كيف اتخذت أمريكا قرار ضرب إيران في منشآتها النووية؟

أجاب تقرير لصحيفة «نيويورك تيمز» على التساؤل الخاص بـ «كيف اتخذت أمريكا قرار ضرب إيران في منشآتها النووية؟»، موضحة أن القرار لم يكن وليد لحظة متسرعة، بل كان نتيجة مسار طويل من التردد المُعلن، يقابله حسم فعلي في الكواليس، رغم أن خطاب «ترامب» السياسي أوحى بالرغبة في التريث، كانت كل مؤشرات التحضيرات العسكرية تشير إلى أن الضربة باتت محسومة، ذلك يعكس كيف يستخدم ترامب الخطاب العام كأداة ضغط نفسي وسياسي داخلي وخارجي.
تصريحات البيت الأبيض
وفق الصحيفة، فإن تصريحات البيت الأبيض التي تحدثت عن مهلة أسبوعين لم تكن سوى مناورة محسوبة لإرباك إيران وإيهام الرأي العام الأميركي بوجود نية صادقة لإفساح المجال أمام الدبلوماسية، فالواقع أن البنتاجون كان قد وضع اللمسات الأخيرة على الخطة الميدانية، وتحركت وحدات الدعم والتموين إلى مواقعها في السر، وهذا التضارب بين الظاهر والخفي كشف عن استراتيجية الخداع التي اعتمدها ترامب ومستشاروه.
«نيويورك تايمز»، أوضحت في تحليلها، أن الإدارة استخدمت لعبة معقدة من التضليل الإعلامي والعسكري، حيث تم إرسال سرب وهمي من قاذفات B-2 غرباً نحو المحيط الهادئ مع تشغيل أجهزة التتبع، بينما تحرك السرب الحقيقي شرقاً في مسار غير مكشوف، وهذا التكتيك عزّز عنصر المفاجأة وقلص من قدرة «طهران» على الاستعداد الفوري للرد.
أظهرت وقائع القرار أن «ترامب» كان شديد التأثر بما يُعرض في وسائل الإعلام، وخاصة ما يبثه الإعلام المحافظ، وهو ما أثر بشكل ملموس على انحيازه نحو خيار الضربة، كان يتابع تعليقات شخصيات مثل تاكر كارلسون وخصومه الإعلاميين ليوازن قراراته، ما يوضح حجم تأثير الرأي العام المصطنع في صياغة قرارات بالغة الخطورة.
وفق الصحيفة، أبدت المؤسسة العسكرية قلقاً من تهديدات «ترامب» المتكررة عبر «تروث سوشال» التي أضعفت سرية العملية، وصلت حدة القلق إلى أن اعتبر أحد الضباط الكبار أن الرئيس يمثل التهديد الأكبر لأمن العمليات، ما يبرز التناقض بين متطلبات الحرب الحديثة وسلوك القيادة السياسية.
ضربات موجعة
أكدت الصحيفة، أن ترامب أراد أن يظهر أمام أنصاره بصورة القائد الجريء القادر على توجيه ضربات موجعة دون التورط في مستنقع طويل الأمد، وهذه المعادلة المعقدة بين إشباع الغرور السياسي وضبط حدود التصعيد كانت حاضرة في كل قرار اتخذ خلال تلك الأيام.
عملية ضرب فوردو وناطنز وإصفهان استهدفت تحقيق إصابة شاملة للبنية التحتية النووية الإيرانية، لكنها لم تسفر عن القضاء الكامل عليها كما ادعى ترامب. ما زالت التقارير الاستخباراتية الأميركية تؤكد وجود شكوك حول حجم الدمار الفعلي وقدرة إيران على استئناف برامجها، حسبما جاءت في تقرير الصحيفة.
وأشار التقرير إلى أن قرار ضرب إيران جاء ليحقق أهدافا سياسية بقدر ما كان عسكريًا، إذ أمل ترامب في أن ترفع الضربة من أسهمه السياسية عشية معارك انتخابية محتدمة. كان يطمح إلى تصدير صورة الزعيم الذي يحقق ما عجز عنه أسلافه.
كان مستشارو ترامب المناهضون للتدخل قد أدركوا أن منع الضربة بات مستحيلاً، فحولوا تركيزهم إلى الحيلولة دون توسع العمليات إلى حرب لتغيير النظام. ساهمت هذه الجهود في رسم حدود أولية للضربة، لكنها ظلت عرضة للتغيير بتقلبات المزاج الرئاسي، واتسم التخطيط العسكري بدقة متناهية، حيث جرت تنسيقات شاملة بين قاذفات القنابل والمقاتلات التي تولت مهام تعطيل الدفاعات الجوية الإيرانية، ما أتاح للقاذفات تنفيذ المهام من دون مواجهة مباشرة مع الدفاعات الإيرانية.
التقديرات الاستخباراتية
بينما أعلن ترامب أن الضربة حققت نجاحا باهرا، كانت التقديرات الاستخباراتية أكثر تحفظًا، مؤكدة أن البرنامج النووي تضرر لكنه لم يُشل بالكامل. هنا يتجلى الفارق بين رواية النصر السياسي والواقع الميداني المعقد.
عكست الضربة مدى اعتماد الإدارة على عنصر القوة الصلبة دون استكماله بمسار دبلوماسي واضح يترجم المكاسب العسكرية إلى نتائج استراتيجية دائمة. هذا ما أشار إليه تقرير نيويورك تايمز بوضوح عند تناوله تداعيات العملية.
وأكدت تفاصيل التقرير أن ترامب كان مهووسا بتتبع استطلاعات الرأي وردود فعل القاعدة الجمهورية، ما أثر بشكل مباشر في إيقاع قراراته، وزاد من نزعة التفاعل اللحظي على حساب الاستراتيجيات بعيدة المدى، وسعت واشنطن إلى تصوير العملية كإنجاز وطني صِرف، مع تجاهل شبه كامل للشركاء الإقليميين الذين فوجئ كثير منهم بقرار الضربة دون إشراكهم في المشاورات أو التحضيرات.
ركزت الضربة على تعطيل القدرات النووية، لكنها تركت النفوذ الإيراني الإقليمي وشبكات الوكلاء خارج الحسابات الميدانية، ما يشي بأن أهداف العملية كانت محدودة في المدى القريب رغم ضخامة رسائلها السياسية، وعكست العملية هشاشة العلاقة بين البيت الأبيض والبنتاغون، حيث برزت محاولات متكررة من المؤسسة العسكرية لتصحيح آثار التصريحات الرئاسية المتهورة عبر إجراءات ميدانية مضاعفة للتمويه.
أبرز تقرير «نيويورك تايمز» أن الإدارة استثمرت في لعبة خطابية مزدوجة: التلويح بالقوة لاستدراج طهران إلى التفاوض، مع الاستعداد الكامل لتوسيع رقعة القتال إذا اقتضى الأمر، وكان جليا أن ترامب سعى لاستعراض القوة التكنولوجية الأميركية المتفوقة دون التورط في صدام بري مباشر، لكنه لم يحدد بوضوح كيف ستترجم هذه القوة إلى معادلة ردع دائمة.
أثارت العملية مخاوف من أن يفتح التردد المعلن من ترامب بابًا أمام طهران للمناورة والتخطيط لردود معقدة تتجاوز الحسابات الأولية للبيت الأبيض.