الإثنين 6 مايو 2024 12:40 صـ 26 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

تقارير ومتابعات

ترميم المنازل حول القنصلية الإيطالية طلاء بالخارج ولا تغيير بالداخل

منازل تتراص بعشوائية منذ أكثر من قرن خلف مبنى القنصلية الإيطالية الأثري، النوافذ الطولية القديمة تزين الشوارع الضيقة التي تفصل بين المباني الثابتة، لم يغيرها الزمان إلى أن جاءت سيارة مفخخة واستقرت بالقرب من حيهم الهادئ، وانفجرت فأحدثت ضجيجا أيقظ الأهالي من نومهم، وحطم منازل بأكملها أو أسقط سقفا على رؤوس أصحاب بيت متواضع يحتاج إلى ترميم.

مازال المهندس ممدوح بحراوي، الذي تخطى السبعين من عمره يتذكر تفاصيل هذا اليوم جيدًا: "صليت الفجر ومع الساعة السادسة، و15 دقيقة، سمعنا صوت انفجار قوى، قومنا عشان نشوفه كنا بنفتكره زلزال، على البيت اللي آيل للسقوط اللي جمبنا يمكن يكون وقع لكن بعدين اكتشفنا أن حصل انفجار".

المنزل الذي يقيم فيه بحراوي، تجاوز عمره المائة عام، وبينما ينشغل العمال في أعمال الترميم، يحاول بحراوي وصف حال منزله بعد الانفجار: "زجاج المنزل تدمر، والبيت كله بقى عبارة عن زجاج متكسر على الأرض، والبيبان والشبابيك اتكسرت".

وبالرغم من أن الحكومة أسرعت في أعمال ترميم البيوت، وتحملت التكاليف، بحسب البحراوي إلا أن أعمال الترميم كانت مجرد محاولة لتحسين وجهة المباني ومداخلها فقط، من وجهة نظره.

"من برا هلاهلا ومن جوا يعلم الله".. هكذا يصف محمد علي، أحد جيران القنصلية الإيطالية ترميم الحكومة لمنزله، ويشير إلى أثاث منزله الملقى على ضفتي الشارع الضيق، ويقول: "السقف بتاع بيتي وقع من الانفجار والعمال مش عايزين يرمموه، وسألت المهندس قالي أحنا بنلصم وبنلزق البيوت ودا غلط على سمعة شركتنا والسقف بتاع بيتك لو عملناه ممكن يقع تاني".

يبدو الطلاء الأصفر الذي انتهى منه عمال الترميم، لافتًا للانتباه لا يناسب تواضع الحي العشوائي الذي يعاني من نقص الخدمات، يتأمله "علي" الذي لم يتجاوز عمره الأربعين سنة: "هما حريصين أن الدهان يبقى نضيف كدا عشان الكاميرا لما تيجي تصور تلاقي الحي شكله نضيف لكن لو دخلوا جوه البيوت هيكتشفوا الحقيقة".

لدى الحكومة خطة طموحة لتطوير مثلث ماسبيرو، الذي يشمل بالتأكيد جيران القنصلية الإيطالية، وهي خطة تنص على تحويل المنطقة إلى حي راقٍ متكامل، وقبل بداية رمضان بأيام قليلة، جاءت لجنة إلى الحي لحصر المنازل والتفاوض من أجل تعويض مناسب لإخراجهم من المنطقة: "كنا هناخد على الشقة الثلاث غرف 100 ألف جنيه"، لكن بعد الانفجار الذي حدث وأعمال الترميم، لم يعد علي وجيرانه في المنطقة متأكدين من أن المفاوضات ستسير وفقًا لما يطمحون، حيث كان في حسبانهم أن يفاوضوا الحكومة على دفع مبلغ 150 ألف جنيه عن الشقة الواحدة.

أقدمت الحكومة على بيع أرض مثلث ماسبيرو الذي يقيم فيه الأهالي إلى شركات خليجية، كي تبني فيها أبراجًا سكنية، ومحالاً تجارية على أعلى مستوى، لكن علي وجيرانه يرون أنه ليس من حق الحكومة أن تبيع الأرض التي يسكنون فيها منذ أكثر من 150 عامًا: "البيت دا أنا اتجوزت فيه وجدي اتجوز فيه وابني بإذن الله هيتجوز فيه".

داخل أحدى المنازل يظهر عامل الترميم وفي يده عدته، ينبعث من خلفه صوت أمرأة تصرخ: "أنت ترضاها يا ابني تعيش كدا"، تعترض نعوس بخيت "أم صلاح"، على طريقة سير عملية الترميم، ففي داخل الغرفة الوحيدة الموجودة في منزلها، نصب العمال 9 أعمدة حديدية، أجبرت السيدة المسنة على إخراج سريرها، وعدم إمكانية إدخاله إلى الغرفة مرة أخرى.

تجد "أم صلاح" صعوبة في استخراج دواء الضغط والسكر الخاص بها من الدولاب، حيث إن أحد الأعمدة الحديدية التي نصبت لمنع السقف من السقوط تجبر السيدة الطاعنة في السن على "الانحشار" بينه وبين باب الدولاب، قبل أن تنجح في النهاية من تحرير نفسها ودوائها: "العمال قالولي أن العمدان الحديد دي هتفضل على طول طب أنا أنام فين لو الشقة هتقع يجبولي شقة غيرها بس مايكونش إيجارها غالي أنا بدفع هنا إيجار 20 جنيه في السنة".

في المنزل رقم 12 بشارع زهرة جمال يقع المنزل الأكثر تضررًا من الحادث الإرهابي، تقيم فيه عائلة السيدة وفاء عبدالرحيم، كانت الشركة المكلفة بأعمال الترميم، أو"التلصيم" كما تسميها وفاء، تنوي ترميم المنزل كباقي البيوت في المنطقة، إلا أن بعد عدة أيام من بدء أعمال الترميم فوجئت وفاء بأحد المهندسين يخبرها أن منزلها لم يعد يصلح للترميم وسيهدم ويبني من جديد.

أصبح أمام وفاء بحسب ما أخبرها المهندس خيارين إما أن تأخذ شقة لا تتجاوز مساحتها 33 مترًا في مدينة الشيخ زايد، أو تنصب خيمة تسكن فيها، وتعود للمنزل بعد إعادة بنائه، وكلا الخيارين ترفضهم وفاء وعائلتها بشدة: "هنفضل في بيتا حتى لو هيقع فوق راسنا".

تدفع وفاء 5 جنيهات فقط إيجار لشقتها في الشهر، وبسبب ضعف هذا المبلغ تعتبر وفاء نفسها تعيش في شقة ملك لها وليست مؤجرة من الحكومة التي أعطت الأرض لأجدادها مقابل إيجار زهيد كحق انتفاع وليس تمليك، وهي تخشى ترك منزلها حتى يرمم أن تستغل الشركات التي اشترت الأرض هذه الحادثة في اخراجها من منزلها إلى الأبد.