النهار
السبت 13 سبتمبر 2025 08:18 مـ 20 ربيع أول 1447 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

المحافظات

حافظ أقدام الخيول.. ”البيطار” مهنة يتوارثها الأجيال في الإسكندرية

تعتمد معظم الحرف في صناعتها على المعادن والأدوات الجامدة الغير ناطقة والتي تحتاج إلى القوة والقسوة خلال مراحلها المختلفة، بالإضافة إلى العوامل المجتمعية والبيئة المحيطة بها من درجات حرارة مرتفعة خلال فصل الصيف، وطقس شديد البرودة مع سقوط الأمطار خلال فصل الشتاء، مع الاعتماد على لهيب النار في معظمها والتي تستخدم المعادن كالنحاس والحديد والألومنيوم، وساعات العمل الطويلة والتي قد تصل لمدة يوم كامل، تأتي حرفة البيطار على عكس ذويها من الحرف والتي تعتبر من أهمهم، حيث تعتمد بشكل رئيس في عملها بالتعامل مع الحيوانات الخيلية، والتي تعد من أكثر الكائنات حساسية ودهاء، والتي تحتاج معاملة خاصة ومختلفة من نوعها.

تعتبر حرفة البيطار من أصعب الحرف، لكونها تتعامل مع مخلوق حي مزاجي، ذو ردود أفعال سريعة وعالي الحساسية، كما يحتاج في التعامل معه للصبر والهدوء والرحمة والتركيز والحذر الشديد، وأقل خطأ قد يودي بحياة العامل، إذ أنها لا تتوقف على تركيب مجرد حدوة تتكون من حديد في حافرالخيل، والتي يعتمد عليها في ممارسة حياته واستخدامه في الأشغال وحتى الرياضات بشكل كبير، وإن أقل خطأ سواء في تركيبها أو خلال أخذ مقاساتها يسبب مشاكل كبيرة قد تصل إلى أمراض عديدة مثل التهاب الحافر أو فقدان التوازن أو الشعور المستمر بالألم.

يقول أبو علي خلال لقائه مع جريدة النهار، حرفي بيطار، أن تلك الحرفة هي إرثه عن والده وأجداده الذي تجاوز 100 عام داخل ورشته الصغيرة بمنطقة باب عشرة غرب الإسكندرية، وبداية عمله فيها كانت منذ بلوغه سن 12، حيث كان يساعد والده ويتابعه خلال عمله في تسخين الحديد حتى يلين وضربه بالمطرقة ليأخذ شكل الحدوة وصقله ليكون متساوي الزاويا والأجناب، ثم عمل فرغات بأماكن متفرقة لتمكن المسامير من تثبيتها خلال تركيبها، وبعدها تركها لتبرد.

وأضاف أبو علي، أن الحدوة تتعدد أشكالها ومقاساتها، منها الدائري، وشكل رقم 7، والمغلقة بالكامل أسفل الحافر، والمفتوحة من الأمام ومغلقة من الخلف، والمفتوحة من الخلف من منطقة "النسر"، وتستخدم عادةًا للخيل التي تعاني من المشاكل في الحافر مثل الالتهابات، ومرض الحمرا، وإصابة الأوتار، وأكياس الصديد، موضحًا أن الحدوة تختلف من حصان لأخر ويعتمد ذلك حسب مقاس الحافر وحجمه وإذا كان يعاني من مشاكل أو سليم، وأنه يتم تصنيعها بحسب الطلب وبعد أخذ المقاسات.

وأوضح أبوعلي، أن الحدوة الواحدة تحتاج نحو 4 - 5 مسامير لتثبتيها داخل الحافر، ويبدأ طول المسمار من 3 سنتيمتر ويصل في بعض الأحيان إلى 6 سنتيمتر، حيث أن أغلب أنواع الخيول الموجودة في مصر يبلغ عمق وسمك الحافر حوالي 3 - 4 سنتيمتر، وتسمى بالمنطقة الميتة، وذلك يعود لعدم وجود خلايا عصبية في الحافر وأنه مثل ظفر الإنسان في الجزء الخارجي.

وأكد أبو علي، على أن البيطار مع مرور الوقت يكتسب خبرة في معرفة حجم الحدوة وشكلها وعدد المسامير وطولها الذي يحتاجه الحافر بمجرد النظر، بالإضافة إلى اكتسابه دقة عالية في الاحساس بوضع المسمار وتوجيهه بالطريقة الصحيحة داخل الحافر بحيث لا يصل للجزء الحي منه ويتسبب في إصابته، مضيفًا أن هناك عدة طرق لتقليم المسمار داخل الحافر منها، ثنيه خارج الحافر لتثبيت، وقصه قبل وضعه في الحدوة وتثبيتها، ويعود السبب الرئيسي لاستخدام الحدوة هو الحفاظ على الحافر من التأكل وحمايته، نظرًا لأن البيئة الأصلية للخيول هي الصحاري، وباختلاف الأسطح تختلف الحدوة إذا كانت بيئة الحصان على "أسفلت"، أو بيئة زراعية وحتى الأندية الرياضية.

وتابع أبو علي، أن تركيب الحدوة للخيول يبدأ من عمر عامين، وذلك لتصلب وتماسك الحافر وزيادة قوة تحمله للصقل والتقليم وتركيب الحدوة، مضيفًا أنه، يتم تقليم وقص الحافر وتنظيفه جيدًا وإزالة الزوائد والأوساخ منه، وعلاج إذا كان هناك إصابة أو صديد مع وضع العلاج المناسب، ومن ثم أخذ مقاس الحافر وتسخين الحدوة وتسوية شكلها لتصل إلى المقاس المطلوب، ثم تركيبها وتثبيتها بوضع المسامير، وتقليم الحافر ليأخذ شكل الحدوة، ويتم تغيرها حسب حالتها، فأحصنة "الكارو" التي تجوب الشوارع ليل نهار يتم تغيرها من 15-20 يوم، أما الخيول الرياضية فتحتاج تغيرها مابين شهر إلى شهرين.

وأردف أبوعلي، أن الخيول تختلف شخصياتها مثل البشر وهي حيوانات مزاجية وعالية الحساسية، فيجب التركيز والدقة أثناء العمل معاها وتهدئتها وترويضها، وقد تحتاج بعض الخيل العنيدة لوضع "اللواشة" وهي أداه توضع على شفاة الحصان لتشغل كل تركيزه فيها وتعمل كالمخدر المؤقت لتقليل حركته، وبعض الخيل قد يصل بها الأمر لإعطائها مهدئ من خلال الطبيب البيطري المختص وذلك بسبب عدوانيتها الشديدة، ويستغرق تغير جميع حدوات الحصان واحد من نصف ساعة إلى ساعتين في بعض الأحيان.

وأشار إلى أن الأدوات المستخدمة في عملية تركيب الحدوة مكونة من اللقط ويسخدم في إمساك الحديد الساخن، والكماشة والشكوش واللذان يستخدمان في تثبيت الحديد داخل الحدوة، ونوع محدد من السكاكين يستخدم في تقليم وصقل الحافر وقصه للوصول إلى الطول والحجم المناسب، والمطرقة وتستخدم في تشكيل الحدوة بعد عملية تسخين الحديد.

وأضاف أبو علي، حدوات حصان كامل تستهلك نحو 2 كيلو من الحديد، بالإضافة إلى ارتفاع سعره وسعر كيلو المسامير المستخدمة في تثبيت الحدوة، والفحم، وأن تكلفة عمل الحدوة ضعف سعر تركيبها ثلاثة أضعاف، موضحًا أن حبه للمهنة هو سبب استمراره فيها، وأنها أكسبته العديد من المهارات والخبرات وعلى رأسها الصبر والرضا، بالرغم من صعوبتها وقلة العاملين بها.

وأوضح أبو علي أن الحرفة لا تقتصر على تركيب الحدوات، بل أيضًا يقوم البيطار بعلاج بعض الحالات إذا تطلب الأمر مثل تجبير الكسور في أقدام الخيول، حيث تعد من أخطر الإصابات التي تصيب الخيل، والتي قد تصل في معظم الحالات الميؤوس علاجها إلى الإعدام أو ما يسمى "بالموت الرحيم"، لصعوبة الكسر وطول فترة علاجه بما يأثر على حركة المفاصل وسرعة الحصان وحركته، وذلك سميت الحرفة "البيطار"، مضيفًا أن أساس تلك الحرفة هو الرحمة والصبر والرضا، وأن تعامله مع الخيول كان سبب الخير والبركة في حياته مستشهدًا بحديث الرسول الكريم "الخيل معقود في نواصيها الخير".