جريدة النهار المصرية

تقارير ومتابعات

رحلة البحث عن كفاءات وزارية

-

الآن.. بعد تكليف المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، بتشكيل الحكومة الجديدة عقب تقديم رئيس الوزراء السابق استقالته.. تستعد البلاد – فى مرحلتها الراهنة– لإعادة ترتيب أوضاع البلاد التى تحتاج إلى تغيير جذرى فى كافة مناحى الحياة، يختار فيها الشعب– ممثلا فى برلمانه المنتخب- الوزراء الجدد، ممن يمتلكون سيرة ذاتية مليئة بالدرجات الأكاديمية الرفيعة كل فى مجال تخصصه، ورؤية ثاقبة للتغيير، وسرعة اتخاذ القرار، والتنفيذ الجيد، لإحداث ثورة حقيقية فى الأداء الحكومى كضرورة ملحة، خاصة أن حكومة المهندس شريف إسماعيل تعتبر حكومة مؤقتة الأمر الذي يجعلنا نحاول وضع روشتة بها ارشادات عامة لاختيار من يصلح أن يكون وزيرا، خاصة بعد سقوط “صلاح هلال” وزير الزراعة السابق كشف عن أن القضية أكبر من “رجل فقد عقله” وضميره، وربما تورطه فى أكثر من قضية فساد، طوال مدة بقائه بالوزارة انتهت بحبسه، هو الذى عجل بالتعديل الوزارى الذى كان من الممكن تأجيله إلى ما بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية، حيث سيتم تشكيل حكومة جديدة وفقاً للدستور. 
هذا الرجل بما فعله يسىء إلى كثيرين من قيادات وزارية، أدوا واجبهم وكانوا على مستوى المسئولية وحققوا نجاحاً فى مهامهم.
وعلى ضوء تجربة حكومة «محلب»، وحتى اليوم، يدور الكلام حول الوزير القادم، بعد الحكومة الحالية المؤقتة واستكمال مسيرة التغيير والإصلاح الشامل فى كل مؤسسات الدولة، ضماناً لأمن الوطن واستقراره.. فلا شك أن الكل يحدد فى نفسه، شكل ومواصفات من يتقلدون الحقائب الوزارية فى المرحلة الراهنة.   
باختصار المجال أصبح متسعاً الآن لاختيار الكفاءات، وخلق قيادات وزارية جديدة من جيل ثان وثالث من القيادات الطموحة فى اتخاذ القرار، وتحمل المسئولية، ولها رؤية وفكر، وليس مجرد خطوة “ديكورية” لتغيير المسميات أو الأشخاص فقط، وذلك لمعالجة مشاكل الإدارة البيروقراطية فى القطاعات المختلفة، التى تمتلئ بالمساوئ والمشكلات التى لا حصر لها.
وفى ظل رؤية وفكر جديد نتطلع إليه سألنا رجال السياسة والقانون وأساتذة الجامعات عن المعايير والأسس اللازمة لاختيار قيادات وزارية جديدة.. كل وضع تصوراته لمن يتقلدون تلك المناصب الرفيعة فى مؤسسات الدولة.   
بداية يرى الدكتور حسن أبوطالب، أستاذ العلوم السياسية ومدير معهد الأهرام الإقليمى للصحافة والخبير بمركز الدراسات الاستراتيجية، أهمية تشكيل حكومة “تكنوقراط” غير حزبية، من شخصيات وطنية لها رؤية واضحة وقوية لبناء الدولة، وملتزمة بتحقيق أهداف الثورة وفق برامج الإصلاح الشامل لاستكمال مرحلة الانتقال الديمقراطى، وإعلاء المصلحة الوطنية، وبالتالى يجب ألا تقل سن المتقدم لشغل وظيفة الوزير عن 40 عاماً، ولا تزيد على 45 عاماً، حتى يكون شخصية قادرة على تنفيذ الخطط التنموية التى تعمل على النهوض بالدولة، وأن يكون لديه مقومات الكفاءة الإدارية، واتخاذ القرار، وتاريخ من العطاء فى مجال تخصصه، فضلاً عن خبرته فى العمل العام، حتى لا يتورط فى تصريحات تثير جدلاً بين الرأى العام، والقدرة على مواجهة قوة الفساد والممانعة للتقدم وتطوير الأداء داخل الوزارات المختلفة، كما يجب الالتحام بالمواطنين للتعرف على مشاكلهم، ومشاركتهم فى بناء مصر الحديثة، وإتاحة الفرصة لهم والاستفادة منهم ومن خبراتهم فى مؤسساتهم.
وأوضح الدكتور “أبوطالب”: إن هناك نوعين من الوزراء، الأول الوزير السياسى الذى يعكس انتماءه لحزبه وفكره الإيديولوجى بطريقة معينة، والثانى الوزير التكنوقراط الفنى والتقنى الذى يعمل بأسلوب علمى، ويعتمد على الأساليب التكنولوجية الحديثة، ومرونة وحرية الحركة فى مجال عمله الوزارى، ووضع الحلول المنطقية لأى مشكلة تواجهه، حتى يستطيع أن يكون على مستوى مهامه الوطنية، وبمقارنة بين النوعين نجد أن الأخير هو الأفضل للمرحلة الراهنة، كما أنه يجيد تنفيذ التوجيهات ورؤية وأفكار رئيس الدولة. 
وأشار إلى أن تكليف المهندس شريف، وزير البترول السابق، بتشكيل الحكومة الجديدة، عقب استقالة حكومة المهندس إبراهيم محلب هو اختيار غير موفق، خاصة فى هذه المرحلة الانتقالية الصعبة، لأن تولى وزراء سياسيين جدد لحقائب وزارية ضخمة كالداخلية والزراعة والتموين والبترول، بها عدد كبير من المشكلات واحتمالات الفساد فيها أعلى من الوزارات الحكومية الأخرى، يترتب عليها مسئوليات كبيرة- يعيق مسيرة التقدم والنمو والتطوير الجاد لمؤسسات الدولة التى تعانى من خلل كبير فى العمالة والكفاءة، وينبغى إصلاحه.
ثورة تغيير حقيقية
والتقط طرف الحديث، الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية ورئيس مركز دراسات وبحوث الدول النامية، قائلاً: لابد من تمكين الكفاءات فى معترك العمل الوزارى، والعمل على وضع جيل ثان وثالث من القيادات الوسطية الطموحة المتميزة فى أدائها لعملها ما يمكنه إحداث ديناميكية فى الأداء الحكومى، عن طريق متابعة تنفيذ الخطط والسياسات الخاصة بتطوير القطاعات المختلفة بكل وزارة، وتذليل الصعاب، وحل مشكلات ومعوقات العمل من خلال مقترحات إبداعية مبتكرة، وزيادة معدلات الإنتاج، ومتابعة المضى فى المشروعات الكبرى فى الوزارات المختلفة بأفضل جودة ممكنة، والقضاء على المشاكل اليومية التى يعانى منها الشعب المصرى.  
من ناحيته، يؤكد الدكتور على أبوليلة، أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة عين شمس، أهمية الحرص على وجود آلية واضحة لاختيار الوزراء، والحرص على تكوين الصف الثانى الذى يمكنه تحمل المسئولية فى حال تصعيده ليحتل الصدارة فى أى وزارة أو هيئة أو مؤسسة، لأن تولى أى قيادى أصبح أمراً شاقاً ومرهقاً، ومن الصعب العثور عليه بسهولة، فمصر بحاجة إلى الكفاءات الوطنية التى تتميز بالرؤية، والخبرة، ونظافة اليد، وتغليب المصلحة العامة، وهذا يحتاج إلى وقت كبير، ومحاولات إقناع أطول، لأن الكثير ممن يمتلكون هذه الصفات الحميدة غير راغبين فى التصدى للعمل العام فى هذا التوقيت الصعب.
حسن السمعة والسلوك.. وخادم للوطن
ورحبت بالرأى السابق، الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الزقازيق مشيرة إلى أن المعايير التى يجب على أساسها اختيار قيادات وزارية تتمثل فى أن يكون على وعى ثقافى بأهمية دوره، سواء فيما يتعلق بالخدمات المقدمة للمواطنين أو تنفيذ برامج التنمية الحكومية، وأن يضع ذلك فوق كل اعتبار، وأن يخلص للشعب ويحل مشكلاته المتعلقة بمجال هذا التخصص، ويهتم بالمشاريع القومية الكبرى، لتشغيل الشباب، وبالتالى يجب أن يتم اختيار القيادات وفق هذه المعايير، هذا بالإضافة إلى أنه ينبغى أن يكون حسن السمعة والسلوك، وأن يكون ذا كفاءة فى مجال تخصصه.
السمعة الطيبة
أما الدكتورة ابتهال أحمد رشاد، مستشارة التنمية البشرية وحقوق الإنسان وقضايا المرأة، فترى أن أهم أسس اختيار قيادات الحكومة الجديدة فى إطار الإصلاح الإدارى والخدمى بوجه عام تتمثل فى أن تكون القيادات مؤمنة بأهداف ثورة الشعب التى قادها شباب 25 يناير المحترم، وألا ينتموا إلى فصيل سياسيى حتى لا يعملوا لحسابه، وأن يكون ولاؤهم للشعب المصرى، وأن يرفعوا فوق رءوسهم شعار “تحيا مصر”، وأن تكون تلك القيادات الوزارية مثقفة ومختارة من أجندة وطنية خالصة، وأن يكونوا قدوة للجميع، مع توفر القدرة على التمثيل فى المحافل الدولية والمحلية.
وأضافت أن هذه القيادة التى سوف تمثل موقعا ما فى الحكومة الجديدة ينبغى أن لا تقل سنها عن 40 عاماً، ولا تزيد على 45 عاماً، وألا تزيد سن مساعد أول الوزير أو معاون الوزير على 40 عاماً، وأن يكون اختيارهم أو انتماؤهم على أساس تمتعهم بالنزاهة والسمعة الطيبة.. وألا يكونوا قد استغلوا أموال الدولة وتربحوا من خلال مناصب سابقة بالدولة كما حدث فى المرحلة الماضية، حتى لا يسيئوا إلى الحكومة الجديدة، لأن ذلك ينعكس على الشعب المصرى.
وزير مسئول
من جهتها، توضح الدكتورة زينات طبالة، مدير مركز دراسات التنمية البشرية بمعهد التخطيط القومى: الشروط العامة التى يتم على أساسها اختيار قيادات وزارية منها أن يكون مؤهلاً تأهيلاً علمياً وأخلاقياً، وأن تتوافر فيه صفات الكفاءة والمهارة فى ذاته، وأن يكون قادراً على اتخاذ القرار السليم فى الوقت المناسب، ويعرف الله ولا يخاف سواه، وأن يكون جاداً ولديه قوة تحمل، وأن يكون شخصية محبوبة ومقبولة لدى الجميع.
واستكمل الحديث الدكتور عبدالمنعم الحاج، أستاذ أصول التربية بجامعة السويس والخبير السياسى، قائلاً: الأسس التى يقوم عليها اختيار الوزير القادم بما يهدف إلى إصلاح المنظومة الإدارية بوجه عام- ترجع إلى أقدمية التخرج فى مجال عمله، مع ضرورة حصوله على مناصب كبرى تؤهله لقيادة موقع ما فى الحكومة الجديدة، وأن يكون قادراً على أداء عمله، ومشهوداً له بالكفاءة فيه، وأن يطبق القانون على المخالفين والمتجاوزين فى وزارته نصاً وروحاً.
أكفاء وشرفاء
من ناحيته، قال حسين عبدالرازق، نائب رئيس حزب التجمع: إن المعيار الأساسى لاختيار الوزراء القادمين هو الكفاءة، حتى يكون صاحب رؤية استراتيجية للمستقبل، مؤمناً بأن قيامه بمهام وظيفته على أكمل وجه لا يمكن أن يتحقق دون وجود فريق عمل من الطاقات الشابة يساعده على اتخاذ القرار السليم، والنجاح فى العمل، مع أهمية تغليب المصلحة العامة على المنافع الشخصية، وتنقية البيئة التشريعية والقانونية، بما يهدف إلى إحداث التنمية الإدارية المطلوبة.
تابع: يجب الابتعاد فى اختيار وزراء ما بعد الثورة عن ثنائية الوساطة أو المجاملة، وألا تخضع عمليات الاختيار للولاء أو الثقة أو الأهواء الشخصية، لما لها من آثار فى إفشال التنمية، وأن الكفاءة والتميز هما المعيار الوحيد الذى سيحكم عملية الاختيار فى هذه المناصب الجديدة التى يعول عليها كثيراً.
وزراء تكنوقراط
فيما أبدى الدكتور صفوت جرجس، رئيس المركز المصرى لحقوق الإنسان، ترحيبه بقرار تغيير حكومة المهندس إبراهيم محلب، والذى جاء فى توقيت مهم، ويكشف عن اهتمام رئاسة الجمهورية بنبض الشارع المصرى والاستجابة لرغباته، وسط تزايد المشكلات وتفاقمها، وعدم قدرة الحكومة على ضبط احتياجات المجتمع، بما يتوفر لها من إمكانيات فى ضوء التحديات التى تواجه البلاد منذ ثورة 30 يونيو.
 كما يعرب- “والكلام مازال على لسانه”- عن عدم تفاؤله باختيار المهندس شريف إسماعيل رئيساً للوزراء، نظراً لعدم توافر عدد من الخصائص والصفات المنتظرة فيه من رئيس وزراء مصر بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو.
ويرى الدكتور “جرجس” أن هناك حاجة ملحة لاختيار رئيس وزراء مصر وذلك بأن يتمتع  بالرؤية الاستراتيجية التى تمكنه من قيادة مجموعة من الوزراء وفق برنامج محدد وخطة زمنية معروفة، على أن يتم متابعة هذه الخطة من رئيس الجمهورية إلى حين تشكيل برلمان منتخب، حتى لا تتكرر تجربة حكومة “محلب “ من خلال قيامه بزيارات ميدانية وحملات مفاجئة على كثير من الأماكن، دون القيام برقابة ومتابعة عمل الوزراء، وغياب الرؤية المستقبلية التى يمكن أن يسير عليها الوزراء.
واستطرد: إن قضايا الفساد التى شابت بعض وزراء حكومة “محلب”، وعدم الشفافية الكاملة فى إعلان النتائج كانت من أسباب فقدان الشارع الثقة فى هذه الحكومة، بعد أن تورط عدد من الوزراء فى مصالح مع رجال أعمال وشخصيات عامة فى قضايا فساد، أدت إلى تكوين صورة سيئة عن توجه الحكومة، فى ظل عدم احترام حق الشارع فى المعرفة، وغياب شفافية تداول المعلومات. 
ويؤكد الدكتور “جرجس” ضرورة اختيار رئيس وزراء بشكل مختلف عما حدث خلال الفترة الأخيرة، خاصة أن رئيس الوزراء الجديد شخصية ناجحة فى مجال البترول، ولكنه لا يملك الخبرة الكافية لإدارة كل المجالات والتخصصات فى الوزارات المختلفة، إلى جانب غياب الرؤية والقدرة على استقراء الواقع، وإن كانت الفترة القصيرة التى سيتولاها رئيس الوزراء قبل الانتخابات، وقبل تشكيل البرلمان الذى سيقع على عاتقه مسئولية اختيار الحكومة، وبدء مرحلة جديدة من سطوة البرلمان على رئيس الجمهورية من شأنها تدشين مرحلة جديدة من التحديات، وقبول الاختيار المؤقت لرئيس الوزراء والوزراء الجدد يخلق أزمة مستقبلاً بين المجتمع والبرلمان بشأن حدود صلاحيات الرئيس والبرلمان. 
ودعا إلى انتقاء عدد من الشخصيات التكنوقراط فى مجالهم، وتغيير كل الوزراء المتقاعسين عن القيام بدورهم، من أجل تحسين الصورة، وبدء مرحلة جديدة لخلق الثقة مع المجتمع، والإسراع فى إعداد خطة عاجلة لانتشال المجتمع من همومه ومشكلاته، واتخاذ عدد من القرارات التى ستكون مسعفة للمواطن البسيط، مع ضمان نزاهة الانتخابات المقبلة، وإجرائها حسب الجدول الزمنى المعد لها، دون أى تدخل أو إبطاء، واحترام الحياد فى الانتخابات دون انحياز لأى طرف، تعزيزاً للمساواة وتكافؤ الفرص.