النهار
الجمعة 1 أغسطس 2025 04:10 مـ 6 صفر 1447 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
”رحل وهو يحاول إنقاذ الآخرين”.. الالاف يشيعون جثمان ”حسام” ضحية الواجب بحفل الساحل البعثة الدولية للمنظمة العربية تشرع في استعداداتها لمتابعة انتخابات مجلس الشيوخ في 7 محافظات بعثة منتخبي الناشئين والناشئات للكرة الطائرة الشاطئية تطير إلى نيجيريا للمشاركة في كأس القارات قائمة اللاعبين للمعسكر الأول للمنتخب الوطني تحت 18 عاما شابات مصر بالمجموعة الأولي ببطولة أفريقيا لليد بالجزائر بداية العام المائى الجديد.. ماذا قدمت وزارة الري من مشروعات؟ عمرو فتوح: حملات تزييف الحقائق لن تنال من دور مصر التاريخي والرئيس السيسي في نصرة القضية ”قيادية بمستقبل وطن”: دعوات الأخوان ”خبيثة” تزيد المصريين صلابة والتفاف حول الرئيس السيسي لنصرة فلسطين منح وسام ماسبيرو للفنانة الكبيرة لبنى عبدالعزيز قيادي بمستقل وطن : مشاركة المصريين بالخارج في انتخابات ”الشيوخ” تجسيد للولاء.. ورسالة قوية في توقيت حساس قائمة منتخب شباب السلة ببطولة دوري الأمم 3×3 جامعة القاهرة تصدر تقرير إنجازاتها للعام الجامعي 2024/2025 في سبعة محاور رئيسية شاملة

تقارير ومتابعات

د. إبراهيم نجم : دور الإفتاء عبر العالم تتفق من حيث المبدأ على عدالة قضية فلسطين

التعاون العالمي بين دور الإفتاء والتحديات المعاصرة، التنسيق بين دور الإفتاء عالميًّا في القضايا المعاصرة، توحيد الفتاوى حول القضايا المشتركة (الصراع العربي الإسرائيلي وقضايا المناخ)، أهمية مؤتمر دار الإفتاء العالمي العاشر حول الذكاء الاصطناعي، جهود دور الإفتاء في مواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا، موقف دور الإفتاء من زيارة بعض الأئمة الأوروبيين للكنيست الإسرائيلي، أمور وقضايا شائكة تطرحها النهار على طاولة الحوار والنقاش مع الدكتور إبراهيم نجم، الأمين العام للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، ونحن على بعد خطوات من انعقاد المؤتمر الدولي لدور الإفتاء في دورته العاشرة تحت عنوان "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي"


ما هو شكل التنسيق بين دور الإفتاء حول العالم في القضايا المعاصرة؟

على صعيد العالم الإسلامي، يوجد تنسيق وثيق بين دُور الإفتاء وهيئاتها لمعالجة القضايا المعاصرة. فقد بادرت دار الإفتاء المصرية عام 2015 إلى تأسيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم ومقرها القاهرة، وذلك إثر مؤتمر عالمي للإفتاء عُقد في أغسطس 2015 بهدف تعزيز التواصل والتشاور بين هيئات الإفتاء عبر الدول . وتُعد هذه الأمانة إطارًا عالميًّا متخصصًا لتنسيق الجهود بين دور الإفتاء بهدف رفع كفاءة الأداء الإفتائي وتوحيد الخطاب الشرعي الوسطي في مواجهة مستجدات العصر .

نؤمن بأن استقرار الفتوى يسهم في استقرار المجتمعات، ولذلك جاءت هذه المبادرة لتجعل الفتوى عاملًا من عوامل التنمية والتحضر للإنسانية.

تعمل الأمانة العامة على تحقيق جملة من الأهداف المشتركة التي ترتكز على منهج الوسطية الشرعية. من أبرز هذه الأهداف ترسيخ منهج الاعتدال في إصدار الفتاوى، وتبادل الخبرات العلمية والعملية والتنظيمية بين هيئات الإفتاء الأعضاء، بالإضافة إلى تقديم الدعم والاستشارات العلمية لتطوير الأداء الإفتائي في كل بلد . كما تسعى الأمانة إلى ردم فجوة الاختلاف بين جهات الإفتاء عبر التشاور العلمي المستمر، والتصدي لظاهرة فوضى الفتاوى وتطرفها التي قد تُحدث بلبلة في المجتمعات، وبذلك يتحقق قدر أكبر من التناغم في التصورات الشرعية حول القضايا المستجدة.

أما آليات التنسيق فهي متعددة وتشمل جوانب علمية وإدارية. فالأمانة تُنشئ هياكل بحثية متخصصة لدراسة النوازل المعاصرة والاجتهاد فيها بشكل جماعي أصيل، كما تنظم برامج تدريبية مشتركة للرفع من كفاءة المفتين حول العالم. وتم إطلاق منصة إلكترونية عالمية بعدة لغات حية لخدمة هذه الأهداف ونشر الأبحاث والإصدارات. وتُوِّجت الجهود بعقد مؤتمر علمي دولي سنوي يناقش أهم القضايا الشرعية المستجدة ويجمع عشرات المفتين والعلماء من مختلف القارات . كذلك تصدر الأمانة دورية علمية محكّمة تنشر البحوث والدراسات الفقهية المؤصلة حول الإشكالات المعاصرة ، فضلًا عن نشرات دورية مثل مجلة “جسور” التي ترصد أبرز القضايا الإفتائية عالميًّا. كل ذلك يعزز التواصل المستمر بين دور الإفتاء، فيتشاركون المعلومات ويتباحثون حول أفضل الممارسات الشرعية لمواجهة التحديات.

وتتجلى ثمرة هذا التنسيق الدولي في اتساع قاعدة المشاركة والتفاعل بين هيئات الإفتاء. فعلى سبيل المثال، شهد المؤتمر العالمي التاسع للإفتاء في العام الماضي مشاركة ممثلين من أكثر من 100 دولة حول العالم ، مما يدل على حرص دولي على توحيد الجهود الإفتائية. وهذا التنسيق العالمي يُؤتي ثماره في إصدار مواقف متقاربة حيال كثير من القضايا، حيث يحرص أعضاء الأمانة على تبادل الرؤى الشرعية بشأن أحداث العالم ومستجداته، بما يساعد على صياغة خطاب إفتائي علمي متصل بالأصل ومواكب للعصر . وهكذا أصبحت وحدة الصف الإفتائي حقيقة ملموسة في كثير من المواقف، الأمر الذي يضمن وصول رسالة الدين الحنيف بشكل صحيح ومتزن إلى المسلمين وغير المسلمين على حد سواء.


هل يمكن أن تكون هناك فتاوى موحدة بين دور الإفتاء حول العالم فيما يخص القضايا الجامعة مثل الصراع العربي الإسرائيلي وقضايا المناخ ؟

القضايا الكبرى العابرة للحدود – مثل قضية الصراع العربي الإسرائيلي أو أزمة المناخ – تفرض على دور الإفتاء قدرًا عاليًا من التنسيق وربما توحيد الرؤية الشرعية قدر الإمكان. ورغم اختلاف السياقات المحلية لكل دولة، فإن المؤسسات الإفتائية تسعى إلى صياغة مواقف متقاربة تعكس ثوابت الشريعة ومقاصدها في هذه الملفات المشتركة. فقد شهدنا مثلًا في مجال التغير المناخي بادرة رائدة نحو توحيد الفتوى والخطاب الديني، حيث أصدر المؤتمر العالمي السابع للإفتاء (أكتوبر 2022) ميثاقًا إفتائيًّا لمواجهة التغيرات المناخية بمشاركة كبار المفتين والعلماء . انطلق هذا الميثاق من الأصول والقيم الإسلامية التي تحث على عمارة الأرض وحفظ الطبيعة، وجاء تعميقًا للوعي بمخاطر تغيّر المناخ وضرورة التصدي له على كافة الأصعدة . وقد أكد المشاركون أن التصدي لأزمة المناخ واجب شرعي وأخلاقي تشترك فيه الإنسانية جمعاء، ودعا الميثاق إلى الالتزام بالمواثيق الدولية الساعية للحد من مخاطر المناخ، ووجوب اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة لمنع تفاقم الضرر البيئي . كما تضمن الميثاق فتاوى صريحة تحرّم الإسراف والتلويث والإفساد في البيئة، وتحث المسلمين في كل مكان على تبني سلوكيات مسؤولة في التعامل مع الموارد الطبيعية . هذا المثال يبيّن إمكانية بلورة فتوى موحدة أو موقف إفتائي جماعي تجاه القضايا البيئية العالمية.

وبالنسبة إلى القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، فإن دور الإفتاء عبر العالم تتفق من حيث المبدأ على عدالة قضية فلسطين ووجوب نصرة الشعب الفلسطيني ورفض الاعتداء على المقدسات والحقوق. ورغم عدم صدور “فتوى موحدة” بصيغة رسمية تجمع جميع دور الإفتاء حول العالم في نص واحد، فإننا نرى إجماعًا ضمنيًّا وتوافقًا واسعًا في فتاوى ومواقف العلماء حيال هذه القضية المحورية.
ولقد درجت دور الإفتاء الوطنية على إصدار بيانات وفتاوى تدين الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين وتستنكر انتهاك حرمة المقدسات في القدس، وتدعو الأمة إلى التضامن مع فلسطين بكل الوسائل المشروعة. وهذه المواقف المتعددة تصب جميعها في خانة واحدة وتعكس صوتًا إفتائيًّا موحّدًا معنويًّا يؤكد حق الفلسطينيين في أرضهم ودفاعهم المشروع عن أنفسهم، ويحرّم التطبيع مع الاحتلال الغاصب أو التنازل عن المقدسات. ومما لا شك فيه أن الأمانة العامة لدور الإفتاء تقوم بدور مهم في تنسيق هذه المواقف، حيث تُطرح قضية فلسطين بانتظام في ملتقيات دور الإفتاء لتوحيد الكلمة والموقف الشرعي تجاهها. وهكذا يمكن القول إن القضايا الجامعة للأمة، كالمناخ والسلام والعدل، باتت تحظى برؤية شرعية مشتركة، إن لم تكن في صورة فتوى موحدة حرفيًّا، فهي موحدة جوهريًّا في مقصدها ومعناها بين علماء الأمة.

المؤتمر الدولي العاشر لدار الإفتاء المصرية يتمحور حول الذكاء الاصطناعي ما هي أهمية ذلك في المرحلة الحالية والمستقبلية ؟

لقد اختارت دار الإفتاء المصرية ومحافل الإفتاء العالمية أن يكون المؤتمر الدولي العاشر للإفتاء (أغسطس 2025) مخصصًا لموضوع الذكاء الاصطناعي، إدراكًا لما يشكله هذا الموضوع من أهمية بالغة في الحاضر والمستقبل. فنحن نشهد اليوم تحولات رقمية متسارعة، ولم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد فكرة مستقبلية أو ترفًا معرفيًّا، بل غدا عنصرًا جوهريًّا يدخل في صناعة القرار وتوجيه السلوك وإعادة تشكيل مفاهيم السلطة والمعرفة في عصرنا الرقمي . وفي خضم هذا التغيير الهائل، برزت الحاجة إلى إعادة بيان موقع المفتي ودور الإفتاء بصورة تناسب هذا الواقع الجديد. فالمفتي لم يعد متعاملًا مع نصوص شرعية في معزل عن العالم؛ بل بات عليه أن يراعي متغيرات عصرية يُعيد الذكاء الاصطناعي إنتاجها في كل لحظة. وإذا كانت الفتوى تُعد بمثابة الضمير الحي للمجتمعات الإسلامية، فإن إعادة ضبط بوصلتها بما يواكب معطيات الذكاء الاصطناعي أصبحت ضرورة حيوية لا غنى عنها .

من هذا المنطلق جاء عنوان المؤتمر العاشر: “صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي”، حيث يركّز على تأهيل المفتي بالمهارات والمعارف التي تمكنه من الحفاظ على مصداقية الفتوى ومرجعيتها في زمن الثورة الرقمية. لقد طرح المؤتمر سؤالًا محوريًّا: كيف نحافظ على موثوقية سلطة الإفتاء في ظل صعود منصات رقمية غير مؤهلة تبث الفتاوى دون أساس علمي أو رقابة؟ . وقد حذّرنا مرارًا من خطر الفتاوى العشوائية عبر الفضاء الإلكتروني التي تُشوّه التعاليم وتقتطع النصوص من سياقها . من هنا كانت أهمية هذا المؤتمر في الدعوة إلى آليات تنظيمية ذكية تضبط المجال الإفتائي على الإنترنت، وفي تطوير خطاب إفتائي رصين وسريع التأثير لمواجهة هذه الظواهر المستجدة . إن تسخير التقنيات الحديثة لضبط عملية الفتوى يعد جزءًا أساسيًّا من مخرجات هذا المؤتمر، بحيث يتم توظيف الذكاء الاصطناعي ذاته في خدمة العلم الشرعي ونشر الفتاوى الموثوقة على نطاق أوسع وبأسلوب يجذب الأجيال الشابة.

وللمؤتمر بعدٌ استراتيجي يتمثل في استشراف مستقبل الإفتاء في ظل تطورات التقنية والعلوم. فنحن نعي تمامًا أن مفتي المستقبل ينبغي أن يجمع بين التأصيل الفقهي العميق والفهم الدقيق للواقع الرقمي المعقد. وقد أكّدنا في المؤتمر أن على المُفتي المعاصر الإلمام بقضايا مستحدثة تتراوح من تقنيات الذكاء الاصطناعي والاقتصادات الرقمية إلى علوم البيوتكنولوجيا وصولًا إلى العلاقات الدولية التي باتت تتشكل بفعل هذه التقنيات الناشئة . بهذا الفهم الموسع، يستطيع الإفتاء أن يقدم حلولًا شرعية فعالة وواقعية للتحديات الجديدة التي يطرحها تطور التقنية، مثل مسائل أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وحقوق الإنسان في العصر الرقمي وحماية خصوصية الفرد، وغيرها من القضايا التي تتطلب اجتهادًا فقهيًّا جماعيًّا متجددًا. إن انعقاد هذا المؤتمر تحت رعاية القيادة السياسية المصرية وبحضور دولي واسع يؤكد أهمية المرحلة الراهنة التي يمر بها العالم، ويبرهن على حرص المؤسسات الدينية على مواكبة الركب الحضاري لضمان استمرار دور الفتوى في هداية المجتمعات وحفظ استقرارها في المستقبل.


كيف تتعاطى دور الإفتاء مع ظاهرة الاسلاموفوبيا وما مدى التنسيق بينها في معالجة هذا الامر؟

تضطلع دور الإفتاء حول العالم بمسؤولية كبرى في التصدي لظاهرة الإسلاموفوبيا (الخوف المرضي أو العداء للإسلام)، وذلك من خلال توظيف الأدوات الإفتائية لنشر الصورة الصحيحة عن الدين وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي تروّجها بعض الدوائر المعادية. إننا نؤمن بأن الفتاوى المعتدلة تمثل أحد أهم الأسلحة في هذه المعركة الفكرية، حيث تبرز سماحة الشريعة ووسطيتها وتدحض مزاعم التطرف المنسوبة زورًا للإسلام. وقد شدّدنا في المحافل الدولية على أن الخطاب الإفتائي الوسطي أصبح ضرورة ملحّة لتصحيح التصورات المغلوطة عن الإسلام ومكافحة التطرف وحماية المجتمعات من خطاب الكراهية . وفي هذا السياق، تقود دار الإفتاء المصرية بالتعاون مع سائر هيئات الإفتاء جهودًا عالمية لتعزيز صوت الاعتدال، حيث تنسّق الأمانة العامة لقاءات وحوارات دولية حول مكافحة الإسلاموفوبيا، ويتم تبادل الخبرات بين علماء الأمة لمواجهة هذه الظاهرة بالتعاون مع قادة الأديان الأخرى أيضًا . إن مواجهة الإسلاموفوبيا ليست شأنًا محليًّا فحسب، بل هي قضية عالمية تستوجب تكاتفًا بين جميع دور الإفتاء والمؤسسات الإسلامية لتفنيد الشبهات ودحض الدعاية المتطرفة التي تشوه صورة المسلمين.

ومن التدابير العملية في هذا الصدد، أن دار الإفتاء المصرية أنشأت منذ عام 2015 مرصدًا للإسلاموفوبيا يرصد مظاهر العداء ضد الإسلام في مختلف أنحاء العالم بعدة لغات، ويحللها ويصدر تقارير دورية بشأنها . يقوم هذا المرصد بمتابعة الحوادث وخطابات الكراهية التي تستهدف المسلمين، ويعمل على تصحيح الصور النمطية المغلوطة عبر الرد العلمي والإعلامي. ويؤمن القائمون عليه بأن التعامل الصحيح مع مشكلة الإسلاموفوبيا يبدأ من الرصد الدقيق والتحليل العلمي لكافة الوقائع المتعلقة بعداء الإسلام ، ومن ثَمَّ اقتراح استراتيجيات فعّالة لمعالجتها. وبالفعل، أصدر مرصد الإسلاموفوبيا التابع لدار الإفتاء العديد من الدراسات والتوصيات، منها الدعوة إلى سنّ تشريعات دولية تجرّم ازدراء الأديان والمقدسات، وكذلك الإشادة بالمبادرات التي تعزز التعايش مثل فعالية “يوم المساجد المفتوحة” في الغرب . ولا يخفى أن جهود دور الإفتاء في هذا المجال تتم بالتنسيق مع مؤسسات إسلامية عالمية ومنظمات حوار الأديان، ما أدى إلى تشكيل جبهة فكرية قوية تدافع عن حقيقة الإسلام السمحة وتواجه ظاهرة الخوف والتحريض ضد المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة.


هل هناك موقف لدور الإفتاء حول العالم على خلفية زيارة بعض من يوصفون بأئمة أوروبا للكنيست الإسرائيلي ؟

أثار خبر زيارة مجموعة ممن وُصفوا بأئمة أوروبا للكنيست الإسرائيلي مؤخرًا ضجة واستياءً كبيرًا في الأوساط الإسلامية، وكان لا بد لدور الإفتاء والمرجعيات الدينية أن تبين موقفها بوضوح. وفي الحقيقة، جاء الرد الشرعي حاسمًا وبرفض قاطع من مختلف الجهات الإفتائية. فعلى المستوى المصري، صدر أول رد فعل رسمي عن دار الإفتاء المصرية التي استنكرت بشدة قيام بعض الأشخاص المحسوبين على الأئمة بهذه الزيارة، ووصفتها بأنها خطوة غير مقبولة وتتنافى مع القيم الدينية والإنسانية كليةً . وقد صرّح مفتي الجمهورية المصرية الدكتور نظير عياد بأن ما حدث هو أمر مستهجَن شرعًا وعقلًا، خاصة أنه يأتي في ظل العدوان الدموي المستمر على إخواننا في فلسطين. ولم يتوانَ المفتي عن التنديد بمن سماهم “العمائم المزيّفة” الذين ارتضوا أن يكونوا أداة للترويج لسلام زائف وحوار مخادع بينما تُسفك دماء الأبرياء في غزة . ووصف المشهد بأنه استثمار سياسي رخيص يُستخدم فيه هؤلاء لتجميل صورة كيان غاصب على حساب الحق والعدالة . هذا الموقف الحازم من دار الإفتاء جاء متناغمًا تمامًا مع موقف الأزهر الشريف في مصر، حيث أصدر الأزهر بيانًا شديد اللهجة اعتبر فيه تلك الزيارة خيانة للقيم الدينية والإنسانية وخروجًا عن صف العلماء الصادقين . ووصف الأزهرُ أولئك المشاركين بأنهم “فئة ضالّة لا تمثل الإسلام ولا المسلمين”، محذرًا عموم المسلمين في الشرق والغرب من الاغترار بهؤلاء الذين يتاجرون بالدين لتحقيق مآرب شخصية أو سياسية . إن هذا التوصيف يعكس إجماعًا لدى المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي على رفض أي محاولة لاستغلال العمامة في التطبيع مع المحتل وتلميع صورته.

ولم يقتصر الاستنكار على المؤسسات الدينية في العالم العربي والإسلامي فحسب، بل امتد إلى هيئات الأئمة في أوروبا نفسها. فقد أعلن المجلس الأوروبي للأئمة ومقره باريس رفضه التام لتلك الزيارة، مؤكدًا أنها زيارة مشبوهة ولا تمثل موقف المسلمين في أوروبا . كما أشار الكثير من قيادات الجاليات الإسلامية الأوروبية إلى أن هؤلاء الأشخاص لا صلة لهم بالمؤسسات الإفتائية المعتبرة في أوروبا، وإنما يتحركون ضمن أجندات خاصة لا تعبّر عن ضمير الأمة. إن هذا التنسيق في الرفض بين دور الإفتاء شرقًا وغربًا يبعث برسالة واضحة مفادها أن علماء المسلمين على قلب رجل واحد في نصرة الحق الفلسطيني ورفض التزوير والتضليل. وقد عززت الأمانة العامة لدور الإفتاء هذا الموقف الموحد عبر التنسيق بين أعضائها وإصدار البيانات المنددة، ما يجسد حقًا دورها كمنصة تجمع كلمة المفتين حول العالم في القضايا المصيرية. وخلاصة الأمر أن المرجعيات الإفتائية العالمية تقف صفًا واحدًا ضد مثل هذه التحركات التي تستغل اسم الدين في شرعنة الظلم، وأنها تؤكد أن القضية الفلسطينية ستظل حية في ضمير الأمة ولن تنطلي عليها محاولات التزييف أو المتاجرة بالشعارات . هذا الموقف المشرّف يثبت مجددًا أن دور الإفتاء، رغم تفرق بلدانها، تجمعها عقيدة واحدة وقيم مشتركة لا تقبل المساومة عليها.