النهار
جريدة النهار المصرية

تقارير ومتابعات

الباعة الجائلون في ميدان التحرير يستغلون الروح الثورية للتربح

-
بعد عام من تصدر ميدان التحرير في وسط القاهرة الساحة في انتفاضات الربيع العربي.. تحول الى سوق كبيرة مفتوحة للباعة الجائلين تلتقي فيها التجارة بالثورة.ساعد فشل محاولات قوات الامن في فض اعتصام محتجين ما زالوا موجودين في ميدان التحرير على زيادة جرأة عدد متزايد من الباعة الجائلين الذين يتدفقون على الميدان لبيع كل شئ من الاحذية الى الفاكهة التي حفر على القشرة الخارجية لبعضها عبارات قوية للغاية.يبيع أحدهم بطيخا محفورا على قشرته عبارة يسقط حكم العسكر. وهناك اخرون يبيعون مشروبات يطلقون عليها عبارات ثورية مثل شاي 25 يناير وعرقسوس التحرير.كما يبيع اخرون سلاسل مفاتيح تصدر منها هتافات منددة بالمجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي تولى شؤون مصر عندما تنحى الرئيس السابق حسني مبارك في فبراير شباط من العام الماضي أو شباشب عليها صور مبارك.هذه التجارة تساعد على اطعام الاسر الفقيرة التي تدهور مستوى معيشتها منذ الانتفاضة التي قامت في البلاد في 25 يناير كانون الثاني.تجلس احلام ابراهيم بملابسها السوداء الطويلة لتطهو الفول على عربة خشبية في الميدان حتى خلال الايام العاصفة المتربة.وقالت توقف العمل في أحياء أخرى.. أنا هنا لاطعام أبنائي وخلال هذا أساعد أيضا الفقراء الذين يأتون للاحتجاج.وأضافت مشيرة الى متجرين لكنتاكي وهارديز في مكان مجاور لا يمكنهم تحمل أسعار الاماكن التي تبيع الاكلات السريعة في الميدان.وتبلغ تكلفة شطيرة الهامبورجر من مكدونالدز قرب ميدان التحرير 14.25 جنيه (2.36 دولار) لكن شطيرة الفول من أحلام سعرها 1.5 جنيه فقط (0.25 دولار).ما زالت هناك مجموعة من الخيام منصوبة في منتصف ميدان التحرير المزدان بشعارات سياسية وصور بعض الضحايا الذين سقطوا في الانتفاضة. وتتدلى دمى هزيلة من مصابيح انارة ترمز لمسؤولين في الحكومة أعدمهم الثوار بعد محاكمات صورية في الميدان.ولقي 846 شخصا على الاقل حتفهم في المظاهرات التي قامت ضد مبارك كما لقي عشرات اخرون حتفهم منذ ذلك الحين مع انطلاق احتجاجات أخرى بسبب الاحباط من بطء التغيير.وأشرف المجلس العسكري على انتخابات تاريخية ويعد بتسليم السلطة الى المدنيين في يونيو حزيران لكن الكثير ممن قادوا الانتفاضة لا يعتقدون أن الجيش سيتخلى عن نفوذه.تزخر العربات الخشبية بالسجائر والماء والمشروبات ليشتريها من يريد وتشيع في الهواء رائحة الطهي. يعرض الباعة على المارة الاعلام المصرية أو صورة لمغني الريجي بوب مارلي.يتوقف قادة السيارات لشراء الشاي الذي أعد في أوان من الالومنيوم على موائد تم وضعها كأمر واقع على الارصفة. قالت نجوى حسن بائعة الشاي انها جاءت للتحرير في محاولة لكسب قوت يومها بعد أن تركت زوجها الذي كان يسئ معاملتها. وقالت انه لم يكن أمامها مكان اخر تذهب اليه.وأضافت بينما كان يجلس الى جوارها اثنان من اطفالها تركت زوجي وجئت هنا... أين يمكن أن أبيع ما أصنع غير هنا.. معي خمسة أبناء... كيف يمكن اطعامهم غير بهذه الطريقة..وكان من بين الاسباب التي ساعدت على قيام الانتفاضة الفقر الشديد في بلد يصنف رسميا على أنه متوسط الدخل ومنذ ذلك الحين زادت الازمة الاقتصادية وارتفاع الاسعار بسرعة من المعاناة.وساعد انتعاش النشاط في الاقتصاد الموازي على التخفيف من وطأة الاوضاع بعد ان خففت السلطات من قبضتها على الباعة الجائلين وعمليات البناء غير المشروعة.وفي التحرير ساعد تدفق قادة السيارات والسكان والسائحين والمتظاهرين على جعل الميدان منطقة صراع بين الباعة الجائلين وتؤدي المنافسة بينهم الى اندلاع مشادات من حين لاخر.وفي واحدة من أسوأ الحوادث في أواخر نوفمبر تشرين الثاني أصيب العشرات في معارك بين باعة يحملون العصي كانوا يبيعون بضائع لمحتجين معتصمين هناك. وتم تدمير العديد من العربات الخشبية والاكشاك بعد أن تحولت المشادة الى معركة بالحجارة والزجاجات والقنابل الحارقة.وقالت بعض التقارير ان محتجين لاسباب سياسية شاركوا في المشادة وصادروا بضائع وهاجموا الباعة واتهموهم ببيع الماريوانا والاساءة الى سمعة المحتجين الذين يطالبون بانهاء الحكم العسكري.قالت نجوى (40 عاما) بائعة الشاي ان بلطجية جاءوا الى الميدان قبل ذلك وحاولوا سرقة أغراضها. وقالت انها عادت لانها لم تجد مكانا اخر يمكن ان تذهب اليه.وأضافت اوجدوا لي مكانا بديلا وسأذهب اليه.وتمثل هذه السوق غير الرسمية أمرا غير محتمل بالنسبة لكثيرين من المصريين يريدون عودة النظام بعد احتجاجات عنيفة متتالية.ويتهم بعض سكان المنطقة الباعة باساءة استغلال الرمز السياسي للميدان للتربح من الانتفاضة.قال محمد الحسيني وهو مهندس يعيش في مكان مجاور السبب الوحيد الذي يجعل الباعة مستمرين في وجودهم بميدان التحرير هو غياب الشرطة لكن لابد من انتهاء هذا الوضع في نهاية الامر. التحرير ليس سوقا.لكن اخرين يحتفون بهذه التجارة باعتبارها مظهرا اخر من مظاهر الروح الجديدة التي ولدت في مصر بعد الانتفاضة.قالت عزة كريم خبيرة علم الاجتماع السخرية والفكاهة الحزينة تعبر عن رفضهم للماضي.. للاستبداد.. الظلم والعنف مضيفة أن البائعين خلدوا الشهداء وصنعوا سلعا استلهموها من الثورة.