النهار
السبت 15 نوفمبر 2025 02:35 مـ 24 جمادى أول 1447 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
وزير الحرب الأمريكي يعلن إطلاق عملية ”رمح الجنوب” ضد فنزويلا خصومة قديمة تنتهي بجريمة قتل.. إحالة بائع خضار للمفتي في الخانكة محافظ القليوبية يشدد قبضته على الأسواق.. حملات تموينية تضبط 100 مخالفة في يوم واحد غداً..بدء تسليم 2045 قطعة أرض سكنية للمواطنين بعد توفيق أوضاع أراضيهم بمدينة العبور الجديدة ضبط عصابات تستغل الأطفال في التسول داخل الجيزة.. والداخلية تنقذ 20 حدثًا من الخطر تأجيل قضية طفل دمنهور إلى جلسة ١٨ نوفمبر لاستكمال المرافعة قافلة جامعة المنوفية توقع الكشف وتقدم العلاج بالمجان لـ 418 مواطنا من أهالي قرية ”كفور الرمل” بقويسنا “الشؤون الإسلامية السعودية” تفتتح الدورة العلمية الشرعية الرابعة خلال عام 2025م بجمهورية المالديف الأزهر يُدين جريمة إحراق مسجد بالضفة الغربية.. ويطالب بتحرك عاجل لوقف إرهاب عصابات الاحتلال حسين فهمي يفتتح سوق القاهرة السينمائي لدعم صناعة السينما والمواهب الجديدة محكمة استئناف المنوفية تؤيد أحكام السجن في حادث فتيات السنابسة تعلن لجنة الحج والعمرة بنقابة الصحفيين عن رحلة عمرة بالتقسيط على 10 شهور بدون فوائد | تفاصيل

عربي ودولي

استعادة النزاهة في حوكمة النفط الليبية عبر العدالة

في 29 يونيو 2025، ألغت المحكمة العليا في ليبيا إدانة صادرة في يوليو 2023 بحق عماد بن رجب. قضت المحكمة ببطلان الحكم السابق واعتباره لاغيًا، في قرار نهائي وملزم بموجب القانون الليبي.

على مدى عامين، شكّلت هذه القضية صورته العامة. فقد صوّرته وسائل الإعلام كمدان وهارب، لكن بحكم المحكمة العليا لم يعد ذلك الحكم قائمًا.

أهمية هذا القرار تتجاوز شخصًا واحدًا. فهو يعيد الوضوح القانوني إلى القطاع الأكثر استراتيجية في ليبيا، ويؤكد أن القضايا الفنية المعيبة لا ينبغي أن تحدد مستقبل كبار التنفيذيين أو استقرار المؤسسات الوطنية.

في يوليو 2023، حكمت المحكمة الجنائية في طرابلس على عماد بن رجب بالسجن 30 شهرًا، على خلفية شحنة وقود لم تستوفِ المعايير الليبية. اتهمه الادعاء بإساءة استعمال المنصب والتسبب في ضرر مالي للدولة، وغرّمته 10,000 دينار ليبي، كما حمّلته المسؤولية التضامنية عن 147 مليون دينار كتعويضات — أي نحو 32 مليون دولار أمريكي.

أثار الحكم ضجة واسعة، إذ وصفته وسائل إعلام محلية ودولية بأنه مدان بالفساد، وربطت تقارير بينه وبين واردات وقود معيبة ألحقت أضرارًا بالمركبات في أنحاء البلاد. وهكذا تشكّل الاعتقال والحكم على شخصيته المرجعية التي نظر من خلالها الليبيون والمراقبون الأجانب إلى دوره في قطاع النفط.

ظلّت هذه الإدانة مرجعًا أساسيًا حتى ألغتها المحكمة العليا في 29 يونيو 2025. ففي الاستئناف الجنائي رقم 3050/70، قبلت الدائرة الجنائية التاسعة الاستئنافات المقدمة من النيابة العامة والمتهمين، وأعادت القضية إلى محكمة استئناف طرابلس أمام دائرة أخرى.

وبموجب هذا الحكم، أصبحت جميع العقوبات والغرامات والمسؤوليات السابقة لاغية. وأكد مكتب النائب العام أن عماد بن رجب لم يعد يحمل سجلًا جنائيًا، كما سقطت أي قيود مرتبطة بقانون العمل أو القانون الإداري.

قرار المحكمة العليا مهم لثلاثة أسباب محورية:

  1. إعادة ضبط السجل القانوني: لم يعد لدى بن رجب أي سجل جنائي، وعلى المؤسسات معاملته كمبرّأ من التهم السابقة.

  2. منع القضايا الفنية المعيبة من تشكيل سوابق: قضية واردات الوقود تضمنت تعقيدات فنية واختبارات متباينة. الحكم يؤكد أن مثل هذه القضايا يجب ألا تتحول إلى إدانة تقوّض المسار المهني للتكنوقراطيين.

  3. حماية الاستقرار الاقتصادي: يشكل النفط أكثر من 90٪ من دخل الدولة. إلغاء الحكم يعزز الوضوح القانوني ويقلل من حالة عدم اليقين التي تهدد الثقة الداخلية والشراكات الدولية.

قضى بن رجب سنوات طويلة داخل المؤسسة الوطنية للنفط، حيث ترقّى في إدارة تسويق المنتجات قبل أن يُعيّن في 2018 مديرًا عامًا لإدارة التسويق الدولي. في هذا المنصب، أشرف على صادرات الخام وأدار صفقات مبادلة الوقود التي ضمنت استمرار الإمدادات خلال فترات النزاع والانقسام.

مثّل ليبيا في اجتماعات أوبك كعضو بارز في الوفد الليبي، مدافعًا عن مبدأ وحدة مبيعات النفط الوطنية. كان عمله في طرابلس وفيينا تقنيًا بالأساس، يركز على حماية الإيرادات الوطنية بعيدًا عن التجاذبات السياسية.

كما انخرط في محادثات رفيعة المستوى مع شركاء دوليين. ففي 2019، شارك ضمن وفد المؤسسة الوطنية للنفط في بكين لعقد مباحثات مع شركة CNPC الصينية. وفي 2020، حضر اجتماعات في طرابلس مع المدير التنفيذي لشركة إيني، كلاوديو ديسكالزي. هذه اللقاءات عززت موقعه كجسر بين ليبيا وأسواق النفط العالمية.

حظي أيضًا باعتراف دولي، إذ أشار تقرير لمجلس الأمن في 2019 إلى دوره كنقطة الاتصال الليبية بشأن مكافحة تهريب الوقود، حيث وفّر بيانات وساهم في تتبّع التدفقات غير المشروعة.

خارجيًا، أعاد الحكم بعض الثقة للمستثمرين والمشترين الأجانب. ففي 2023، عبّر المبعوث الأمريكي لدى مجلس الأمن عن قلقه من تصاعد نشاط تهريب الوقود عقب اعتقال بن رجب. إلغاء الحكم شكّل إشارة إلى قدرة ليبيا على تصحيح أخطائها وحماية الكفاءات الموثوقة.

داخليًا، وفّر القرار وضوحًا داخل المؤسسة الوطنية للنفط، وأزال حالة الغموض التي أثقلت المؤسسات لعامين. كما بعث برسالة واضحة بأن قوانين العمل تخضع لأحكام القضاء المستقل، لا للضغوط السياسية.

في الوقت نفسه، أبرز الحكم الحاجة إلى إصلاح المعايير الفنية والرقابية، إذ كشفت قضية واردات الوقود عن ثغرات مؤسسية. وهو ما يجعل القواعد الموحدة للاختبار والمشتريات أولوية عاجلة.

يحمل الحكم دروسًا أساسية للمستقبل:

  • حماية المهنيين من الملاحقات المسيّسة، إذ لا يمكن للاقتصاد أن يتحمل خسارة كوادره بسبب نزاعات ضعيفة الأسس.

  • تعزيز الشفافية والمعايير الفنية في المشتريات والاختبارات لضمان أن النزاعات تُحسم فنيًا قبل أن تتحول إلى قضايا جنائية.

  • الربط المباشر بين سيادة القانون واستقرار الاقتصاد، فالمستثمرون يحكمون على ليبيا بقدر ما يحكمون على مواردها.

أغلق قرار المحكمة العليا صفحة قانونية شغلت الرأي العام وأثّرت على سمعة قطاع النفط لعامين. أُزيلت الإدانة، ومُحي السجل، وسقطت العقوبات.

لكن القيمة الحقيقية للحكم تكمن في الرسالة: حماية التكنوقراطيين جزء من حماية الاقتصاد. العدالة والشفافية ليست شعارات، بل شروط للثقة التي يقوم عليها استقرار ليبيا ومستقبل أهم مواردها.