كيف يستخدم الرئيس الأمريكي اتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان لعسكرة حواف إيران؟

تمكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من تحقيق السلام بين كل من أرمينيا وأذربيجان، بعد عقود طويلة من الصراع، ذلك الأمر الذي حمل في طياته انعكاسات جيوسياسية بالغة الأهمية على الساحة الإيرانية، إذ تحولت أزمة الحدود الشمالية إلى محور جدل سياسي وشعبي داخلي في إيران، وباتت دوائر صنع القرار الإيرانية ترجح أن تشهد منطقة جنوبي القوقاز إعادة رسم استراتيجية لخرائطها الإقليمية، تتمثل في مشروع تطوير ممر زنجزور، الذي يُسوق له أمريكيًا تحت مسمى «طريق ترامب للسلام والازدهار الدوليين».
قدّمت الدكتورة شيماء المرسي، الخبيرة في الشؤون الإيرانية ومديرة وحدة الرصد والترجمة بالمنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية «أفايب»، تحليلاً لتداعيات تطوير ممر زنجزور على إيران وجنوبي القوقاز، موضحة أن ممر زنجزور، وهو ممر ضيق في جنوبي أرمينيا يربط نخجوان بأراضي أذربيجان الرئيسية، يُعد قلب التنافس الجيوسياسي الجديد في جنوبي القوقاز، وبالرغم من أنه يبدو للوهلة الأولى مجرد طريق عبور، إلا إنه في إطار استراتيجية الاحتواء الثلاثية ضد إيران وروسيا والصين، يمثل عقدة حساسة متعددة الأبعاد يمكن أن تقلب المشهد الجيوسياسي في المنطقة رأسا على عقب.
فمن منظور باكو عاصمة أذربيجان، فإن السيطرة على هذا الممر تعد خطوة أساسية لتحقيق الاتصال البري المباشر مع تركيا، أما بالنسبة إلى دول الناتو، فيتجاوز دوره كجسر إقليمي، ليصبح حلقة رئيسة في قطع الروابط الجيوسياسية لإيران مع فضاء أوراسيا، وفي المرحلة التالية تقييد لنفوذ روسيا في جنوبي القوقاز، بحسب «المرسي».
وحول أهمية هذا الممر في حال تنفيذه، أكدت الدكتورة شيماء المرسي، أنه سيضع إيران أمام فقدان أحد أهم حدودها الجيوسياسية مع أرمينيا، إذ لا تمثل خسارة هذا الممر مجرد فقدان خط حدودي، بل تعني فقدان أهم المسارات البرية المستقلة والأكثر أمانًا التي تتيح لطهران الوصول إلى القوقاز وأوروبا من دون المرور عبر أراضي تركيا أو أذربيجان أو روسيا.
موقف إيران من مشروع ترامب لتطوير زنجزور
يشكل هذا الممر لإيران، نافذة استراتيجية حيوية نحو الشمال، فضلا عن أنه نقطة توازن مهمة في مواجهة هيمنة تركيا وأذربيجان على طرق التجارة والطاقة في المنطقة، كما أنه بوابة جغرافية حاسمة للوصول إلى جورجيا، ومن ثم البحر الأسود ومن ثم شرقي أوروبا، بحسب تحليل الدكتورة شيماء المرسي.
في هذا السياق، أكد علي أكبر ولايتي، مستشار قائد الثورة الإسلامية للشؤون الدولية، في مقابلة مع وكالة تسنيم، يوم السبت 9 أغسطس 2025م، أن موقف إيران الرافض للممر ينبع من أنه سيغير الموقع الجيوسياسي الإقليمي ويعيد رسم الحدود بما يخدم تفكيك أرمينيا من وجهة نظر طهران.
ووفقًا للخطاب السياسي الإيراني، يتجاوز خطر ممر زنجزور حدود أرمينيا ليصبح أداة استراتيجية لإعادة صياغة موازين القوى في جنوبي القوقاز، ضمن إستراتيجية احتواء محدثة تهدف إلى تقويض النفوذ الإيراني في الحواف الجيوسياسية، وعزلها عن خطوط الربط الإقليمية، وتقليص هامش تحركها في فضاء كانت تعتبره مجالًا حيويًا لمصالحها.
كما يمثل هذا المشروع بداية مسار يشبه «البلقنة السياسية»، حيث يتم تفكيك الدول وإعادة تقسيمها عبر اتفاقيات ومشاريع بنية تحتية متعددة الحدود، دون اللجوء إلى الصراعات المسلحة المباشرة، وفي حال ترسخ هذا الممر كأمر واقع، فإنه سيشكل سابقة في فرض وقائع جيوسياسية جديدة، تؤثر بشكل مباشر على توازن القوى في القوقاز، وتفرض على إيران تحديات جيوإستراتيجية معقدة على المديين المتوسط والبعيد، بحسب «المرسي».