر الحديثة، ويزرع الأشجار لتصطف على جانبيها، وتعطيها منظر جمالي فريد.

وبمجرد تولي الخديو إسماعيل حكم البلاد، أراد أن يجعل القاهرة قطعة من أوروبا بتجديد عمارتها ومبانيها وطرقاتها، فشرع في تطوير الحديقة الشهيرة، وجفف بحيرتها التي كانت تتوسط ميدان الأزبكية، ليحميها من مياه الفيضان، وردم بركتها واقتطع بعض أشجارها.

وفي الأزبكية، شُيد على أحد جانبيها المسرح الكوميدي الفرنسي، في العقد السابع بالقرن الـ19، وفي الجانب الآخر أقيمت دار الأوبرا الخديوية بمناسبة افتتاح قناة السويس، التي عرضت عليها أوبرا "عايدة" للموسيقار الإيطالي فيردي، وزُين وسطها بتمثال إبراهيم باشا بن محمد علي، ووالد إسماعيل، بعدما صممه الفنان الفرنسي كورديه، بتكلفة عالية تخطت حينها 18 ألف جنيه.

وفي وسط الحديقة، شُيد مسرح الأزبكية، ببداية العقد الثامن بالقرن الـ19، الذي أصبح فيما بعد منارة الفن والثقافة بالقاهرة، مع تصاميم أخرى داخلها، وتم تزويدها بـ2500 مصباح غاز يضيؤها في الليل لجمهورها وروادها، وبجوار الحديقة أقيم فندق الكونتننتال، الذي كان يضم كشكا للموسيقى، وخصصت له فرقة من العازفين على الآلات النحاسية.

وكان وراء تلك التصاميم الفريدة المهندس الفرنسي باريل ديشان، الذي صمم الحديقة على مساحة 20 فدانا، تم تشجيرهم بالأشجار والنباتات النادرة، وأُحيطوا بسور من البناء والحديد، وفتح فيه أبواب من الجهات الأربع، تنفيذا لقرار الخديو إسماعيل، وبعد أن تم تقسيم الأزبكية الأصلية في عهده، وهو ما ذكره نوبار باشا، أول رئيس وزراء لمصر في مذكراته، التي صدرت لأول مرة في لبنان، بنهاية القرن الـ20.

• منارة الفن والثقافة في أزهى عصورها

ومع تطور الزمن، اقتطعت من الحديقة أجزاء أقيم عليها "سور الأزبكية" الخاص ببيع الكتب القديمة، وهو المكان الذي لاقى رواجا كبيرا من مثقفي مصر والعالم العربي، الذين كانوا يتوافدون على جنباته للحصول على الكتب النادرة في طبعتها الأولى، والتي يرجع بعضها لأكثر من قرن من الزمن.

وظلت الأزبكية بمسارحها وأوبراتها منارة للفن والثقافة في مصر، تستقطب الفنانين من كل حدب وصوب، إبان القرنين الـ19 والـ20، فمسرحها، الذي كان يُعرف آنذاك، بـ"تياترو حديقة الأزبكية" اشتهر بتقديمه العروض الغنائية والمسرحية الهامة، وشاركت على خشبته كبار الفرق المسرحية، مثل فرقتي أولاد عكاشة ورمسيس ليوسف وهبي، وغيرها من الفرق صاحبة الأسلوب المسرحي المميز، حتى تغير اسم التياترو الشهير ليكون "المسرح القومي"، وتقدم على خشبته مسرحيات نعمان عاشور ومحمود دياب ويوسف إدريس.

وعلى مسرحها أيضا، أقيمت أهم حفلات كوكب الشرق أم كلثوم والعندليب عبدالحليم حافظ ونجاة وشادي ووديع الصافي وصباح وفريد الأطرش وغيرهم، فيما كان في الأزبكية ركن خاص بحفلات المطربين الشعبيين ورواد الموسيقى الشرقية أمثال عبده الحامولي ويوسف المنياوي ومحمد عثمان وصالح عبدالحي وعزيز عثمان وغيرهم.

• حريق القاهرة ويد الإهمال وأمل التطوير والعودة

بمرور السنوات، شهدت الحديقة الشهيرة تقلصا كبيرا في مكانتها، حيث طالتها يد الإهمال، بعد حريق القاهرة، الذي اندلع في العقد السادس بالقرن الـ20، ومع إنشاء مترو الأنفاق، فتم اقتلاع كثير من أشجارها النادرة وتجريف أرضها لصالح إنشاء المترو في منطقة العتبة، وزاد الأمر لتفقد كثيرا من قيمتها الجمالية، إذ قسمت إلى عدة أجزاء منها سنترال الأوبرا، واخترقت بشارع 26 يوليو، ولم يتبق اليوم إلا جزء صغير منها يجاور المسرح القومي.

لكن منذ عدة سنوات وحتى اليوم، تتجه البلاد لتطوير الحديقة التاريخية، فبدأ الجهاز القومي للتنسيق الحضاري بتنفيذ مشروع لتطوير الحديقة بهدف إعادة إحياء طابعها التاريخي ولما كانت عليه خلال سنوات تألقها الفني والثقافي وكذلك إعادة صياغة ثوابت الحديقة وتخطيطها لاستعادة بعض المساحات التي فقدتها، حيث تقلصت مساحة الحديقة من 20 فدانا إلى 5 أفدنة خلال سنوات من الإهمال.