في ذكرى ميلاده.. أحمد عدوية الذي غنّى للناس قبل أن تعترف به النخبة

من مواويل الحواري إلى أيقونة الغناء الشعبي في مصر
في بداياته، وُصف صوته بـ"الهابط"، وسُخرت كلماته في البرامج والصحف، ورفضته الإذاعة المصرية رفضًا قاطعًا. لكنه، رغم كل ذلك، استطاع أن يصبح أحد أبرز رموز الغناء الشعبي في مصر، وصوتًا صادقًا خرج من الشارع ليعبّر عن وجدان الملايين.
في ذكرى ميلاده، نعود إلى قصة أحمد عدوية.. الفنان الذي انتصر بصوته وحده، وصنع حالة فنية ظلّت عصيّة على التصنيف.
من الموال إلى المسرح: ميلاد نجم من قلب الشارع
وُلد أحمد مرسي علي عدوية عام 1945 في قرية بمحافظة المنيا، لأسرة بسيطة يعمل عائلها في تجارة الماشية. منذ صغره، أبدى شغفًا بالغناء والمواويل، وامتلك خامة صوتية مميزة جذبت الانتباه حتى قبل أن يعرف طريقه إلى القاهرة.
مع بداية الستينيات، انتقل إلى شارع محمد علي، الذي كان آنذاك قبلة الفنانين والآلاتية، وهناك بدأ مشواره الفني الحقيقي، متنقلاً بين المقاهي والأفراح الشعبية، حتى بات اسمه معروفًا في الأوساط الفنية غير الرسمية.
"السح الدح إمبو": الأغنية التي كسرت القواعد
عام 1969، قدّم أحمد عدوية أغنيته الأولى "السح الدح إمبو"، من كلمات الريس بيرة. الأغنية قوبلت بالاستهجان من قِبل الوسط الإعلامي والنخبوي، ورفضت الإذاعة بثّها باعتبارها "لا تليق بالذوق العام".
لكن على الجانب الآخر، لاقت الأغنية انتشارًا هائلًا بين الجمهور، وحققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، ما أكد أن هناك جمهورًا عريضًا كان ينتظر صوتًا يُشبهه.
جمهور لا يعرف الرسميات.. وصوت لا يطلب الإذن
في وقت كانت الأغنية المصرية تسير في مسارات تقليدية، جاء عدوية بلون جديد، لا يشبه عبد الحليم حافظ، ولا يتبع مدرسة أم كلثوم، لكنه كان قريبًا من لغة الناس اليومية، وواقعهم، ومشاعرهم البسيطة.
أغنياته مثل:
"زحمة يا دنيا زحمة"
"بنت السلطان"
"راحوا الحبايب"
"سلامتها أم حسن"
لم تكن مجرد كلمات شعبية، بل تعبيرات حقيقية عن نبض الشارع المصري.
التمثيل: حضور طبيعي على الشاشة
شارك عدوية في أكثر من 25 فيلمًا، لم يكن فيها ممثلًا محترفًا بقدر ما كان حضوره امتدادًا لصوته وشخصيته. جسّد شخصية "ابن البلد" ببساطة، وظهر دائمًا كما هو: تلقائي، قريب من الناس، وصاحب نكتة.
من أبرز أفلامه: "المتسول" و "السلخانة" .
من الهجوم إلى الاعتراف: التفاف متأخر من النخبة
الغريب أن الذين سخروا من عدوية في بداياته، عادوا ليكرّموه لاحقًا. عبد الحليم حافظ نفسه قال عنه:"غنّي وما يهمّكش كلام الناس": وصفها عدوية بأنها كانت بمثابة قوة ودعم كبير له، خاصة في مواجهة الهجوم والنقد الإعلامي في بداية مشواره، فا عبد الحليم حافظ لم يعترف فقط بموهبة أحمد عدوية، بل دعمها علنًا وضمنها في محيطه الخاص من التشجيع اللفظي إلى المشاركة في أغانيه في الحفلات، وكان موقفه بمثابة التأكيد الرسمي والرمزي على قيمة الصوت الشعبي الذي مثلّه عدوية.
عدوية ظاهرة فنية تستحق الدراسة.
كما اعتبره نجيب محفوظ صوتًا أصيلًا لطبقة منسية من المصريين، وأشاد به نقاد وفنانون كثيرون ممن تأثروا بتجربته، مثل حكيم وعبد الباسط حمودة.
عدوية.. ظاهرة لا تتكرر
أحمد عدوية لم يكن مجرد مطرب شعبي، بل حالة متفردة فرضت نفسها على المشهد الغنائي في مصر لم يحتج إلى بوابة رسمية ليفرض وجوده، ولم يسعَ لرضا النخبة، بل ترك الجمهور يحكم.
وفي ذكرى ميلاده، نستعيد صوتًا لم تخفت نبرته، وإن هدأ حضوره. فعدوية لم يغنّ ليُعجب، بل غنّى ليُشبه جمهوره.
ربما رحل كثير من أبناء جيله، لكن صوت أحمد عدوية ما زال يتردّد في الأزقة والحارات، كأنه لا يزال يغني للمكان الذي خرج منه أول مرة.