النهار
الأحد 7 سبتمبر 2025 04:17 صـ 14 ربيع أول 1447 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

عربي ودولي

كيف تدفع دبلوماسية الرئيس الأمريكي الصادمة خصومه إلى التكتل معاً؟

ترامب
ترامب

أجاب تحليل مهم للصحفي الخبير بيتر سنجر، نُشر بنيويورك تايمز، على التساؤل الخاص بـ «كيف تدفع دبلوماسية الرئيس الأمريكي الصادمة خصومه إلى التكتل معاً»، موضحاً أن دونالد ترامب كتب على منصة «تروث سوشيال»: «يبدو أننا فقدنا الهند وروسيا لصالح الصين المظلمة والعميقة»، مرفقًا صورة لقادة الدول الثلاث خلال اجتماعهم في الصين، مضيفاً: «أتمنى لهم مستقبلًا طويلًا ومزدهرًا معًا».

بحسب تحليل «سنجر» كان ذلك اعترافًا نادرًا بأن محاولاته في ممارسة الدبلوماسية بالقوة الغاشمة، إلى جانب الرسوم الجمركية العقابية، بدأت تُنتج نتائج عكسية. فالشراكة غير المستقرة التي بدأت بين الصين وروسيا، ثم توسعت لتشمل كوريا الشمالية وإيران، قد تضم اليوم، ولو بشكل عرضي، الهند، أكبر ديمقراطية في العالم.

في يناير، جلس وزير الخارجية الهندي في الصف الأول بحفل تنصيب ترامب، في إشارة إلى عمق العلاقات التي سعت أجيال من الرؤساء الأمريكيين لترسيخها مع الدولة الأكثر سكانًا. لكن بعد شهور قليلة، صار ترامب يشتكي علنًا من أن الهند هجرته لتعانق خصم واشنطن الاستراتيجي الصين، بحسب تحليل «سنجر».

زيارة مودي إلى الصين، وهي الأولى منذ سبع سنوات، قد تكون تحولًا فعليًا أو مجرد رسالة تحذير لواشنطن. فالهند التي قادت حركة عدم الانحياز في الحرب الباردة بارعة في استغلال تنافس القوى الكبرى لصالحها، وربما يكون هذا أحد تلك اللحظات، بحسب التحليل.

لاحقًا في اليوم نفسه، حاول ترامب تخفيف وقع خلافه مع الهند. قال للصحفيين في المكتب البيضاوي: «سأظل دائمًا صديقًا لمودي. إنه عظيم. لكنني فقط لا أحب ما يفعله الآن. لدينا علاقة خاصة، ولا داعي للقلق، فنحن نمر بلحظات كهذه أحيانًا».

يقول ديفاشيش ميترا، أستاذ الاقتصاد بجامعة سيراكيوز، إن تصريحات ترامب المتذبذبة بشأن الهند تعكس قلق نيودلهي من العلاقة مع واشنطن: «الهند تشعر الآن أن الولايات المتحدة ليست شريكًا موثوقًا. كانوا يظنونها حليفًا. وإذا اقتربت الهند من الصين، فهو تقارب مصلحي لا أكثر».

في منشوره، لم يشر ترامب إلى دوره في تنفير الهند. فبينما كان تقارب روسيا والصين يجري منذ سنوات، فإن الانحراف في العلاقة مع نيودلهي وقع في عهد ترامب، وبدرجة كبيرة نتيجة سياساته، وفي سعيه المفتوح نحو جائزة نوبل للسلام، ادّعى ترامب أنه حل النزاع بين الهند وباكستان، وهو ما أغضب نيودلهي التي نفت أي دور له في وقف إطلاق النار الأخير. تاريخيًا، تعتبر السياسة الهندية أي تدخل خارجي في العلاقة الحساسة مع إسلام آباد أمرًا محظورًا.

ذكر التحليل، أن الأمر زاد سوءً فرض ترامب تعريفات جمركية قاسية على الهند، قال إنها عقاب على شرائها النفط الروسي. لكن الصين، التي تستورد كميات أكبر من روسيا، لم تتعرض لعقوبة مشابهة، ربما لأن لديها أدوات ردع أكثر، ويقول جوشوا تي. وايت، أستاذ بجامعة جونز هوبكنز: «ترامب يحب أن يحشر حلفاءه في الزاوية ليستغل الموقف لانتزاع تنازلات. حتى لو نجح مع مودي، فسوف يترك ذلك ندوبًا دائمة في علاقة محورية لأمريكا».

اجتماع منظمة شنغهاي للتعاون هذا الأسبوع كان أبرز دليل على دفع دول قريبة من أمريكا نحو معسكر الصين. مودي، في زيارته الأولى للصين منذ سبع سنوات، ظهر مبتسمًا بجانب بوتين وشي، وأجرى محادثة مطوّلة مع الرئيس الروسي داخل سيارته الفارهة، بحسب الصحفي الخبير بيتر سنجر، ولم يكن وحده حضر قادة مصر وتركيا وفيتنام—all متضررين من الرسوم الأمريكية المؤتمر أيضًا، كما دخلت البرازيل في خلاف مع ترامب بسبب محاكمة بولسونارو، وجنوب إفريقيا بسبب قانون الأراضي، ما أظهر اتساع دائرة التوتر مع واشنطن.

حتى أن ترامب، الذي يطرد مهاجرين غير شرعيين، دعا علنًا البيض من جنوب إفريقيا للهجرة إلى الولايات المتحدة، بحجة تعرضهم للتمييز، ما أثار مزيدًا من الجدل، وفي بكين، شارك بوتين وشي وكيم جونغ أون في احتفال بذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية. ترامب علّق ساخرًا مخاطبًا شي: «أبلغ تحياتي لبوتين وكيم وأنتم تتآمرون ضد الولايات المتحدة»، كان ذلك من المرات النادرة التي يعترف فيها ترامب صراحة بوجود اصطفاف بين روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية.

هذا التقارب لم يعد مجرد تخمين. بوتين وشي أمضيا ثلاثة أيام متواصلة معًا، في حين أن لقاء ترامب الأخير مع بوتين في أنكوريج انتهى بعد ثلاث ساعات فقط، وغادر الرئيس الروسي دون حضور الغداء.

وفق تحليل للصحفي الخبير بيتر سنجر، لا شك أن نهج ترامب خلال الأشهر السبعة الماضية سرّع من تبلور هذا التكتل. القوى كانت تتحرك بالفعل قبل وصوله، لكن أسلوبه أعطاها دافعًا إضافيًا لتسريع خطواتها، وما حدث في بكين هذا الأسبوع إنذار بأن إعادة تشكيل موازين القوة جارية بالفعل، وأن أمريكا بحاجة إلى استراتيجية للتعامل مع الأمر.

حذر كيرت كامبل وجيك سوليفان، مسؤولان سابقان في إدارة بايدن، في مقال بمجلة «فورين أفيرز» من أن توتر العلاقات الأمريكية–الهندية قد يمنح الصين تفوقًا في الابتكار. قالا: «المسار الحالي ينذر بانقسام يصعب رأبه، وسيضر بالبلدين معًا»، وتجربة الاستعمار البريطاني تجعل الهند أكثر حساسية تجاه الضغوط. شاشي ثارور، عضو البرلمان ورئيس لجنة الشؤون الخارجية، قال: «هناك غضب حقيقي. الشعب الهندي بعد 200 عام من الاستعمار لن يقبل أن يُملى عليه من قوة أجنبية».

ومع ذلك، يرى خبراء هنود أن نيودلهي ليست متحمسة لتحالف مع الصين. النزاعات الحدودية ما زالت قائمة، وبكين عطّلت مساعيها للانضمام إلى مجلس الأمن، وقال راجيش راجاغوبالان، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جواهر لال نهرو: «الولايات المتحدة لم تفقد الهند تمامًا. لكن ترامب يبذل جهدًا كبيرًا لدفعها بعيدًا. ورغم ذلك، فإن الهند لا تزال حريصة على علاقة وثيقة بأمريكا. إذا أراد استعادتها، فالأمر ممكن».