مساعد وزير الخارجية للسودان سابقاً يكشف سيناريوهات الحرب الدائرة وتبعياتها «حوار»

شاهد مُجريات الأمور وتغيرات الأوضاع التي تمت بوتيرة سريعة، منذ 2016 حتى عام 2025، فلديه معرفة كاملة بخيوط الأمور من الخرطوم لأم درمان للجزيرة وغيرها المُتعلقة بجغرافية السودان، وتشكلت في ذهنه كل تفاصيل الحياة السياسية بدولة الجنوب، إذ عُين السفير حسام عيسى، مُساعداً لوزير الخارجية للسودان منذ عام 2016 حتى 2018، بعدها سفير مصر في السودان منذ 2018 حتى 2022، وأخيراً مساعداً لوزير الخارجية للسودان منذ 2022 حتى أُحيل على المعاش مطلع العام الجاري.
أجرت «النهار» حواراً صحفياً مع السفير حُسام عيسى، والذي قدم الرؤية الشاملة والكاملة حول الأوضاع في السودان، وما وصلت إليه الحرب الدائرة حالياً بين ميليشيا الدعم السريع والقوات العسكرية السودانية، موضحاً ما آلت إليه الحرب وسيناريوهات الأزمة خلال الفترة المُقبلة، والتي أثبتت جميعها صحة الرواية المصرية التي أكدت ولا تزال أن الجيش هو صمام الأمان لحماية أي شعب ومقدراته وبُناه التحتية وليس أي ميليشيا عسكرية.
في البداية كيف تُحلل المرحلة الحالية للصراع في السودان؟
يُمكننا القول إن الصراع في السودان وصل إلى مرحلة أثبتت أن الجيش السوداني هو العمود الفقري لأمن ووحدة واستقرار السودان، فهذه المرحلة أثبتت أن الطرف الآخر أي ميليشيا الدعم السريع يسعى حالياً إلى تدمير وتخريب المنشآت الوطنية السودانية والبنية التحتية التي يستفيد منها السودانيون ولا تُستخدم لأي أغراض عسكرية مثل محطات الكهرباء والسدود والقصر الجمهوري الذي تم قصفه، وأيضاً مدينة بورتسودان التي كانت آمنة منذ بداية الحرب أي منذ عامين.
فيما تمثلت مناطق الحرب الدائرة؟
وجهت ميليشيا الدعم السريع الضربات إلى منشآت مدينة حتى مطار بورتسودان وهو مطار مدني، ويُعتبر الشريان الرئيسي بالنسبة للأخوة السودانيين الذي يريدون العودة إلى السودان بعد أن استطاع الجيش تحرير الوسط النيلي والمدن ذات الكثافة السكانية الكبيرة مثل الخرطوم، ويُعد شريان الحياة بالنسبة للسودان فيما يتعلق من الصادرات التي تأتي لهذا البلد الشقيق.
وكيف ترى تحوّل الصراع حالياً؟
الصراع تحول إلى محاولة للتفجير والتخريب بعد هزيمة «الدعم السريع» في الوسط النيلي وولاية سنار والجزيرة وأم درمان والخرطوم، في محاولة منها للانتقام.
وفيما تظهر خطورة الحرب الدائرة؟
تظهر خطورة هذه الحرب في أن السودان كان قبل الحرب يعاني اقتصادياً، وهذه المعاناة هي التي تسببت في اندلاع الثورة في 2018، والتي قامت ليست لأسباب سياسية فقط بل اقتصادية حيث نزل المواطنون السودانيون إلى الشارع لعدم قدرة الدولة على توفير احتياجاتهم الأساسية من البنزين والخبز وخلافه، وجاءت الحرب التي استهدفت المواقع المدينة والمنشآت الاقتصادية ومنشآت البنية التحتية التي تُقدم الخدمات للسودان كالكهرباء ومستودعات الغاز والمطارات المدنية والقصر الجمهوري لما له من قيمة تاريخية، كل ذلك جعل فاتورة الإعمار أكثر ضخامة من الأول.
بما تفسر قوة ميليشيا الدعم السريع في بعض الأحيان؟
من الواضح أن «الدعم السريع» حصل على مجموعة جديدة من المسيرات ذات الإمكانيات الحديثة التي ترتب عليها قصف مدينة بورتسودان لأول مرة، حيث حاولت مُسيرة اغتيال الرئيس البرهان أثناء احتفالية تخريج دفعة جديدة من الكليات العسكرية العام الماضي، لكن غير ذلك لم تكن هناك أي هجمات على منطقة شرق وشمال السودان وبورتسوان - العاصمة المؤقتة والبديلة - منذ بداية الحرب، فواضح أن هناك محاولة يائسة لتعويض الهزائم عن طريق الإضرار بالبنية التحتية السودانية ومؤسسات السودانية.
وفيما تتمثل أبرز سيناريوهات المرحلة المُقبلة؟
هناك أكثر من سيناريو، الأول هو انتصار الجيش السوداني بشكل كامل وبسط نفوذه على جميع الأراضي السودانية، وفي هذه المرحلة تنتهي الحرب تماماً ويبدأ السودان إعادة الإعمار، ولكن دعني أقول لك، إن مسار الحرب في السودان لا يمكن توقعه فعلى سبيل المثال في بداية الحرب، حققت ميليشا الدعم السريع انتصارات متتالية على الجيش السوداني وهو الأمر الذي لم يكن متوقعاً، ولكن بعدها استجمع الجيش قواه وحقق انتصارات مدوية وسيطر على الخرطوم وأكثر من ولاية، وبالتالي فهناك تغيرات على كل المستويات وقد تحدث بصورة مفاجأة فيمكن أن يحدث أي تطور عسكري نتيجة الحصول على سلاح جديد، الأمر الذي يحسم المسألة لطرف على حساب آخر.
أما السيناريو الثاني، فيتمثل في استمرار الحرب لفترة طويلة، وهنا يتحول السودان إلى دولة غير ناجحة بلا حكومة قوية، وتتناحر فيما بينها جراء عدم وجود قنوات اتصال مباشرة بين أجهزتها، هذا الأمر سيؤثر تأثيراً سلبياً على الشعب ومقدراته والأمن والاستقرار الإقليمي.
حدثنا عن الموقف المصري تجاه هذه الحرب.
الموقع المصري كان واضحاً من البداية، إذ شددت مصر على ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة وأن القوات المسلحة هي العمود الفقري لوحدة الدولة واستقرارها وأن وجود الميليشيات هو السبب الأساسي في تهتك الكثير من الدول، خاصة وأن الميليشيات تُعتبر أكبر تهديد لوحدة واستقرار الدولة، فالجيش هو المؤسسة الوحيدة التي لها أهداف وطنية وانتمائه الأساسي للوطن، لكن الميليشيات إما طائفية أو تابعة لأسرة أو الدول التي تمولها أو حركة متمردة ولا تمثل الوطن بل تقسّمه خاصة تمسكها باعتبارات قبلية طائفية لا تمثل المجتمع.
كيف أثرت الحرب على تركيبة السكان؟
ترتب على الحرب، نزوح ولجوء 15 مليون سوداني، 95% منهم من مناطق سيطرت عليها ميليشيا الدعم السريع، وذهبوا إلى مناطق سيطر عليها الجيش، وهنا تُشير التقديرات إلى لجوء مليوني سوداني في مصر ونظيرهم في دول أخرى و11 مليون نازح داخل السودان.
وما الذي تقرأه من هذه الأرقام؟
نتوصل من هذه الأرقام إلى أنها تُعبر عن مدى ثقة الشعب في الجيش، فنزوح ولجوء 15 مليون سوداني، 95% منهم من مناطق سيطرت عليها ميليشيا الدعم السريع، دليل قوي على الثقة في الجيش، فهناك فارق كبير بين سلوك الجيش في الأماكن التي يسيطر عليها وسلوك الميلشيا المتمردة، ودعني أقول لك إن الأرقام توضح استقبال مصر لـ 50% من لاجئ السودان.
وكيف ثبتت الرؤية المصرية؟
كل هذه الأرقام والأحداث، تؤكد صحة وجهة النظر المصرية منذ عام 2018 والتي نادت بضرورة الحفاظ على القوات المسلحة السودانية وأن القوات السملحة في أي دولة هي صمام الأمان والميليشيا في أي دولة هي السبب في الحرب الأهلية وتحويلها لدولة غير ناجحة وبالتالي وجهة النظر المصرية لم تتغير حتى الآن.
دعني أتحدث معك حول خلفيتكم الثقافية والمعرفية السياسية عن السودان.
لقد عُينت مُساعداً لوزير الخارجية للسودان منذ عام 2016 حتى 2018، بعدها سفير مصر في السودان منذ 2018 حتى 2022، وأخيراً مساعداً لوزير الخارجية للسودان منذ 2022 حتى أُحيل على المعاش مطلع العام الجاري، فكنت شاهداً على الكثير من الأحداث في السودان.
وما الرسالة التي تُريد إيصالها في نهاية الحديث؟
أريد أن أؤكد أن الحرب الدائرة في السودان أثببت مَن هو الصديق الحقيقي للسودان ومَن هي الدولة التي وقفت مع السودان وساعدته سياسيا على كل المستويات واستقبلت السودانين على مدار عامين ولم تُغلق الأبواب رغم الظروف الاقتصادية، دعني أقول لك إن مصر هي العمق الاستراتيجي للسودان والسودان هو العمق الاستراتيجي لمصر.