60 عامًا على رحيله... لماذا لا ننسى حسين رياض؟

في السابع عشر من يوليو، تتجدّد ذكرى رحيل واحد من أعمدة الفن العربي في القرن العشرين، الفنان الكبير حسين رياض، الذي لم يكن مجرد ممثل أبدع في أداء الأدوار، بل كان صورة حيّة للحنان الإنساني، وصوتًا من أصوات الزمن الجميل الذي لا يبهت مهما مضى عليه من الزمن.
برحيله في عام 1965، فقدت الشاشة المصرية أحد أبرز رموزها، لكن بقيت ملامحه، وصوته، وأدواره، شاهدة على عصر من الفن النبيل، الذي يحاكي الوجدان قبل أن يطرق الأذن أو يملأ العين.
من ضابط حربية إلى فارس خشبة المسرح
وُلد حسين رياض في 13 يناير 1897 بحي السيدة زينب في القاهرة، لأسرة مصرية ذات أصول شامية. بدأ حياته طالبًا بالمدرسة الحربية، لكنه سرعان ما اكتشف أن الفن هو طريقه الحقيقي، فاختار أن يترك الزي العسكري، ليرتدي ثوب الممثل، ويخوض أولى تجاربه من خلال فرقة جورج أبيض ثم يوسف وهبي.
وكان ذلك التحوّل بمثابة انقلاب حقيقي في حياته، فتح له أبواب المسرح، ثم الإذاعة، فالسينما، ليصبح أحد أبرز الوجوه التي شكّلت هوية الفن العربي الحديث.
الأب المثالي... حين يكون التمثيل وجدانًا
لم يكن حسين رياض مجرد فنان يجيد تقمّص الأدوار، بل كان يُجسّدها بروحه. وقد اقترن اسمه بدور الأب الحنون، الذي يحمل هموم أبنائه، ويخفي خلف صمته آلاف الكلمات.
اشتهر بأداء شخصية الأب في عشرات الأفلام، حيث قدّم هذه الصورة بكل تفاصيلها: الحزم حينًا، واللين حينًا، والخوف، والضعف الإنساني، والكرامة الصامتة ولهذا لُقّب بـ "أب السينما المصرية"، وهو لقب لم يُمنح مجاملة، بل استحقاقًا.
أعمال فنية خالدة
شارك حسين رياض في أكثر من 320 فيلمًا سينمائيًا، و240 مسرحية، و150 عملًا إذاعيًا وتلفزيونيًا. ومن أبرز أفلامه التي لا تزال تعرض حتى اليوم: غزل البنات (1949)، رد قلبي (1957)، حياة أو موت (1954)، المنزل رقم 13 (1952)، وا إسلاماه (1961).
وقد نجح في ترك بصمة مميزة حتى في الأدوار الثانوية، إذ كان حضوره الطاغي لا يحتاج إلى بطولة مطلقة ليُحدث الأثر.
من المسرح إلى الإذاعة.. فنان شامل
لم يكن حسين رياض أسيرًا للكاميرا فقط، بل كان نجمًا متألقًا على خشبة المسرح، خاصة ضمن فرقة المسرح القومي، حيث قدّم أعمالًا خالدة مثل أهل الكهف والعشرة الطيبة.
كما كان له حضور مميز في الإذاعة المصرية، التي كانت في ذلك الوقت نافذة المصريين اليومية إلى العالم، وقد ساهم من خلالها في نشر الوعي والثقافة بأسلوب بسيط وعميق.
تكريم الدولة... وتقدير الشعب
في عام 1962، كرّمه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بمنحه وسام الفنون من الطبقة الأولى، تقديرًا لمشواره الفني الطويل، وإسهاماته في خدمة الفن المصري والعربي.
لكن التكريم الأكبر كان من الجمهور، الذي أحبّه، وتعلّق بأدواره، واعتبره جزءًا من ذاكرته العاطفية.
رحيل مفاجئ.. وبقاء لا يزول
في 17 يوليو 1965، رحل حسين رياض عن عمر ناهز 68 عامًا، أثناء تصوير أحد أفلامه وقد كان يعمل حتى اللحظات الأخيرة من حياته، بإخلاص لا يعرف الكلل، وتفانٍ لا يعرف حدودًا، ورغم مرور ستين عامًا على رحيله، ما زالت مشاهده تتردّد على الشاشات، وأدواره تُدرَّس في معاهد الفنون، فهو لم يكن فنانًا عابرًا، بل أحد الأركان التي بُنيت عليها هوية السينما المصرية كان يمثل بروحه، لا بجسده فقط، وفي ذكرى رحيله نُعيد اكتشاف قيمة الفنان الحقيقي، الذي يعيش في الذاكرة أكثر مما عاش في الزمان.