النهار
الأربعاء 2 يوليو 2025 04:12 صـ 6 محرّم 1447 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر
” هدى يسى” تلتقى السفير البرازيلي لدى مصر وزير التربية والتعليم يستعرض مشروع تعديل قانون التعليم وشهادة البكالوريا أمام لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب محافظ كفرالشيخ يتفقد مشروع المول التجاري والترفيهي بمصيف بلطيم لبلوغها المعاش.. جامعة كفر الشيخ تكرم مدير عام الإدارة العامة للوحدات ذات الطابع الخاص محافظ القليوبية يدعم ذوي الهمم ويوفير 3 فرص عمل لشباب من ذوى الإعاقة بطوخ كاسبرسكي تكشف عن طرق حماية أجهزة المنزل الذكية رئيس مدينة مرسى علم يلتقي بمدير مديرية الإسكان بالبحر الأحمر شراكة إستراتيجية بين ”إي آند مصر” و مدينة الفجيرة للإبداع لتمكين رواد الأعمال المصريين إقليميًا «أوقاف كفر الشيخ» تكثف الدورات التدريبية لقضايا المواطنة والتوعية السكانية أمل حجازي عن ظهورها بدون الحجاب: ” لم اخلع مبادئي التي افتخر بها والحمد لله” سحل زوج والاعتداء عليه بالأسلحة والحذاء أمام المارة.. وشرطة المحلة تنقذه من محاولة قتل محققة سقطت عليه شجرة.. وفاة شاب بالمنوفية بسبب سوء حالة الطقس

تقارير ومتابعات

رئيس جامعة الأزهر يشيد بجهود الإمام الأكبر في جمع كلمة المسلمين تحت راية واحدة

افتتح الدكتور سلامة جمعة داود، رئيس جامعة الأزهر، فعاليات المؤتمر العلمي الدولي الرابع لكلية اللغة العربية بإيتاي البارود محافظة البحيرة، والذي يقام تحت عنوان: «الثقافة العربية في القرن الخامس إلى القرن العاشر من الهجرة» الذي يقام برعاية كريمة من فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وحضور الدكتور رمضان الصاوي، نائب رئيس الجامعة للوجه البحري، والدكتور يوسف عبد الوهاب، عميد الكلية رئيس المؤتمر، والدكتورة جيهان ثروت، الأمين العام المساعد للوجه البحري بطنطا.

وقد بدأ المؤتمر بالسلام الوطني، ثم تلاوة آيات من القرآن الكريم، وخلال كلمته، نقل الدكتور سلامة جمعة داود، رئيس الجامعة، للحضور تحيات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخِ الأزهرِ الشريف، مشيدًا بجهود فضيلته في جمع كلمة المسلمين تحت راية واحدة.

ووجه رئيس الجامعة التحية لصمود أهل غزة التي يُظلم أهلها منذ ما يقرب من عامين من آلة البطش الصهيوني الهمجي على مرأى من العالم ومسمع دون أن يرحمها العالم الذي يزعم أنه متحضر، لافتًا أن الحرية لا تنال إلا بالتضحية والفداء أو كما قال أحمد شوقي:

بِـــــــلادٌ مـــــاتَ فِتيَتُها لِتَــــحيا وَزالــــوا دونَ قَـــــومِهِمُ لِيَبــقوا

وَقَفتُـــم بَينَ مَــــــوتٍ أَو حَيـاةٍ فَإِن رُمتُــم نَعيـــمَ الدَهرِ فَاِشقوا

وَلِلأَوطـــانِ في دَمِ كُــلِّ حُـــــرٍّ يَــــــدٌ سَلَفَت وَدَيــنٌ مُستَـــــحِقُّ

وَمَن يَسقى وَيَشرَبُ بِالمَنايا إِذا الأَحـــــرارُ لَم يُسقوا وَيَسقوا

وَلا يَبني المَمالِكَ كَالضَحايا وَلا يُــــدني الحُقـــــوقَ وَلا يُحِقُّ

فَفي القَتلى لِأَجيــــــــالٍ حَياةٌ وَفي الأَسرى فِدى لَهُمو وَعِتقُ

وَلِلحُـــرِّيَّـــــةِ الحَمـــــراءِ بابٌ بِكُــلِّ يَــــدٍ مُضَـــــرَّجَـــةٍ يُــــدَقُّ

إن الله جلت قدرته قادر على أن يخرج من أصلاب المحنة منحة، فالمحنة تتبعها المنحة، وما ضاق أمر إلا اتسع، قال ابن زريق في عينيته السائرة:

عِلماً بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِب فَرَجاً فَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ

وأوضح رئيس الجامعة، أن الثقافة العربية بحر محيط متلاطم الأمواج، ويتعذر الإحاطة به في قرن واحد من الزمان، فكيف بستة قرون كانت ملأى تَغَصُّ بالعلماء والنوابغ في كل علم وفن، وعلومُ العربية من أوسع العلوم، والمؤلفاتُ فيها عدد نجوم السماء.

وبيَّن رئيس الجامعة أنه حاول أن يجمع ما بين يديه مما دنا من متناوَلُه في مكتبته الصغيرة المتواضعة فكان الأمر صعبًا جدًا، موضحًا أن عالمًا واحدًا من نوابغ هذه القرون حقيقٌ وحده أن يكون مادة خصبة لمؤتمر علمي، تُقَدَّمُ فيه الرؤى والدراسات المتأنية، وتنهض على شرف خدمة تراثه جمهرة من البحوث والدراسات الجادة، فهل ترى الإمام المتفرد عبد القاهر الجرجاني المتوفى سنة 471 هـ مؤسس علم البلاغة تحيط بجوانب العظمة في فكره بحوثُ مؤتمر واحد؟ وقُلْ مثل ذلك في العلامة جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 هـ الذي ترك نحو ستمائة مؤلَّف، كثيرٌ منها في الثقافة العربية،
وقل مثل ذلك في العلامة أبي الفرج ابن الجوزي المتوفى سنة 597 هـ الذي قالوا عنه: إنه ترك نحو خمسين ومائتي كتاب، وقل مثل ذلك في العلامة أبي بكر الباقلاني المتوفى سنة 403 هـ، ذكر أبو الأشبال الأستاذ المحقق الكبير السيد أحمد صقر في مقدمة تحقيق كتاب: «إعجاز القرآن» أن الباقلاني هو الذي قالوا عنه: إنه هو المجدد على رأس المائة الرابعة من الهجرة، وكان من عادته أنه إذا صلى العشاء وقضى وِرْدَه وضع دواتَه بين يديه، وكتب خمسا وثلاثين ورقة، فإذا صلى الفجر دفع إلى بعض أصحابه ما صنفه ليلته، وأمره بقراءته عليه، وأملى عليه من الزيادات ما يلوح له، وألف نيفا وخمسين كتابًا لم يصل إلينا منها إلا عدد قليل.

وأشار رئيس الجامعة أنه ظهر في هذه القرون عدد من الموسوعات الكبرى في الثقافة العربية، كل موسوعة منها قام بها مؤلِّفُ واحد، ولو اجتمعت في زماننا هذا لجنة ذات عدد من المؤلفين ما أطاقت أن تنجز موسوعة واحدة منها، وهذا دليل على علو همم علماء هذه الموسوعات وصدقهم وعكوفهم وانقطاعهم للعلم حتى بارك الله تعالى لهم في الوقت والعمر والعلم والعمل، فخلدوا للأجيال هذه الموسوعات التي تفتخر بها المكتبة العربية وتفاخر، ومن هذه الموسوعات: «صبح الأعشى في صناعة الإنشا» لأبي العباس القلقشندي المتوفى سنة 821 هـ الذي يقع في أربعة عشر مجلدا وهو من أجمع الموسوعات الأدبية والتاريخية والاجتماعية للأمة العربية، وكان القلقشندي مهموما برفع مستوى الكتاب الذي تردى في زمانه وهو في زماننا هذا أكثر ترديا ، حتى قال عبارته المشهورة: «لقد ظهر في زماننا كتاب لو أنصفوا لردوهم إلى الكتاب».

وأوضح رئيس الجامعة أن إرثنا الثقافي فيه كتب تدور حول موضوع واحد أو تجمع أبوابا متشابهة، ولكنها مع ذلك كما قال علماؤنا لا يغني فيها كتابٌ عن كتاب؛ لأن كل كتاب ينفرد بأشياء لا توجد في غيره، والقارىء اللبيب هو من يفطن إلى هذه المبتكرات التي ينفرد بها كل كتاب ويجعلها في سويداء قلبه، ويحاول أن يبني عليها ويخطو بعدها خطوة أو خطوات، حتى نملأ الفجوات التي تركها لنا من قبلنا من العلماء، وقضوا نحبهم وبادرهم الأجل ولم يفتحوا أبوابها ويعبدوا دروبها، وهكذا يتلقى الخلف الراية من السلف:

نجوم سماء كلما غاب كوكب بدا كوكبٌ تأوي إليه كواكبُهْ

وهذا العلامة ابن هشام المتوفى سنة 761 هـ الذي قالوا عنه: إنه أنحى من سيبويه، يجعل كتابه: «مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب» منبهة للعلماء ومأدبة تتبارى فيها أفهامهم ليقول لكل جيل: إن في النحو دقائق لا يفطن إليها إلا اللبيب؛ ولذا نص في عنوان كتابه على كلمة «اللبيب»؛ لأنه يخاطب بكتابه هذا الباحث الذكي المتوقد الفطن، وليس البليد الذي لا يفطن إلى المعاني، وتأمل أنه أراد بكتابه أن يغني القارىء عن جميع كتب الأعاريب، وحسبُك كتابا يغنيك عن غيره في علمه، مع يقيني أنه لا يغني كتاب عن كتاب. ولا يزال هذا الكتاب مأمًّا يقصده العلماء جيلا بعد جيل، ووجه رئيس الجامعة التحية إلى قسم اللغويات في الكلية العامرة أن اتخذه زاد مجالسه وأنس مؤانسه وسمير مُدَارِسه؛ فأدار عليه رحى المجالس، ورحم الله أياما قضيتها مع أعلام هذا القسم في مذاكرة كتاب سيبويه، ومع أعلام قسم البلاغة في مذاكرة كتاب: ثلاث رسائل في الإعجاز، ومع أعلام قسم الأدب في مدراسة كتاب: الكامل، ومع أعلام قسم أصول اللغة في مدارسة كتاب: الخصائص، ومع أعلام قسم التاريخ في مدارسة: مقدمة ابن خلدون، وكانت هذه التجربة في كليتي هي إمامي ورائدي في تعميمها على جميع الأقسام العلمية في الجامعة التي صار لها في مجالس العلم دوي كدوي النحل.

كما أوضح رئيس الجامعة أن عرض منائح الله -جل وعلا- لعلمائنا في هذه القرون أمر دونه خرط القتاد، ولكن "رب عجلة وهبت ريثا".

على أن الغاية التي نصبوا إليها هي أن تكون قراءاتُنا لتراث أسلافنا قراءة منتجة لمعرفة جديدة تتخذ من عطائهم أساسا تبني عليه، وتستلهم من أفكارهم أفكارا نضيىء بها دروب حياتنا المظلمة، ونفتح بها آفاق المعرفة في بيداء العولمة وصراع الهيمنة وغلبة القوي المتغطرس على الضعيف العاجز.

وبين رئيس الجامعة أن النقاط المضيئة التي تتفتح عنها أكمام العقول في تثوير المعرفة هي التي تتقدم بها العلوم والمعارف، ولم يعد هناك مجال لمن يكرر غيره أو يعيش في جلباب أبيه؛ وقال بعض علمائنا : " إذا رأيت الكاتب وليس له فضل من عقله فاتركه".

وقال رئيس الجامعة: أقتبس من متنبي العصر الحديث شاعرنا الكبير محمود حسن إسماعيل قوله:

خُلِقْتُ لأَرْتادَ رُوْحَ الحياة
وأَسْتَلَّ أعماقَها للوُجود

ومهما سَرَى قبلىَ السائرون
فإنى على كل خَطْوٍ جديد

وتلك هى الغاية العظمى أن يكون عطاء كل منا نورا يكشف السر البعيد، وأن لا يقف مع الظواهر الطافية على سطح الوجود.

وأوضح رئيس الجامعة أنه إذا خرجت جامعاتنا من كلياتها ومؤتمراتها ومحاضراتها ومسامراتها بتوصية واحدة هي: "إنتاج المعرفة" فقد خرجنا بيد ملآى بالخير كله؛ لأن إنتاج المعرفة هو قاطرة التقدم وامتلاك القوة في العلم، ورحم الله الشيخ الغزالي الذي قال: «إن درسا في الكيمياء عبادة خاشعة لله».

وختم رئيس الجامعة كلمته بوقفة مع صاحب العمدة المتوفى في القرن الخامس الهجري الذي كان يغرف من بحره ويأبى أن يكون صورة من غيره مهما كثرت في البحر الدلاء كما قال حسان رحمه الله:

لساني صارمٌ لا عيبَ فيه وبحري لا تكدره الدلاء

وقال في صدر كتابه الفريد: «العمدة» بعدما ذكر اختلاف الناس في الشعر: "وكل واحد قد ضرب في جهة، وانتحل مذهبا هو فيه إمامُ نفسه، وشاهدُ دعواه، فجمعت أحسن ما قاله كل واحد منهم في كتابه ليكون العمدة في محاسن الشعر وآدابه إن شاء الله، وعولت فيه على قريحة نفسي، ومعين خاطري، خوف التكرار ورجاء الاختصار»، وهذا نص جليل لابن رشيق يبعث في النفس خواطر كثيرة من اختلاف علمائنا في الحكم على الشعر وكثرة مذاهبهم فيه واجتهاد كل صاحب مذهب حتى صار "إمام نفسه وشاهد دعواه، يعول فيه على قريحة نفسه، ومعين خاطره"، وما أحوجنا في هذا الزمان الذي ضعفت فيه رياح التجديد إلى طبقات من العلماء يكون كل عالم منهم إمام نفسه وشاهد دعواه، ويأبى أن يكون رجع صدى لغيره وذيلا تابعا لسهواه.

وحين يُذْكَرُ كتابُ العمدة أُحِبُّ أن أنوه بعالمين جليلين من علماء الأزهر في زماننا قاما على شرف خدمة هذا السفر النفيس: الدكتور النبوي عبد الواحد شعلان أتم الله عليه نعمة العافية الذي عكف على تحقيقه سنين عددا، حتى أخرجه أحسن ما يكون، فعلا كتاب العمدة بتحقيقه علوا كبيرا، وشيخنا العلامة الدكتور محمد أبو موسى الذي نثر من كنانته شرحا لبعض درر هذا الكتاب في سفره النفيس: «من التراث النقدي» أحيا به فكر ابن رشيق إحياء وأضاء أفكاره وشب ناره وأعلى مناره، فكان شرحه له طرازا فريدا ونمطا جديدا في فقه هذا الكتاب، وتنزيل أفكاره على واقع حياتنا الأدبية والبلاغية وساحاتنا الفكرية والثقافية، وأدعو زملائي وأبنائي الباحثين وطلاب العلم أن يتخذوا من شرح الشيخ أنموذجًا يقاس عليه، ومثلا يحتذي في طريقة تعاملنا مع تراثنا وإرثنا الفكري والحضاري.