السبت 4 مايو 2024 04:08 صـ 25 شوال 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

تقارير ومتابعات

النهار تخترق العالم السري لمافيا تجارة الخادمات الأفارقة.. وتكشف: ”الإفريقية بـ6500 والأسيوية يصل سعرها لـ1000 دولار”

شبكة كبيرة من السماسرة منتشرة في مناطق مختلفة من ربوع مصر، معظمها فى المناطق الراقية_ التي يسعى قاطنوها لاستقدام خادمة تعمل على رعاية المنزل والأطفال إن وجدوا، يغرون الفتيات من اللاجئات للعمل كخادمات، ليتربحوا من وراءهن، خاصة وإن هؤلاء الفتيات يجدن في السمسار ملاذًا أمنًا، خاصة أن بعض منهن دخلن البلاد بطرق غير شرعية، وهو ما يضعها تحت رحمة السمسار.

خاضت جريدة "النهار المصرية" مغامرة صحفية لكشف بيزنس سماسرة الاتجار في الخادمات الأفارقة اللواتي فروا من بلادهن هربًا من ويلات الحرب، والجوع والفقر الشديد، ليسقطن في يد فخ سماسرة البشر الذين يتربحون من وراء هؤلاء الفتيات.

الأفريقية بالمصري والأسيوية بالدولار

في مدينة الشيخ زايد التابعة لمحافظة الجيزة تلك المنطقة الراقية، اتخذ أحد السماسرة مكتبًا للاتجار في الخادمات، تحت مسمي توريد العمالة، مستغلًا قرب موقعه من مفوضية اللاجئين والتي يقع مقرها بالحي السابع بمدينة السادس من أكتوبر، وبدأ في التفاوض مع بعض الفتيات؛ الذين رووا لنا ذلك حينما ألتقينا بعضًا منهن هناك، واتفقت روايتهن في ذات المضمون؛ بأنه يضمن لهن راتب ثابت، وإقامة أمنة؛ رغم إنهن لم يوفقن أوضاعهن داخل البلاد بعد.

تواصلنا مع مكتب "ع" لتوريد الخادمات، بعدما أقنعناه أننا نرغب في فتاة إفريقية للخدمة في أحد المنازل؛ وبدأ يعرض علينا الفتيات، لتتكشف الأمور تدريجيًا؛ تتراوح أعمار الفتيات من 20 لـ30 عامًا، غالبيتهم يحملون الجنسية النيجيرية؛ وقدر قيمة الراتب للفتاة بـ6500 جنيه مصري؛ فيما يتحصل هو على عمولة قدرها شهر من راتب الفتاة وهو ما يعني 6500 جنيه أيضًا، وخلال المفاوضات التي دارت بيننا عرض علينا فتيات من دول شرق أسيا أندونسيا والفلبين وتتراوح أعمارهن ما بين 25 لـ40 عامًا؛ مبررًا العمر بأنهم لا يمكنهم دخول البلاد في سن أصغر من ذلك، وموضحًا أن أسعارهن تتراوح ما بين 800 إلى 1000 دولار أمريكي.

بدأ الحديث مع صاحب المكتب يدور حول موقف الفتيات القانوني؛ وهنا بعد أن أطمن إلينا؛ أشار إلى أن بعضهن دخلن البلاد بـ"فيزا" سياحة وانتهت إقامتهم وما زالوا موجودين بطريقة غير شرعية؛ والبعض الأخر دخل عن طريق التهريب عبر الحدود، على أمل الحصول على فرصة عمل مبررًا بقوله "أوضاعهم وحشة ومش لاقيين يأكلوا في بلدهم"، كما تحدث عن إمكانية عمل إقامة للفتاة بعد فترة من العمل؛ على نفقة صاحب المنزل.

شهر عمولة مع خيار التبديل

خلال رحلتنا لكشف ذلك العالم السري والذى يفضح مافيا الاتجار في الخادمات الأفارقة، تواصلنا مع سمسار أخر يعمل تحت نفس الستار "توريد العمال"، ومقره بمنطقة جسر السويس بالقاهرة، والذى عرض علينا فتيات إفريقيات من جنسيات مختلفة من غينيا وغانا ونيجيريا يتحدثون اللغة الإنجليزية؛ وبلغت قيمة الراتب 6000 جنيه، مع عمولة أيضًا للمكتب تبلغ نفس القيمة، كما عرض علينا فتيات من دول شرق أسيا من إندونيسيا براتب يبلغ 600 دولار، والفلبين براتب 750 دولار، وحدد شروط الاتفاق بعدما سأل عن المهام المسندة إلى الفتاة وأخبرناه بأنه نظافة ورعاية أطفال، وأوضح أن الفتاة تأخذ أجازة كل 3 شهور 8 أيام، وفى حالة إن الفتاة لم ترضينا خلال فترة معينة يمكننا استبدالها بفتاة أخري، مبررًا "ما دام دفعت كوميشن".

عرض علينا مجموعة من الصور للفتيات الأفريقيات "شونيبري.ن"، و"أولايوالا.ا" و"أديتكون.أ" و"أديبوجي.ت" وجميعهن من نيجيريا، وطلب منا الاختيار بالصورة لترتيب لقاء مع الفتاة لمشاهدتها على الطبيعة وأبداء الملاحظات عليها؛ وفى حالة الموافقة يتم عقد الاتفاق، وتقاضيه العمولة المقررة من جانبه؛ وفى حالة أن الفتاة لم ترضينا فلنا الحق في أن نطلب فتاة أخري، فسألناه عن الموقف في حالة أن الفتاة هربت أو غادرت المنزل ولم تستكمل العمل؛ أو العقد المبرم بيننا؛ فأكد أنه حينها سيوفر فتاة أخري، دون تحمل أي مصاريف إضافية.

توجهنا إلى مقر مفوضية اللاجئين بالحي السابع بمدينة السادس من أكتوبر، وهو المكان الذى اتخذه بعض السماسرة مسرحًا لمزاولة نشاطه في استقطاب الفتيات والتربح من ورائهن؛ والتي تقع في مربع سكني بجوار مول تجاري؛ وتشهد تشديدات أمنية واسعة مع انتشار لقوات الأمن المركزي على مداخل المفوضية وبجوار أسوارها، كما تنتشر الحواجز الحديدية وبينهم يجلس اللاجئين في أوضاع بائسة؛ في انتظار توفيق أوضاعهم.

على جانب المفوضية يوجد مقهى يجلس عليها عدد من طالبي اللجوء، دخلنا المقهى وتبادلنا أطراف الحديث مع بعض منهن، وتبين انهم من دولة شمال السودان ونيجيريا والصومال وغينيا؛ والذين فروا إلى مصر هاربين من ويلات الحرب؛ وينتظرون موقفهم من اللجوء تمهيدًا لعيش حياة طبيعية؛ وتحدثوا معنا عن بعض الأشخاص الذين عرضوا عليهم العمل كخادمات معددين لهم المزايا، وحصلوا على صور بعض منهن، وبطاقات الهوية، مشيرًا إلى أن البعض منهم يقبل ذلك لتوفير مساحة من الأمن عن طريق الراتب الثابت.

الاستغلال مرفوض

يقول محمد فايق رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان سابقًا، أنه يجب أن نحدد أولًا إذا ما كان هؤلاء الأشخاص دخلوا البلاد بطريقة شريعة أو غير شرعية، وهل هم مسجلين فى مكاتب اللاجئين أم لا؟، لأن ذلك يعد مفصل القضية برمتها، والدولة المصرية بلا أدنى شك توفر الحماية لأي أجنبي داخل حدودها كأي مواطن مصري، حتى يتم النظر فى موقفه.

وأضاف "فايق" قائلًا: "الاستغلال مرفوض لأنه أمر غير قانوني والدولة تحارب ذلك"، وتابع فى تصريحات خاصة لـ"النهار"، لكل لاجئ هوية خاصة به تحدد سبب لجوئه "ديني، سياسي أو عمل"، كما تحدد موقفه وتاريخ وطريقه دخوله البلاد، وفى حالة عدم وجود هوية له يتم البت فى أمره وتستخرج له بطاقة هوية أو يتم ترحيله إلى بلاده بالتنسيق مع الجهات المختصة، وهناك أرقام واحصائيات دقيقة لعدد اللاجئين فى مصر.

توفير الحماية للجميع

فيما تقول النائبة سناء السعيد، عضو المجلس القومي للمرأة، أن الاستغلال عامة واستغلال السيدات الأفارقة مرفوض داخل المجتمع المصري، وأن دور المجلس القومي للمرأة أن نجعل السيدات مكرمات في مصر وأن نجعلهم يعيشون في مستوي يليق بهم، بعد توفيق أوضاعهم وتوفير الحماية الاجتماعية لهم، والمجلس لا يبخل في تقديم المساعدة لمن يطلبها من السيدات الأفارقة والأجانب بشكل عام.

وأشارت "السعيد"، في تصريحات خاصة لـ "النهار"، إلى أنه بعد الحرب السورية كان هناك لقاء مع السيدات السوريات خاصة بعد هوجة تزويج المصريين واستطاعوا أخذ الموافقة علي مباردة تهدف إلي توعية السيدات واحتوائهم وتكريمهم، أما عن السودانيات فقاموا أيضًا بعمل لقاء مع السيدات السودانيات داخل المجلس القومي للمرأة برئاسة الدكتورة مايا مرسي، وكان هناك متابعة دقيقة لحل مشاكل الإقامة والعمل والاستضافة، وكان هناك تعاون بين الجهات الحكومية والمجلس القومي للمرأة لاحتواء السيدات السودانيات.

المؤبد والغرامة

يقول عبد الرازق مصطفي المحامي بالنقض والإدارية العليا أنه لابد من تقنين الأوضاع القانونية الخاصة باللاجئين عن طريق المفوضية، وأن بعض مكاتب السماسرة لا تدع مساحة للاجئين حتي يستخرجوا أوراقهم الثبوتية، وهذا يضعهم تحت طائلة القانون.

وأضاف أن المادة (2) من قانون الاتجار بالبشر، تعتبر مرتكبًا لجريمة الاتجار بالبشر كل من يتعامل بأية صورة في شخص طبيعى بما في ذلك البيع أو العرض للبيع أو الشراء أو الوعد بهما، إذا تم ذلك بواسطة الاحتيال أو الخداع ، أو استغلال حالة الضعف أو الحاجة ، أو الوعد بإعطاء أو تلقى مبالغ مالية أو مزايا مقابل الحصول علي موافقة شخص علي الاتجار بشخص آخر له سيطرة عليه.

وتابع، أن المادة (3) تقول أنه لا يُعتد برضاء المجنى عليه علي الاستغلال في أى من صور الاتجار بالبشر ، متى استخدمت فيها أية وسيلة من الوسائل المنصوص عليها في المادة (2) من هذا القانون، كما يعاقب وفقًا للمادة (6) كل من ارتكب جريمة الاتجار بالبشر بالسجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه في بعض الحالات من بينها إذا ارتكبت بواسطة جماعة إجرامية منظمة.