الأبعاد الاستراتيجية والرمزية لانضمام كازاخستان إلى الاتفاقيات الإبراهيمية
كشفت ماري ماهر، الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، عن الأبعاد الاستراتيجية والرمزية لانضمام كازاخستان إلى الاتفاقيات الإبراهيمية، موضحة أنه بالنظر إلى العلاقات الواسعة متعددة الجوانب التي تجمع كازاخستان بإسرائيل، تكون خطوة الانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية ذات مدلولات رمزية تنطوي على أهداف استراتيجية أوسع تتجاوز مسألة تطبيع العلاقات الثنائية.
وذكرت أو أول هذه الأبعاد، إطلاق مسار الاتفاقيات الإبراهيمية 2.0، حيث أدى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عقب عملية طوفان الأقصى في أكتوبر 2023 إلى تجميد مسار توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية، وتعطيل مساعي إدارة بايدن لإدماج السعودية في هذا الإطار، ولذا يسعى ترامب إلى إحياء زخم عملية التطبيع. وجاء اختيار كازاخستان لتدشين “الاتفاقيات الإبراهيمية 2.0” نتيجة توفر عدة مقومات جعلت منها الخيار الأنسب مقارنة بغيرها من الدول الإسلامية. فمن ناحية، تُعد كازاخستان دولة ذات أغلبية مسلمة –حوالي 70% من السكان– بما يخدم الرؤية الأمريكية والإسرائيلية الرامية إلى توسيع قاعدة التطبيع داخل العالم الإسلامي.
ومن ناحية أخرى، تمتلك أستانا علاقات إيجابية ومستقرة مع إسرائيل ترتكز على إرث تاريخي ومصالح استراتيجية وتعاون ممتد في مجالات الدفاع والتكنولوجيا والطاقة والزراعة والصحة والأمن والسياحة. وتعود العلاقات بين كازاخستان واليهود إلى القرن الخامس عشر عندما وصل التجار اليهود لأول مرة عبر طريق الحرير إلى ما يعرف الآن بكازاخستان، وخلال عمليات الترحيل القسري التي شنها ستالين والحرب العالمية الثانية، أصبحت كازاخستان موطنًا لأكثر من مئة مجموعة عرقية منفية من أجزاء أخرى من الاتحاد السوفيتي، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من اليهود الفارين من الاضطهاد النازي، وعقب انهيار الاتحاد السوفيتي كانت إسرائيل من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال كازاخستان عام 1992، وسرعان ما أقام البلدان علاقات دبلوماسية كاملة، بحسب الباحثة.
وأوضحت أنه منذ ذلك الحين، نما التعاون بينهما بشكل مطرد في عديد من القطاعات؛ حيث ساعدت الخبرة الإسرائيلية كازاخستان على تحديث أنظمة الري وقطاع الرعاية الصحية، بينما أصبحت كازاخستان من أكبر موردي النفط لإسرائيل؛ حيث تمد الأخيرة بحوالي 25% إلى 30% من احتياجاتها السنوية. وقد تجاوز حجم التجارة الثنائية بين كازاخستان وإسرائيل عام 2023 حوالي 450 مليون دولار، مدفوعة بشكل رئيسي بصادرات المعادن الكازاخستانية وواردات التكنولوجيا والمنتجات الزراعية الإسرائيلية. وفي عام 2023، صرح السفير الإسرائيلي السابق ران إيشاي بأن كازاخستان دولة خالية من معاداة السامية.
وقالت: «قد جعلت هذه المقومات عملية انضمام أستانا إلى الاتفاقيات الإبراهيمية 2.0 أكثر سلاسة وأقل تعقيدًا سياسيًا أو شعبيًا. وعليه، تُعد كازاخستان الفصل الأول في خطة أوسع نطاقًا لاستقطاب شركاء جدد وتشجيعهم على الانضمام، بمن فيهم دول محتملة مثل السعودية وأوزبكستان وأذربيجان».
وأوضحت أن الأبعاد تتضمن أيضاً خدمة الأهداف الجيوسياسية الأمريكية في آسيا الوسطى، ففي إطار تحرك الولايات المتحدة نحو تحقيق الترابط والتكامل بين مصالحها الاستراتيجية في منطقتي الشرق الأوسط من جهة، وآسيا الوسطى وجنوب القوقاز من جهة أخرى، فإن ترامب يتطلع إلى توسيع نطاق الاتفاقيات الإبراهيمية ليشمل آسيا الوسطى، بما يخدم استراتيجية بناء تحالف من الدول الإسلامية المؤيدة للولايات المتحدة والمستعدة للتواصل مع إسرائيل. فضلًا عن توسيع النطاق الجيوسياسي للاتفاقيات الإبراهيمية ليشمل منطقة لطالما هيمنت عليها الصين وروسيا؛ الأمر الذي ينسجم مع هدف الولايات المتحدة الاقتراب من فضاء نفوذ موسكو وبكين في آسيا الوسطى ومواجهته. علاوة على محاصرة الحضور الإيراني في منطقة تُمثل مجالًا حيويًا لها من خلال ضم كازاخستان إلى المحور الأمريكي الإسرائيلي المناهض لإيران.
كذلك، تستخدم الولايات المتحدة الاتفاقيات الإبراهيمية كأداة لتوسيع نفوذها في آسيا الوسطى، ليس بشكل مباشر، ولكن من خلال حلفائها في الشرق الأوسط، وخاصة إسرائيل ودول الخليج، فخلال السنوات الأخيرة، زادت الاستثمارات الخليجية بشكل كبير في دول مثل كازاخستان وأوزبكستان وأذربيجان في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. ومن خلال إدماج هذه العلاقات في إطار الاتفاقيات الإبراهيمية، تسعى واشنطن إلى استغلال هذا التوسع الاقتصادي والسياسي لخدمة أهدافها الاستراتيجية، من خلال ربط موارد آسيا الوسطى من الطاقة والمعادن وطرق التجارة الدولية بقدرات الخليج المالية وإمكانيات إسرائيل التكنولوجية. وبذلك، تتحول الاتفاقيات الإبراهيمية من مجرد إطار لتطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية إلى منظومة تعاون أوسع تمتد من الشرق الأوسط إلى آسيا الوسطى، بما يتيح للولايات المتحدة موازنة النفوذ الصيني والروسي والإيراني في هذه المنطقة الحيوية، وفق ماري ماهر.


.jpg)

.png)


.jpg)


.jpg)
.jpg)
