النهار
الإثنين 29 سبتمبر 2025 10:28 مـ 6 ربيع آخر 1447 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
الأهلي يتفوق على الزمالك في مباراة القمة بهدفين مقابل هدف في الدقيقة 78.. الأهلي يسجل الهدف الثاني مقابل هدف واحد من الزمالك ترامب: اليوم يوم تاريخي للسلام ونعمل لحل شامل للقضية الفلسطينية وليس فقط غزة البيت الأبيض ينشر خطة ترامب الشاملة لإنهاء الصراع في غزة هدف لصالح الأهلي في الدقيقة 71 عن طريق حسين الشحات في الشوط الثاني ”القناة 12”: قد لا يتم الإعلان عن اتفاق متكامل الأركان حول غزة هذا المساء بعد لقاء ترامب ونتنياهو خبير القانون الدولي السوري: نعمل على ترسيخ ثقافة التحكيم في الوطن العربي الثقافة الوطنية في حماية الجبهة الداخلية في ندوة بمكتبة الإسكندرية هدى يسي: خلال جولة ”طرق الأبواب” بعمان .. رئيس جمعية الفنادق الأردنية يستقبل وفد اتحاد المستثمرات العرب ”مرزوق”: قوت المواطنين خط أحمر… ولن نتهاون مع أي تلاعب بالأوزان أو الأسعار رئيس جامعة المنصورة ورئيس المجلس القومي للمرأة يشهدان فعاليات ندوة ”معًا بالوعي نحميها” الأجهزة الأمنية تضبط سائق سيارة يستعرض مهاراته في الإسكندرية

تقارير ومتابعات

محمد كامل لـ ”النهار” : تدمير غزة جريمة ضد ثقافة وتاريخ يمتد لآلاف السنين باعتراف ”بكر زوعبي”

في تصريح خاص لـ " النهار "، أكد الباحث في الشأن الاسرائيلي، محمد كامل، أن ما تشهده فلسطين بصورة عامة وقطاع غزة في الفترة الأخيرة يمثل جريمة مكتملة الأركان لا تقف عند حد الإبادة الجماعية وحسب، بل هي جريمة ضد الثقافة والتاريخ يتم ارتكابها على مرأى ومسمع العالم ومنظماته ومؤسساته الدولية، وأكد أن هذه الجريمة التي تمارس ضد الثقافة والتاريخ يعترف بها الجانب الإسرائيلي نفسه، ولعل خير دليل على ذلك ما قاله وعرضه مقال للصحفي بكر زوعبي في موقع "سيحا مكوميت" الاسرائيلي، وقال إن ما تتعرض له غزة ليس جريمة حرب ضد الفلسطينيين وحدهم بل لكل صور الحضارة والانسانية الذي كانت تنعم به مدينة غزة على مر العصور.

وأضاف الكاتب الإسرائيلي في مقاله، فلاشك أن مشهد تقدم الدبابات الإسرائيلية نحو غزة وقصفها بالطائرات، ومحاولة سكانها الفرار من النيران التي لا ترحم أحدًا، تكرر مرات ومرات على مدار العامين الماضيين. وأصبح السكان يواجهون ثلاثة خيارات: إما بيع كل ما تبقى لهم والهجرة جنوباً، بتكلفة تصل إلى حوالي 5000 دولار للأسرة الواحدة، ودون أي ضمانات بعدم تعرضهم للهجوم من قبل قوات الاحتلال في الطريق؛ أو محاولة الفرار إلى حي أو منطقة أخرى من غزة، أملًا في أن الغزو الاسرائيلي قد يتوقف؛ أو البقاء في منازلهم وانتظار الموت.

وأكد كامل أنه وبعد قصف الجامعات والمدارس والمساجد والمتاحف والمستشفيات في مدينة غزة، انتقلت الطائرات لتقصف الأبراج السكنية، حتى أصبح السكان بلا مأوى أو مسكن يفترشون الشوارع والطرقات، وأمام هذه المجازر والمذابح لم يعد هناك مجال للتفكير فيما تفعله إسرائيل من محو مدينتهم وتدميرها تقافياً وتاريخياً.

وأشار إلى أن غزة تحمل تاريخاً لا ينسى فقد كانت قبل عام ١٩٤٨، مدينة مركزية تخدم جميع السكان الذين طُردوا عام ١٩٤٨. ووفقًا للمؤرخ والبروفيسور "محمود يزبك" من جامعة حيفا :"حدث تطور في عدد من مدن المنطقة جاء بالتزامن مع نهضت غزة اقتصادياً وتاريخياً، فبعد اتفاقيات أوسلو، أُنشئت العديد من المؤسسات الثقافية والأكاديمية، منها ١٠ جامعات وكليات، قُصفت جميعها ودُمرت في هذه الحرب الهمجية. كما لخص المؤرخ الفلسطيني عارف العارف في كتاب "تاريخ غزة"، الصادر عام ١٩٤٣، أهم ما كُتب عن المدينة في المصادر العربية والإنجليزية والفرنسية والتركية، ومن بين ما وُصفت به أنها "من أقدم المدن المعروفة في التاريخ". ويشير العارف إلى أن الكنعانيين كانوا "أول من أدخلوا زراعة الزيتون إلى غزة، وإنتاج المنسوجات والفخار والمعادن. واخترعوا الأبجدية، وسنّوا القوانين.

وفيما يتعلق بأهمية المدينة في الإسلام، يقول البروفيسور يزبك: "لا شك أن من أبرز المعالم الإسلامية في غزة المسجد العُمري، الذي دمره القصف الإسرائيلي تماماً. الذي بُني في القرن السابع الميلادي، ويُعتبر ثالث أكبر مسجد في فلسطين. تعرّض للقصف في الحرب العالمية الأولى ثم أُعيد ترميمه. وكان يستخدم كمؤسسة تعليمية. ولعل أبرز من درس فيه كان الإمام الشافعي، أحد الأئمة الأربعة الذين أسسوا المذاهب الفقهية السنية".

وأكد الباحث في الشأن الاسرائيلي محمد كامل أن ما تقوم به إسرائيل في غزة هي جرايمة ضد الانسانية وتطهير عرقي بكل ما تحمله الكلمة فقد قصفت اسرائيل مبنى في غزة به مجموعة أثرية يديرها المعهد الفرنسي للكتاب المقدس والآثار. ووفقًا لعالم آثار يعمل في المعهد، نُقلت معظم القطع الأثرية إلى مبنى آخر وأُنقذت. ووفقًا للتقارير، أمرت السلطات الإسرائيلية المعهد بإخلاء المستودع الموجود به القطع الأثرية قبل قصفه. بناءً على طلب من فرنسا، وبالتعاون مع اليونسكو وبطريركية اللاتين في القدس، تم الحصول على تمديد لعدة ساعات، مما سمح بنقل القطع الأثرية إلى مكان آمن. كان الأرشيف التاريخي لمدينة غزة محفوظاً في المسجد العمري، وقد دُمِّر خلال القصف. لم يُنج إلا ما نُقِل إلى الحواسيب قبل الحرب، كما يقول البروفيسور يزبك. ويضيف: "الأدلة التاريخية التي كانت في غزة، والتي دُمِّر معظمها، تعود إلى عصور تاريخية مختلفة. يوجد حوالي 30 موقعًا أثرياً مسجلًا على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وقد دُمِّرت بالكامل. وهذا يُثبت أن التدمير في غزة لم يقتصر على السكان فحسب، بل يهدف إلى تدمير التاريخ والتراث الثقافي".

وتميزت غزة بطابع إسلامي مميز، وحضور مسيحي يعود إلى بدايات المسيحية. وُجدت شواهد أثرية على ذلك، منها كنيسة القديس بورفيري التي شُيّدت في القرن الخامس الميلادي. وتضررت نتيجة القصف، وكذلك مستشفى المعمداني، الذي تضرر عدة مرات". ويشهد موقف رجال الدين، الذين يرفضون مغادرة غزة، على قوة الوحدة بين جميع سكان المدينة على اختلافهم.

إلى جانب أهميتها الدينية، تُعتبر غزة من أبرز المراكز السياسية والوطنية في التاريخ الفلسطيني الحديث. فبعد النكبة، استوعبت المدينة نحو 200 ألف لاجئ، انضموا إلى سكانها، وحافظوا على مدينتهم من حيث اللغة والعادات والتقاليد.

وتابع الباحث في الشأن الاسرائيلي، أنه في خمسينيات القرن الماضي، برزت غزة كنقطة انطلاق للمقاومة، حيث تأسست أولى المنظمات الفلسطينية المسلحة. ومع اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987، أصبحت غزة مركزاً رئيسياً للنضال الشعبي، وبعد اتفاقيات أوسلو، شكلت قاعدةً لمؤسسات السلطة الفلسطينية الأولى- بما في ذلك المجلس التشريعي والرئاسة والمؤسسات الوزارية. ولها دوراً استراتيجياً باعتبارها المنفذ البحري الوحيد لأي كيان فلسطيني مستقبلي. لذلك لا تزال غزة ركنًا أساسيًا في المعادلة الوطنية الفلسطينية - ليس فقط لموقعها الجغرافي أو لكثافة سكانها، بل لمساهمتها المتواصلة والمستمرة في تشكيل الهوية الفلسطينية ونضالها.

عندما تُدمر القنابل الجامعات والمستشفيات والمواقع التراثية، فإنها ليست مجرد مأساة إنسانية من القتل والمجاعة والتهجير، بل هي عملية ممنهجة لمحو آلاف السنين من الذاكرة والهوية العربية الفلسطينية، ما يحدث في غزة ليس مجرد جريمة في حق سكانها، بل هى جريمة في حق التاريخ والإنسانية.