النهار
الثلاثاء 23 ديسمبر 2025 03:12 مـ 3 رجب 1447 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
«الأعلى للإعلام» و«الملكية الحقوقية» حديثان سجل التعاون ديف محدد للإرث الإعلامي والثقافي قرارات إنسانية على طاولة المحافظ.. دعم لذوي الهمم والأسر الأولى بالرعاية بالقليوبية منتخب مصر يتصدر تاريخ الانتصارات في كأس أمم إفريقيا جامعة بنها تطلق مؤتمرها الهندسي السنوي الثاني لمواكبة مستقبل التكنولوجيا حسام البدري: النتائج مفتاح التتويج.. ومنتخب مصر جاهز لأمم إفريقيا رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية علوم الرياضة تبدأ 10 يناير.. محافظ البحيرة تعتمد مواعيد امتحانات الفصل الدراسي الأول وكيل تعليم البحيرة: برامج علاجية للتلاميذ المتأخرين دراسيا وتفعيل الأنشطة التربوية تأجيل طعن حسين لبيب على قرار سحب أرض نادي الزمالك بحدائق أكتوبر إلى 3 فبراير رئيس البورصة يشارك في مؤتمر كلية التجارة بجامعة عين شمس: الابتكار والتكنولوجيا المالية ركيزة أساسية لتطوير سوق المال وتعزيز الشمول المالي حملة أمنية واسعة النطاق لمكافحة الإرهاب والجريمة بألمانيا.. أبرز ملامحها مواجهة جديدة.. روسيا والصين تعلنان دعم فنزويلا ضد الرئيس الأمريكي

عربي ودولي

كتاب جديد يرصد تجربة «الإدارة الذاتية» في سوريا

في خضم المشهد السوري المعقد، وما رافقه من حروب وصراعات إقليمية ودولية طاحنة، برزت تجربة "الإدارة الذاتية الديمقراطية" في شمال وشرق سوريا كأحد النماذج الأكثر إثارة للنقاش والجدل، سواء بين السياسيين أو الأكاديميين أو الرأي العام المحلي والإقليمي.
اليوم، يأتي كتاب جديد صدر في القاهرة ليقدّم قراءة معمقة لهذه التجربة، بوصفها مشروعًا وطنيًا واجتماعيًا وإداريًا نشأ من رحم الأزمة، وأثبت قدرته على الاستمرار رغم التحديات الكبرى.
الكتاب، الذي يعد إضافة نوعية إلى المكتبة العربية في مجال الدراسات السياسية والاجتماعية المعاصرة، يتناول بالنقد والتحليل تجربة الإدارة الذاتية منذ نشأتها، وكيف استطاعت أن تشكّل بديلًا واقعيًا عن الدولة المركزية التي فشلت في إدارة التنوع المجتمعي السوري، وفي إيجاد حلول عادلة ومستدامة للأزمة التي عصفت بالبلاد منذ عام 2011.
يسلّط الكتاب الضوء على السياق التاريخي والسياسي الذي نشأت فيه تجربة الإدارة الذاتية، التي جاءت في لحظة فراغ أمني وسياسي، حين انهارت مؤسسات الدولة في مناطق واسعة من سوريا، وتعددت القوى المسلحة والفصائلية. وبينما انزلقت مناطق كثيرة إلى فوضى عارمة، اختارت مكونات شمال وشرق سوريا طريقًا مختلفًا، بالبحث عن نموذج إداري جديد يحافظ على النسيج الاجتماعي ويؤمّن الأمن والخدمات في آن واحد.
ووفقًا لما يقدّمه الكتاب، فإن تجربة الإدارة الذاتية لم تكن وليدة قرار فوقي أو مشروع مستورد من الخارج، بل انطلقت من احتياجات الناس اليومية ومن تفاعلهم المباشر مع الواقع. وهذا ما منحها شرعية محلية، وسمح لها بالبقاء والاستمرار رغم الحروب والضغوط السياسية والاقتصادية.
يركّز الكتاب على أن تجربة الإدارة الذاتية ليست مجرد نموذج إداري بديل، بل هي رؤية سياسية- فكرية تستند إلى فلسفة "الأمة الديمقراطية"، التي تقوم على مبادئ المواطنة المتساوية، والعدالة الاجتماعية، والتمثيل الحقيقي لكل المكونات.
فالقرارات تُتخذ من القاعدة إلى القمة، عبر مجالس محلية منتخبة، وتُدار المناطق على أساس اللّامركزية، بما يتيح لكل مجتمع محلي أن يعبّر عن نفسه ويدير شؤونه.
وتشير المؤلفة إلى أن هذه الرؤية ليست ترفًا فكريًا، بل ضرورة فرضها الواقع السوري الذي أثبت فشل الدولة المركزية في إدارة التنوع. لذلك، يمكن النظر إلى تجربة الإدارة الذاتية كواحدة من أكثر التجارب جرأة في طرح حلول عملية لمستقبل سوريا.
الكتاب لا يكتفي بعرض إنجازات الإدارة الذاتية، بل يقدّم أيضًا مقارنات نقدية مع نموذج الدولة المركزية في دمشق. فبينما أدت السياسات المركزية المتشددة إلى تهميش الأقليات وإقصاء مكونات أساسية من المجتمع، جاء نموذج الإدارة الذاتية ليكون على العكس تمامًا، إشراك الجميع في اتخاذ القرار، وتقاسم المسؤوليات، وفتح المجال أمام النساء والشباب لتولي أدوار قيادية غير مسبوقة.
ويبرز الكتاب أن مشاركة المرأة في الإدارة الذاتية ليست مجرد ديكور سياسي، بل ركيزة أساسية من ركائز المشروع، حيث تترأس النساء المجالس، وتقود القوات العسكرية، وتشارك في صياغة السياسات العامة، وهذا ما يجعل التجربة مختلفة بشكل جوهري عن معظم النماذج السياسية السائدة في المنطقة.
يؤكد الكتاب في فصوله أن تجربة الإدارة الذاتية، رغم كل ما يحيط بها من تحديات وضغوط محلية ودولية، هي تجربة حيّة وواقعية، تستحق أن تُقرأ بعين الباحث الأكاديمي والسياسي معًا، فهي تقدّم نموذجًا بديلًا لإدارة البلدان المتعددة الأعراق والأديان، وتفتح الباب أمام نقاش واسع حول مستقبل سوريا ما بعد الحرب.
ويختم الكتاب بالتأكيد على أن تجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا ليست مجرد مشروع محلي، بل هي رؤية لها أبعاد إقليمية ودولية، يمكن أن تُلهم تجارب أخرى في المنطقة، خاصة في الدول التي تعاني من الانقسامات الطائفية والقومية.
الكتاب من تأليف ليلى موسى، ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية في القاهرة، التي تضع خبرتها السياسية ومتابعتها الدقيقة لتطورات الملف السوري في خدمة تحليل التجربة. وتقدّم المؤلفة، من خلال هذا العمل، قراءة شاملة تجمع بين التوثيق الميداني والرؤية السياسية، مما يجعل الكتاب مرجعًا مهمًا للباحثين والمهتمين بالشأن السوري، ولكل من يسعى لفهم طبيعة الإدارة الذاتية وإمكاناتها وحدودها.