الصناعة الوطنية.. طوق النجاة من الأزمة الاقتصادية
كيف نستعيد عبارة «صنع فى مصر»، التى كانت العلامة المميزة للسوق المحلية، ومدعاه الفخر والاعتزاز للعامل المصرى، سواء كان يعمل فى القطاع الحكومى أو الخاص، والمعززة للاقتصاد القومى، والتى لا تزال فى ذاكرة المصريين، منذ عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذى قام بإنشاء آلاف المصانع فى كافة المجالات لتستوعب ملايين العمال والمهندسين وغيرها من الوظائف وفى نفس الوقت تحقق الاكتفاء الذاتى لمصر فى كثير من الصناعات الأساسية، إلا أن سياسة الخصخصة فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، دمرت تقريبا معظم هذه الصناعات، وتسببت في تشريد آلاف العمال.
ورغم أن الصناعة الوطنية تعتبر الركيزة الأساسية فى تعزيز النمو الاقتصادى بشكل عام، والحد من تفاقم مشكلتى الفقر والبطالة بشكل خاص، بما يساهم فى عملية التنمية والإصلاح الاقتصادى، إلا أن القطاعات الإنتاجية تواجهها حزمة من العقبات والمعوقات، أبرزها البيروقراطية، وغياب التمويل، والمشكلات التشغيلية، وضعف آساليب التطوير والتحديث، وانعدام آليات التسويق، وقصور الدور الإعلامى، كل ذلك نتاج السياسات الاقتصادية السائدة، التى أضرت بالعديد من الصناعات العملاقة، وساعدت على إغلاق المصانع والشركات الوطنية، بعدما سمحت بخلق فوضى الاستيراد العشوائى للمنتجات الأجنبية، وتشريد مئات الآلاف من العمالة المصرية فى الشوارع، أو إجبارهم على الخروج على المعاش المبكر.
ويستلزم ذلك وجود خطة استراتيجية قادرة على توجيه وإنجاح الصناعات الوطنية، وفق التوسع لتنمية مستدامة صناعياً وزراعياً واقتصادياً، ذات الصلة المباشرة بسد احتياجات السوق المحلية، والعمل على بناء القدرات المتكاملة للأيدى العاملة المصرية، وتعزيز قدراتهم على الإبداع والابتكار، وتحديث آلات ومعدات الإنتاج، وتحسين نوعية المنتج المحلى، ورفع مستوى الجودة، والتوسع فى إحداث رواج للمنتج المصرى، ومواجهة خطر التعثر، وفتح آفاق جديدة للتسويق داخلياً وخارجياً، وإحكام السيطرة على استيراد السلع التى لها مثيل محلى، ووقف نزيف الاحتياطى الأجنبى.
وطبقاً للبيانات والمعلومات المتداولة، يبلغ عدد مراكز تدريب العمالة المصرية فى مجال التأهيل المهنى الحكومية والخاصة، والتابعة لشركات قطاع الأعمال العام ما يعادل 806 مراكز تدريب، بخلاف 20 مركز تدريب لإعداد القادة "القيادات العليا"، كما يوجد 11 ألفا و149 منشأة تعمل فى صناعة النسيج عامة وخاصة، وبلغ عدد العاملين بها 1.2 مليون عامل، بما يمثل ما لا يقل عن 30% من قوة العمل، و25% من الصادرات الصناعية، وبلغ متوسط دخل العامل المصرى شهرياً ما بين 700 و800 جنيه، بينما بلغت خسائر صناعة الغزل النسيج ما يقرب من 4 مليارات جنيه، وفقاً لاتحاد الصناعات المصرية.
د. كمال عباس: يجب إعادة النظر فى هيكلة المنشآت الاقتصادية.. والاهتمام بالطاقات البشرية والتوزيع العادل للأجور
بداية، أكد كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية، على أهمية وجود خطة سريعة لتطوير الصناعات الوطنية، والاستفادة من الطاقات البشرية المبعثرة، بغية وضع الشخص المناسب فى المكان المناسب، ومتابعة ذلك إلى جانب عمل برامج تنمية بشرية لنقل الخبرات والبرامج التدريبية، بما يحقق الكفاءة الإنتاجية، وضمان بقاء القطاعات التشغيلية واستمرارها.
وأشار إلى ضرورة تطوير أنظمة التعليم الفنى والتدريب المهنى، من حيث السياسات والأهداف والبنية المؤسسية لكل قطاع على حدة، مع استخدام برامج وأساليب التعليم والتدريب المهنى والتقنى وغيرها، وذلك لسد الفجوة بين متطلبات أسواق العمل، ومخرجات المدارس والمعاهد الفنية ومراكز التدريب المهنى، بما يؤدى إلى خفض نسبة البطالة، واكتساب المهارات العملية، وتعزيز قدرة العامل على الابداع والابتكار، ويلبى الاحتياجات المطلوبة، موضحاً أهمية إتاحة آفاق جديدة لترويج المنتجات المصرية داخلياً وخارجياً للنهوض بالأنشطة الإنتاجية متناهية الصغر وتفعيل دورها فى التنمية الاقتصادية، وذلك من خلال تسهيل عملية البيع المباشر للمستهلكين، بواسطة المنافذ أو المعارض المجمعة شهرياً، أو ربع سنوية، للتعريف بأهمية الإنتاج المحلى، وذلك تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعى، وهو ما يحفز التوظيف الذاتى لذوى الدخل المحدود، أو الجمعيات فى التوسع والانتشار، والعمل فى مشاريع صغيرة ذات مردود اقتصادى مضاف، بما يساهم فى تحسين وضعها الاقتصادى.
د. عبدالمطلب عبدالحميد: السلع الاستفزازية «غول» يدمر المنتجات المحلية
الاهتمام بتشغيل آلاف الشباب.. وحصار نسبة البطالة
والتقط طرف الحديث، الدكتور عبدالمطلب عبدالحميد، الخبير الاقتصادى، الرئيس السابق لأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، قائلاً: إننا بحاجة إلى النظر بشكل جدى للسوق المحلية أو الصناعات الوطنية، وإعطاء الاهتمام والأولوية القصوى، لتصنيعها وتسويقها، حتى تعود بالعائد المجزى على مصر، لأن هناك العديد من المصانع والورش الصغيرة والشركات العامة والخاصة التى تم إغلاقها بسبب انخفاض حركة البيع والشراء للمنتجات المحلية، وهو ما أدى إلى زيادة الدين المتراكم للبنوك .
وأوضح الخبير الإقتصادى أن الاهتمام بتشغيل آلاف الشباب وتقليل نسبة البطالة يصب فى صالح الاقتصاد القومى، والحفاظ على الاحتياطى الأجنبى، الذى يتناقص بسبب استيراد هذه السلع، خاصة بعدما أعلن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء أن حجم استيراد السلع الاستفزازية سنوياً 60 مليار دولار، وهو ما يمثل عبئاً إضافياً على العملة الأجنبية.
وشدد "عبدالحميد " على ضرورة إصلاح السياسات الخاطئة المتبعة فى الإنتاج والتصنيع، وتوظيف المقومات التكنولوجية والتقنيات الحديثة، لصالح التنمية والتحديث للآلات والمعدات، والتدريب للعمالة الفنية، بما يتناسب مع متطلبات السوق المصرية والشركات العامة والخاصة، بالاضافة إلى إعادة فرض رسوم جمركية على استيراد المنتجات الواردة من الخارج، خاصة السلع غير الضرورية التى تدمر الصناعة الوطنية، وتقلل من أعباء الديون والالتزامات غير المبررة على الدولة.
د. صلاح الدسوقى: الاستفادة من تجارب دول شرق آسيا هى الحل
ورحب بالرأى السابق، الدكتور صلاح الدين الدسوقى، رئيس المركز العربى للإدارة والتنمية، مؤكداً ضرورة تنمية مهارات قوة العمل من خلال التدريب الجيد والتأهيل الفنى والمهنى وتعزيز قدراتهم على الإبداع والابتكار، بما يحقق زيادة فى حركة الإنتاج والتسويق، أما بالنسبة للاقتصاد السرى فهو اقتصاد مواز للاقتصاد الرسمى للدولة، أى أنه تجارة مشروعة، لكنه لا يخضع لآليات ورقابة الدولة، من تأمينات اجتماعية وضرائب إجبارية وتأمين صحى واجتماعى.. وخلافه من منظومة الدولة وهذا يؤثر بشكل أو بآخر على الاقتصاد الرسمى، الذى يقوم أصحابه بسداد المستحقات الحكوميه من (إيجار- نور- مياه- ضرائب- تأمينات اجتماعية- تأمين صحى- رسوم جمركية.. وخلافه) من الرسوم العامة للدولة.
أما عن إجراءات تقنين الاقتصاد غير الرسمى فيقول الدكتور "الدسوقى": هناك تجارب مثالية لدول كثيرة خاصة فى شرق آسيا مثل اليابان والصين وهونج كونج وتايوان، قامت بحل هذه المعادلة، خاصة فى مجالات تقليد السلع أو ما يعرف باسم الهندسة العكسية، وذلك عن طريق الإعلان عن تسهيلات للقطاع غير النظامى، وهى تتمثل فى أن تكون المدة السابقة على التسجيل فى الاقتصاد الرسمى (معفاة) بالكامل، من أى رسوم أو ضرائب أو مسئولية مدنية أو جنائية أو غرامات أو خلافه، مع تدريب معظم هذه العمالة وتأهيلها للعمل طبقا المواصفات والجودة، والإعفاء (3 سنوات) مقبلة من كافة الضرائب والرسوم، وسداد التأمينات من بداية التسجيل فى المنظومة العامة، ومن يرد شراء (مدد سابقة) على ذلك لزيادة معاشه مستقبلاً فليفعل ذلك، مع إنشاء هيئة وطنية لشراء هذه المنتجات، سواء للتوزيع داخل مصر أو للتصدير إلى الخارج، على أن يتم مدهم بالمواد الخام اللازمة لهذه الصناعات، وهذه السلع تتاح للمواطنين بأسعار مخفضة، والتعامل مع هذه الصناعات بصفتها صناعات بسيطة، وبالتالى تخضع لشرائح ضريبيه مخفضة، وتحديد مدة زمنية لا تزيد على (60 يوماً) من يريد أن يتمتع بالحوافز ويدخل فى (الاقتصاد الرسمى)، وبعد ذلك تكون هناك عقوبات مالية مغلظة، وبذلك يتم دخول الاقتصاد غير الرسمى أو العشوائى ضمن منظومه الدولة.
د. يحيى الزنانيرى: مطلوب تشديد الرقابة على السلع المستوردة ذات البديل المحلى
ومن جانبه، يرى الدكتور يحيى الزنانيرى، نائب رئيس قسم المنسوجات للاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، أن المنتج المصرى يتعرض حالياً لحالة ركود شديدة، بسبب استيراد المنتجات من الخارج، والمقصود هنا الملابس الجاهزة سواء كانت مستعملة "بالة" أو جديدة، وهو الأمر الذى يحتاج بالفعل إلى تقنين لهذه النوعية من المنتجات التى تؤثر بالسلب على الصناعة الوطنية، لكونها تنتشر بشكل مبالغ فيه فى جميع أنحاء مصر.
وأضاف أن المنتجات الأجنبية عادة ما يكون مشكوكا فى معايير جودتها، ومدى التزام أصحاب تلك التجارة بالمواصفات القياسية المتعارف عليها لدى المصنعين، كما أنها تسبب خسارة كبيرة للدولة بمجرد دخولها الجمارك، لأن الملابس المستعملة تحسب بالوزن والحجم وليس بالقطعة وأسلوب تكلفتها، مما يضر بالتجارة الرسمية، التى تلتزم بضوابط وضمانات الجودة البيئية والصحية.
د. أحمد أبوالنور: الإعلام مطالب بتوعية المواطنين بأهمية المنتج المحلى
فيما رأى الدكتور أحمد أبو النور، أستاذ الاقتصاد وإدارة الأزمات بالجامعة الأمريكية، ضرورة اتخاذ كافة الآليات والإجراءات التى من شأنها حماية الصناعة الوطنية، من أى مشاكل أو معوقات قد تؤثر على قدرتها التنافسية، فى مواجهة المنتجات المستوردة داخل السوق المحلية، والمحافظة على استمراريتها وتطورها، بالاستفادة من الموارد البشرية والخيرات الهائلة للدولة، مع سن التشريعات اللازمة لتطوير الإنتاج المحلى.
وطالب الدكتور "أبو النور" بضرورة التكامل بين العاملين بقطاع التجارة والصناعة من تجار وصناع على حد سواء، لأنه لا يمكن فصلهما، مع أهمية التواصل مع اتحاد الصناعات للارتقاء بالمنتج المحلى، والعمل على حل المشكلات، وضمان استمرار قدرتها التنافسية.
واستطرد: ان المصانع المسجلة تتحمل أعباء مثل العمالة والضرائب والتأمينات وما شابه ذلك، إضافة إلى جودة منتجاتها وسلامة تأثيرها على المستهلك، لأن المصانع المرخصة تتوافر بها شروط السلامة والصحة المهنية، داعياً وسائل الإعلام لتبنى حملات توعية لشراء المنتج المصرى، وزيادة الوعى بأهمية دعم الاقتصاد المصرى، لإنقاذ الصناعة الوطنية بمختلف أنواعها.
صلاح العربى: يجب الاهتمام بالمشروعات الصغيرة والأسر المنتجة
ووافقه الرآى السابق، صلاح العربى، المنسق العام لحركة مواطنون ضد البطالة، الذى أشار إلى ضرورة التوسع فى المشروعات الزراعية والصناعية ذات الصلة المباشرة بسد احتياجات الصناعة الوطنية، والاهتمام بالعامل المصرى الذى يحتاج إلى تأهيل فنى ومهنى، وتحديث أساليب التطوير، وتحسين بيئة العمل، وربط العمل بالإنتاج، وزيادة الأجور، وتكثيف الإنتاج، مع ضرورة تفعيل دور الرقابة على المنتجات المحلية.
وطالب "العربى" بأهمية تضافر الجهود والتعاون بين الجمعيات الأهلية والمؤسسات المهنية العاملة فى مجال تنمية المجتمع كشريك فعلى إلى جانب الدولة، للارتقاء بقطاعات العمالة غير الرسمية، والاهتمام بالمشاريع الصغيرة فى المجالات كافة وتطورها، ودعم الأسر المنتجة، وتحفيز التوظيف الذاتى فى القطاع، والتعرف على النشاطات المختلفة التى يمارسها هذا القطاع، فى سياق متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، عن طريق إيجاد فرص عمل قصيرة الأجل، بما يعمق مفهوم المسئولية الاجتماعية، ويدر دخلاً إضافياً لميزانية الدولة، ويضمن توزيعا صحيحا للمنتجات المصنعة بالأيدى العاملة المصرية الماهرة.
أحمد السيد: التأمين الصحى والاجتماعى ضد مخاطر العمل.. مطلب أساسى
ومن جهته، يطالب أحمد السيد، الأمين العام لإتحاد النقابات المستقلة، بضرورة حماية الصناعة الوطنية، خاصة بعد إغلاق العديد من المصانع المحلية، وهو ما يتطلب تنفيذ مجالات جديدة للاستثمار والتنمية الشاملة، مثل بناء مصانع وخطوط إنتاج جديدة لتشغيل الأيدى العاملة، بما يعود بالنفع على الاقتصاد، مع أهمية الاستفادة من التجارب السابقة للمصانع المتعثرة، إضافة إلى تطبيق الحدين الأدنى والأقصى للأجور، بما يضمن حياة كريمة للعمال الكادحين، ويكفل تقريب الفروق بين الدخول، وتثبيت العمالة المؤقتة، التى طالما عملت دون أن تحصل على أى حقوق، فضلاً عن أهمية الاستقلالية النقابية.
وأضاف "السيد": إصابة العمل تعتبر من المآسى التى تهدد المهن البسيطة، فإذا ما أصيب العامل غير المؤمن عليه فى أماكن العمل .. فليس له الحق فى الحصول على تعويض أو علاجه بالمجان، ومن ثم ينبغى تحصين حقوق العمال فى الصناعات الصغيرة كالمصانع والورش الإنتاجية، عن طريق التزام صاحب العمل والدولة معاً بتوفير الخدمات الصحية والتأمين الصحى لحماية العامل من كافة مخاطر العمل.


.jpg)



.jpg)


.jpg)

.jpg)
