النهار
جريدة النهار المصرية

تقارير ومتابعات

مستشفيات الحكومة ترفع شعار «الموت للفقراء»

-

تعد الصحة من أهم القضايا التى تشغل بال المسئولين والمواطنين على حد سواء لارتباطها بالإنتاج بشكل مباشر وبالأمراض والأوبئة والأدوية بشكل غير مباشر، وهناك العديد من العوامل التى تؤثر على القطاع الصحى مثل الميزانية المقررة للقطاع وتدريب خريجى كليات الطب وانتشار الوعى فى المجتمع وتوافر الشروط البيئية والصحية التى تحافظ على سلامة المواطنين واستقرار حالتهم الصحية.
 ورغم الأهمية البالغة للصحة إلا أن حالة القطاع والمرضى لا تسر عدواً ولا حبيباً، حيث تؤكد الوقائع والشواهد تدنى مستوى الرعاية الصحية بالمستشفيات، ووجود نقص فى الأدوية، ونقص فى التمريض، وعدم توافر الاعتمادات المالية الكافية للمستشفيات الحكومية، إلى جانب الإهمال الشديد للمرضى، حتى رفع البعض شعار المستشفيات الحكومية «الداخل مفقود.. والخارج مولود»، فالمرضى على أرصفة المستشفيات.. وقوائم الانتظار بالآلاف.. والدواء يتم شراؤه من الصيدليات الخارجية.
لقد طالت الفوضى أضلاع المثلث الثلاثة فى الرعاية الصحية “الإدارة والأطباء والتمريض”، فالمعاملة صارت غير آدمية للمواطنين فى المستشفيات الحكومية سواء من قبل الأطباء أو جهاز التمريض أو حتى الإداريين، عكس ما يحدث فى الدول الأجنبية، حيث تتوافر الرعاية الصحية الآمنة والسريعة والفورية فى كل المستشفيات الحكومية والخاصة.
وأطلقت وزارة الصحة تصريحات مؤخراً عن استنفار كافة الجهود الطبية،  داعية المواطنين إلى الذهاب فوراً إلى المستشفيات الخاصة بالحميات.. إذا شعر أى مواطن بأعراض مرضية مفاجئة، للكشف عليه وتلقى العلاج اللازم.
«النهار» قامت بجولة فى المستشفيات على أثر شكاوى ارتفاع الإصابة بضربات الشمس ووفاة العشرات خلال الأيام الماضية، وقد اتضح أن التصريحات الحكومية مجرد كلام وفرقعة إعلامية وإهدار للمال العام، حيث الكذب والخداع والزيف كان العنوان العريض للتصدى لأى مشكلة، لنجد أنفسنا أمام مسئولين يتبعون نفس طريقة تفكير وزراء ما قبل حكومة يناير.
وشملت جولتنا مستشفيات حميات إمبابة والتحرير العام بإمبابة ومستشفى الساحل التعليمى وشبرا العام بشبرا الخيمة، وفوجئنا بالإهمال يسكن جنبات وطرق المستشفيات، حيث تنتشر القمامة والركام.. وأصبحت مأوى للقطط والحشرات والفئران، مما يجعلها بيئة خصبة لتكاثر الأوبئة، ويهدد سلامة المترددين عليها، كما رصدنا معاناة المرضى الذين ينتظرون العلاج على أرصفة الشوارع، وما يحدث لهم من حيرة فى البحث عن العلاج.
وخلال جولتنا بمستشفى حميات إمبابة لاحظنا غياب التواجد الأمنى للباب الرئيسى بالمستشفى، كما وجدنا حالة من القلق والتوتر تسيطر على جو المستشفى وعلى شباك تذاكر العيادات الخارجية وتبدو الصورة مختلفة، ففى مبنى الاستقبال والعيادات الخارجية لا تتوافر مقاعد الاستراحة بكثرة، ويتم دخول وخروج المرضى بانتظام بفضل تواجد الأمن على أبواب الكشف بالعيادات والملاحظة الرئيسية التى رصدناها هى عدم توافر العلاج الكامل للمريض، فصيدلية المستشفى توجد بها المسكنات والمضادات الحيوية وأدوية الكحة فقط، وهذا يعنى أن المواطن يتحمل عبء مصاريف شراء العلاج من خارج المستشفى، كما لاحظنا الحالة السيئة لدورة المياه الحريمى.. فالمنظر سيئ للغاية، وبخلاف مساحتها الصغيرة لاحظنا عدم توافر الإضاءة وباب الدورة متهالك وحوض الغسيل ملىء بالقاذورات وبعض الفضلات على أرضية دورة المياه، ناهيك عن الروائح الكريهة المنتشرة فى كل مكان، ولا توجد بها الأدوات المطهرة، مما يهدد بالإصابة بالأمراض.
زحام شديد
وفى مستشفى التحرير العام بإمبابة لاحظنا الزحام الشديد على شباك تذاكر الكشف للعيادات الخارجية، وعندما توجهنا إلى مبنى الاستقبال وحجرة الكشف، وجدنا الزحام وصل إلى ذروته، وامتلأت الطرقات بالمرضى، الذين ينتظرون دورهم فى الكشف.. فالمشهد داخل حجرة الاستقبال أشبه إلى حد كبير بما يحدث فى طابور الخبز، والملاحظ عدم وجود استعدادات تمنع انتقال العدوى فى المكان، كما وجدنا المرضى يفترشون الأرض والطرقات والأماكن المواجهة للاستقبال، ومن لم يجد له مكاناً افترش الأرض بانتظار دوره فى طابور طويل وسط مخاوف من الإصابة بالأمراض المعدية، وعندما ظهر الطبيب داخل حجرة الكشف زادت حالة الفوضى بين المرضى، نتيجة لاختلاف الدور فى طابور الكشف، ومع ازدياد غضب المرضى تعالت أصواتهم وارتفع أيضاً صوت الممرضة على أبواب حجرة الكشف.. وطلبت منهم الجلوس لحين النداء عليهم، فاتجه بعض المرضى للبحث عن مقعد، والبعض الآخر لم يجد مقعداً للجلوس عليه فظل واقفاً، وبعد فترة قامت الممرضة بفتح باب الدخول للكشف وكان الكشف الطبى يتم بالجملة بواقع 4 مرضى دفعة واحدة، ولم يكن داخل العيادة سوى الطبيبة والممرضة.
الاحتياطات الصحية
وقد لاحظنا داخل حجرة الكشف عدم اتخاذ الاحتياطات الصحية للحد من انتقال الأمراض المختلفة والخطيرة بين المرضى، بالإضافة للأسلوب غير الآدمى الذى تتعامل به الممرضات معهم، إلى جانب عدم توافر العلاج الكامل، وغير ذلك من الفوضى والعشوائية فى دورات المياه الخاصة بالسيدات وعدم تواجد عاملات النظافة بها، وعدم توافر الأدوات والمنظفات المطهرة لدورات المياه للتخلص من الرائحة الكريهة، إلى جانب أبوابها المتهالكة، وعدم توافر الإضاءة بها.
واستمعنا لصرخات العديد من المرضى المترددين على المستشفى.
 عم محمود إسماعيل، «نقاش»، التقيناه ساعة قدومه للكشف بمستشفى التحرير العام بإمبابة، وأكد أن أغلب الأدوية التى يشخصها الأطباء لحالته يضطر لشرائها من الخارج، وهذا يفوق طاقته، كما أن التحاليل تتم فى المستشفى بمقابل مادى كبير.
ويقول عم «إسماعيل» بأسى شديد: «هنجيب منين، والحياة مرتفعة الثمن، حتى الرعاية الصحية مش هتوفرها لنا الدولة.. دى حاجة لا ينفع السكوت عليها».
حالة استياء
وبمرورنا بمستشفى الساحل التعليمى بشبرا الخيمة، وجدنا حالة استياء شديدة للمرضى من الأطباء والممرضين بالمستشفى، بسبب سوء المعاملة، كما وجدنا الإهمال والعشوائية والزحام فى الطرقات ومبنى الاستقبال والعيادات الخارجية، وبمرورنا داخل المستشفى وجدنا صيدليتين واحدة منهما تقدم نصف العلاج فقط من مسكنات ومضادات حيوية وأدوية كحة، والصيدلية الثانية تتيح للمريض العلاج بنفس ثمن الأدوية بالصيدليات الموجودة خارج المستشفى، كما لاحظنا وجود غرفة للكشف عند ظهور أى أمراض جديدة، وعند مرورى من أمامها لم أجد أحدا يطرق بابها، ومع التحدث مع أحد العاملين بالمستشفى ذكر لنا أنه عندما نجد حالات مصابة بالبرد أو حرارتها مرتفعة أو ظهور أى أعراض أخرى تحجز لدينا يتم إجراء التحاليل اللازمة لها، ولكن نتائج التحاليل لم تظهر بعد. أما دورات المياه بهذا المستشفى فحالها لا يختلف كثيراً عن مثيلاتها.
أما المرضى المحتجزون بالمستشفى فحالهم سيئ للغاية وأسرّتهم ليست مجهزة لاستقبالهم، ولكن بشكل عام لا تتوافر الخدمات والرعاية الصحية والعلاجية الملائمة للمرضى.
تضييق الخناق
عيد عطا الله، «موظف»، أكد أن وزارة الصحة تزيد من معاناة المواطنين باستمرار وتضيق عليهم الخناق.. متسائلاً: كيف أستطيع أن أنفق على أبنائى الخمسة وأبى المريض وأوفر له أيضاً الرعاية الصحية والعلاجية على حسابى الخاص، وأنا موظف بسيط لا يزيد دخلى على 700 جنيه شهرياً؟!
سعيد ممدوح، «نجار»، قال إن قرار رفع تذكرة زيارة المستشفيات إلى ثلاثة جنيهات غير مبرر.. فالخدمة كما هى ولم تتغير والزائر لها لا يجد كرسياً يجلس عليه أثناء الزيارة، مشيراً إلى أن سعر التذكرة ظل حتى شهور قريبة لها يتجاوز جنيهاً واحداً، ثم رفعته المستشفيات إلى جنيهين و3 جنيهات، ثم 4 جنيهات، ومين عارف هيوصل لكام.
سوء المعاملة
أما مستشفى شبرا العام بشبرا الخيمة فأوضاعه الصحية لا تختلف كثيراً عن سابقه، بل تفوق عليه فى الإهمال والفوضى والتقصير وتصل الاتهامات إلى الأطباء والممرضين وجميع العاملين بالمستشفى، ويظهر ذلك من سوء المعاملة للمرضى وعدم تقديم الخدمة والرعاية الصحية الكافية للمريض الزائر أو المقيم داخل المستشفى، إلى جانب تواجد القطط والكلاب ترعى فى المستشفى.
فهناك زحام شديد من المرضى أمام حجز تذاكر الكشف بالعيادات الخارجية وفى الطرقات، إلى جانب ذلك لاحظنا وجود الشروخ والتصدعات على جدران المبانى بالمستشفى، وفى دورات المياه، مما يهدد بكارثة حقيقية لمستخدميها، أما السرائر فهى ملقاة ومهمشة فى الطرقات، بعيداً عن الاستخدام الفعلى لها، إلى جانب غياب النظافة بالمستشفى، كما امتلأت الحمامات وأحواض الغسيل بالقاذورات، والأرضيات مليئة بالفضلات، فى ظل غياب النظافة والأدوات المطهرة بدورات المياه وعدم وجود عمال النظافة. وذكر أحد عمال الإسعاف بالمستشفى– رفض ذكر اسمه: حينما نتحرك بسيارة الإسعاف نحتاج لمجهود كبير حتى يتم التصريح لنا، وقتها يكون المريض قد توفى، والسيارة ليست بها أى تجهيزات طبية، وكل خدماتنا التى نستطيع أن نقدمها هى نقله بدلاً من نقلة بتاكسى أو سيارة خاصة. واقتربنا من أحد المرضى بمستشفى شبرا العام ويدعى عويضة محمد، سائق، وأخبرنى أنه جاء إلى المستشفى بعد أن ظهرت عليه أعراض برد وسخونة مستمرة، للكشف الطبى وتلقى العلاج، ورغم أنه جاء فى التاسعة صباحاً إلا أنه حتى الثانية ظهراً لم يستطع الكشف، بسبب الزحام وحالة اللامبالاة داخل المستشفى.
وأكدت مديحة عمر، «ربة منزل»، الرأى السابق، مضيفة أن المستشفى لا يقوم بتوفير الخدمات والرعاية الصحية الملائمة.. وعندما سألت الممرضة عن موعد دخولها لحجز الكشف طلبت منها الممرضة السكوت والجلوس مع باقى المرضى.
وذكرت أنها فضلت الخروج من المستشفى وأن «تنفد بجلدها» هرباً من التعرض للإصابة بالأوبئة التى تنتظر أى مريض عند بوابة المستشفى الرئيسى.
وأضاف الحاج على محمود، « نجار»: تعرضت لإساءة من جانب الأمن بالمستشفى.. فقد احتدوا علىّ فى الحديث ودفعونى بشدة، لأننى طلبت زيارة ابنى.. وأنا مصاب بالغضروف.. ولا أستطيع الانتظار كثيراً.
وأشار عبدالسميع، «محام»، إلى أن الأوضاع الصحية العامة فى مصر من أسوأ ما يكون.. فبعض الأطفال يظلون فى الحضانات لأسابيع، وهو ما يعنى أن أسرهم سيدفعون مبالغ طائلة، إلى جانب سوء الخدمات والرعاية الصحية التى تقدمها جميع المستشفيات الحكومية منها مستشفى شبرا العام بشبرا الخيمة.