جريدة النهار المصرية

تقارير ومتابعات

طيار فوق ال ٦٠.. قصة ”عم شافعي” أكبر دليڤري في مصر

أحمد الجدي -

شافعي مجد: أطير على الطريق منذ ١٠ سنوات و"شايل روحي على أيدي".. وأحلم بمعاش مناسب حب ما تعمل حتى تعمل ما تحب، بهذه الحكمة اختار الرجل الستيني عم شافعي مهنته عام ٢٠١٢ عندما رفض العمل كفرد أمن يعمل على مدار أكثر من ١٢ ساعة يحرس المصانع والشركات والعمارات، واختار العمل في صيدلية مسؤول عن توصيل الطلبات للمنازل.

أحب عم شافعي المهنة التي يتحرك فيها بشكل مستمر مع دراجته البخارية "الموتوسيكل" ليرى مصر والمصريين عن قرب ويتعامل مع كل فئاتهم وطبقاتهم على الرغم من صعوبة وخطورة المهنة على رجل في أوائل الخمسينيات من عمره عندما بدء أول توصيلة له في حياته.

لحبه لها، استمر عم شافي في هذه المهنة لأكثر من ١٠ سنوات كاملة ولا يزال مستمر حتى الآن ليصبح أكبر دليڤري في مصر حيث أنه لا يزال يتحرك بدراجته البخارية ليوصل الطلبات للمنازل وهو في عمر ال ٦١ وهو العمر الذي من المفترض فيه أن يستريح أكثر حفاظا على صحته ولكن الظروف بالطبع تحرمه من هذه الراحة.

كيف بدأ حج شافعي في هذه المهنة؟ ولماذا اختارها؟ وما الذي يطمح فيه منها بعد وصوله لمرحلة الستينات؟ كل هذه الأسئلة وأكثر يجيب عليها الحاج شافعي في السطور التالية.

بداية عمله

يقول الحاج شافعي في بداية حديثه: اسمي شافعي مجد وعمري ٦١ سنة اعمل في مهنة رجل الدليڤري منذ أكثر من ١٠ سنوات ومستمر حتى الآن وطوال ال ١٠ سنوات الماضية تخصصت في العمل مع الصيدليات المختلفة كدليڤري صيدليات أوصل الأدوية للمنازل عبر دراجتي النارية "الموتوسيكل" وفي الكثير من الأحيان لا أكتفي بالتوصيل بل أقوم أيضا بمساعدة المريض على أخذ دواءه وخاصة الحقن أو التغيير على الجروح نظرا لخبرتي في هذه الأشياء بحكم عملي الطويل في المجال، ولنجاحي الكبير كنت الدليڤري المثالي في كل الصيدليات التي عملت بها وكنت اتقاضى مكافأة شهرية على التزامي هذا وحب الزبائن لي وطلبهم لي بالاسم، وكانت المكافأة قيمتها ٢٠٠ جنيه.

وعن سر عمله في هذه المهنة الخطيرة في هذا السن الكبير، يضيف عم شافعي في حديثه : عملي في سن كبير في مجال التوصيل يعود إلى ظروف شخصية لا أحبذ حكايتها هنا ولكن من ضمن الأسباب هو عشقي لقيادة الموتوسيكل، وكرهي في الوقت نفسه للوظائف الروتينية التي تتطلب التواجد في أماكن بعينها لفترات طويلة ولهذا لما بدأت في مجال التوصيل لم أتركه وتنقلت ما بين الصيدليات طوال ١٠ سنوات قضيتهم في المجال، وأنا أتذكر يوم بدايتي عام ٢٠١٢ جيدا حيث بدأت في صيدلية قريبة من بيتي بحدائق القبة في محافظة القاهرة وكنت أوصل الأدوية على قدمي في البداية ولكن سرعان ما زادت الطلبات واضطررت لشراء موتوسيكل بالقسط حتى أكون أسرع وأستطيع أن ألبي كل الطلبات التي تطلب من الصيدلية، ومنذ أن أحضرت الموتوسيكل تحول الأمر من مجرد عمل إلى متعة ذاتية أحققها وأنا أوصل الأدوية للعملاء.

دليڤري الصيدليات

يحكي عم شافعي عن سبب اختياره مهنة دليڤري الصيدليات تحديدا دون غيرها فيقول: دليڤري الصيدليات يختلف عن أي دليڤري في مصر فهو لا يوصل أكلة أو مشروب أو ملابس أو أي من رفاهيات الإنسان بل يوصل دواء وعلاج لشخص مريض يتألم وفي حاجة ماسة لدواءه ولهذا يجب أن يتوفر في دليڤري الصيدليات ميزات عديدة أخرى غير الميزات العادية المفروض توافرها في الدليڤري العادي كسرعة التوصيل والتعامل الجيد مع العميل، وهذه الميزات الإضافية منها القدرة على إيصال رسالة الصيدلي للمريض حتى يفهم طرق ومواعيد أخذ الدواء وقراءة اللغة الإنجليزية حتى لو بشكل بسيط للتأكد من أن الدواء الذي معه هو الذي طلبه العميل، أما الميزات الأهم فهي بعض مهارات الاسعافات الاولية كإعطاء الحقن والتغيير على الجروح وخاصة أن أغلب المصريين لا يجيدون التعامل في هذه الأمور الطبية البسيطة، وقد اكتسبت كل هذه المهارات مع الوقت وأصبحت واحد من أهم وأشهر دليڤرية الصيدليات في مصر لأني لست مجرد موصل أوردرات.

عمل تلفزيوني

تحدث عم شافعي عن خبراته في المجال طوال ال ١٠ سنوات الماضية، فقال: على مدار ١٠ سنوات قابلت كل أنواع البشر؛ الطيب الذي يحترمني ويكرمني ويقدر تعبي، والمغرور الذي يتعامل معي معاملة سيئة جدا لا تليق حتى بسني، والبشوش والعابس، والكريم والبخيل، والحزين والسعيد ، والغني والفقير، كل الأنواع فعلا مما أكسبني خبرة كبيرة جدا في الحياة لم أكن أملكها قبل عملي هذا، وهذه الخبرة جعلتني أكتب سيناريو عمل تلفزيوني عن حكايات عشتها مع عملي هذا رصدت فيه العديد من المواقف التي عاصرتها وأثرت في شخصي بالايجاب أحيانا وبالسلب أحيان أخرى، وهذا بهدف أن أوصل للمواطن العادي كيف نحن نعاني كعاملين في مجال الدليڤري على أمل أن نلقى المزيد من التقدير الذي نستحقه بالطبع.

وعن لقبه المفضل " أكبر دليڤري في مصر"، علق عم شافعي عليه قائلا: سعيد اني أكبر دليڤري في مصر ولكني خائف أيضا، ها أنا قد تخطيت الستين من عمري ولا أعرف وظيفة أخرى غير رجل الدليڤري وهي مهنة شاقة جدا حتى على الشباب فما بالك برجل في هذا العمر، أخشى من المستقبل فأنا أعلم أنه بيد الله ومؤمن أن الله لن يأتي إلا بالخير ولكني أفكر أيضا ماذا سيحدث لا قدر الله لو مرضت أو تعبت ؟ فلن يكون هناك معاش للصرف على أسرتي ولا تأمين صحي قوي يساعدني أن احتجته ولا مكافأة نهاية خدمة جيدة تساعدني أن أبني مشروع بسيط يتواكب مع ظروف سني إذا قررت التوقف عن العمل، وهذا معناه اننا نطير بلا مهبط طيران ومطلوب منا أن نحلق في مهنتنا حتى ننتهى دون تعويض حقيقي يعوض سنوات التعب والشقاء وتحدي الأجواء والظروف الصعبة على مدار سنوات طويلة دون كلل أو ملل ودون تقدير مالي مناسب لتعبنا ومجهودنا.

ظروف صعبة

ويروي شافعي مجد الظروف الصعبة التي واجهها فيقول: ومن أصعب الظروف التي عملت بها كانت أثناء جائحة فيروس كورونا، فقد كنت مطالب بتسليم عشرات بل مئات الطلبات يوميا واتعامل مع العديد من الحالات المشتبه بها المصابة بالفيروس، وفي كل لحظة كنت معرض للأذى والإصابة بالمرض ولكن مع هذا لم أكن أملك رفاهية التوقف عن العمل لأني وقتها لم أكن سأملك المال اللازم للصرف على أسرتي، كنت أتحمل وأدعوا الله أن يحميني حتى أكمل رسالتي مع أولادي وزوجتي، هذا بخلاف الطقس السيء في الشتاء من مطر شديد وبرودة أشد ومع ذلك نتحرك ونذهب ونوصل الطلبات فنلقى شكرا مرة ونلقى إهانة في مرة أخرى لتأخيرنا غير المبرر من وجهة نظر العميل.

أحلام للمستقبل

واختتم عم شافعي حديثه ل النهار بالكلام عن أحلامه التي يحلم بها له ولمهنته حيث قال: أحلم بنقابة للعاملين بالدليڤري توفر لهم حقوقهم المشروعة من معاش مناسب وتأمين صحي شامل وتأمين على الحياة ضد الحوادث والأخطار والأهم من ذلك توفير رواتب شهرية جيدة تتناسب مع ظروف العمل وتناسب ظروف الحياة الحالية، ومن أهم أحلامي أيضا أن يتحول السيناريو الذي كتبته إلى عمل سينمائي حقيقي يراه كل الناس حتى يعلموا كم نتعب من أجل راحتهم وكم نعاني كي نوصل لهم ما يحتاجون، أما أحلامي الشخصية قهو أن أعيش دائما في ستر الله لا أكثر ولا أقل والا احتاج اي شيء من اي شخص.