النهار
جريدة النهار المصرية

تقارير ومتابعات

دراسة بحثية تكشف : قناة السويس الجديدة مدخل مصر للمستقبل

-

لم يؤثر عمل إنساني مادي على علاقات الأمم بالقدر الذي فعله شق قناة السويس، إذ من الصعب أن نتصوَّر إنجازًا آخر في حدود القدرة البشرية يمكن أن يغيّر أوضاع الطبيعة أكثر منها، فبعملية «جراحية» جغرافية بسيطة، تمَّ اختزال قارة بأكملها هي إفريقيا. القناة أعادت وضع مصر، والمشرق العربي في قلب الدنيا وجعلتها بؤرة الخريطة العالمية.
بهذه الجمل البسيطة “ للبروفسور هالفورد هوسكينز” المؤرخ الأمريكي
بدأ الباحث “هيثم البشلاوي” دراسته القيمة عن القناة وما ستحققه عبر السنوات القادمة وما ستقدمه من خير لمصر ..
واستكمل الباحث دراسته ليتحدث عن القناة في التاريخ العسكري
فبعد احتلال بريطانيا لمصر عام 1882م . تحركت الدولة العثمانية لتسترد مصر والقناة بعد الإدراك المتأخر لقيمة القناة الاستراتيجية.
فدفع العثمانيون بالتعاون مع الألمان بحملة عسكرية تستهدف السيطرة على مصر من خلال طريق الشرق المعتاد (سيناء ) وبالفعل انطلقت الحملة عام 1916م لتكون أول تحرك عسكري على أرض سيناء بعد شق القناة لتقف القناة مانعا وخندقا منيعا للاختراق ، ثم تعود القناة لتكون هدفا استراتيجيا للصراع بين المحور والحلفاء في الحرب العالمية الثانية لتحاول المانيا الوصول للقناة وبهذا تكون قد فصلت بين بريطانيا ومستعمراتها في الهند الا انها فشلت بعد هزيمتها في العلمين.
وظلت بريطانيا باسطة سيادتها العسكرية على القناة وحاولت عزلها عن القاهرة . واستمرت القناة ساكنة حتى أعلنت مصر تأميم القناة في 1956م فشنت كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل العدوان الثلاثي على مصر في 29 أكتوبر من نفس العام. ثم تعود أهمية القناة الاستراتيجية كمانع مائي لتوظفه إسرائيل في عدوان 1967م وتستطيع احتلال شبه جزيرة سيناء وتصل بقواتها إلى الضفة الشرقية لقناة السويس وحاولت إسرائيل استثمار هذا الفوز العسكري لخلق حقوق لها في قناة السويس من خلال الادعاء أن الحد الفاصل بين مصر وإسرائيل يجب أن يمر في منتصف المجرى المائي للقناة وبررت إسرائيل مطلبها هذا قائلة إن شبه جزيرة سيناء أرض غير مصرية وأن مصر حازت عليها بشكل غير قانوني عام 1906م. وقد رفضت مصر هذه المزاعم وهدد الرئيس عبد الناصر بإغلاق القناة نهائياً‏. ثم دخلت القناة مرحلة حرب الاستنزاف لتكون المانع الاقوى بين اصحاب الحق وحقه ثم كان العبور العبقري لقواتنا في أكتوبر 1973 الذى كان مستحيلا بالنسبة لجغرافيا القناة المنيعة وجغرافيا الموانع الهندسية للعدو على الضفة الشرقية ليتحقق بهذا الانتشار والتمركز لقواتنا على طول ضفة القناة وقد كان  أول عبور بري لقوات من الغرب الى الشرق . ورغم أن العدو وظف الثغرة الميدانية بين القوات المصرية لعبور القناة بشكل مضاد من الدفرسوار نحو السويس إلا أن محاولته كانت مستهلكة ومحاصرة واستمر الوضع حتى جاء فض الاشتباك الأول عام 1974م والذى بموجبه انسحبت إسرائيل من غرب القناة إلى خط المضايق( خط الدفاع الثاني للعدو عن سيناء(.
بعد هذا دخلت مصر وإسرائيل المفاوضات برعاية أمريكية وكان لإعادة فتح قناة السويس أمام الملاحة الدولية أولوية قصوى بالنسبة للغرب وظهر ذلك خلال السنوات التي سبقت التوقيع على اتفاقية السلام في 1979م. ويؤكد ذلك ما يقوله رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إسحاق رابين. “لقد حدد الموقف الأمريكي النهائي حيال نزاع الشرق الأوسط في بداية اللقاء الذي تم بين نيكسون وجولدا مائير في 1971م وخلال محادثاتنا اتفقنا على شروط الحوار بين مصر وإسرائيل وإجراءاته برعاية الولايات المتحدة بهدف التقدم نحو التسوية المؤقتة لفتح قناة السويس وإعادة الحياة الطبيعية إلى منطقة قناة السويس...
وربما يكون هذا سببا كافيا لندرك أن القناة أولوية للغرب كما هي اسرائيل. وأنه لا يفصل بين أمن اسرائيل وبين تأمين تجارته عبر القناة وتلك هي ازدواجية الدور الغربي الذى ظهر لنا خلال جولات السلام .
وينتقل الباحث الى مراحل تطوير قناة السويس على مر السنوات الماضية فيقول:

مراحل تطوير قناة السويس

بلغ عمق القناة وقت افتتاحها حوالى 8 أمتار وكان أكبر حمولة لسفينة يمكن أن تعبر القناة 5000 طن وكان ذلك يتناسب مع حمولات السفن في ذلك الوقت. ومع استمرار تطور صناعة السفن وبناء سفن أكبر في الحجم والحمولة، تم تطوير قناة السويس حتى وصل غاطس السفن إلى 35 قدما قبل تأميم القناة في 26 يوليو 1956. واهتمت الإدارة المصرية بالاستمرار في تطوير القناة وتم ذلك على عدة مراحل وتم تعميق الغاطس إلى 38 قدما . لتعلن إدارة القناة بعد 10 سنوات في يونيو 1966 عن خطة طموحة لتطوير القناة على مرحلتين لتصل بالغاطس إلى 48 ثم 58 قدما على التوالي. بدأ هذا البرنامج ثم توقف نتيجة للحرب التي نشبت في 5 يونيو 1967 حيث توقفت الملاحة في القناة. وأعيد فتح القناة للملاحة الدولية في يونيو 1975 بعد تطهيرها من مخلفات الحروب ورفع السفن الغارقة بين حربي 1967 و 1973 ولتظل القناة بنفس العمق والقطاع المائي لها قبل الإغلاق.
واستمرت الإدارة المصرية بعد ذلك في مشروعات التطوير حتى بلغت حمولة السفينة المسموح بعبورها 210 آلاف طن بكامل حمولتها، ليصل غاطس القناة إلى 62 قدما. كما تم حفر تفريعة جديدة تبدأ من الكيلو 17 جنوب بورسعيد ويمتد شمالا حتى البحر الأبيض المتوسط شرق مدينة بورفؤاد لتسمح للسفن المتجهة شمالا للوصول إلى البحر المتوسط بدون الدخول إلى ميناء بورسعيد. واستمر التطوير حتى وصل غاطس السفن المسموح لها عبور القناة إلى 66 قدما في عام 2010.
وكانت القناة في أغلب مسارها ممرا يسمح بالمرور في اتجاه واحد، غير أن بالقناة أربع مناطق مزدوجة بها ستة تفريعات تسمح بالملاحة في اتجاهين ومن المعلوم أنه كلما ازداد طول الأجزاء المزدوجة من القناة كلما قل زمن عبور السفن وكذلك زاد عدد السفن التي يمكن عبورها.
وانتقل الباحث الى القناة الجديدة فقال إنه ‏ في 5 أغسطس 2014 تم تدشين مشروع حفر قناة موازية للممر الملاحي الحالي بطول (72 كم) منقسمة من الكيلو متر 60 إلى الكيلو متر 90 بطول 35 كم مضاف إليها توسيع وتعميق تفريعات البحيرات المرة وتفريعة البلاح بطول 37 كم .
و تعد القناة الجديدة ازدواجا طوليا مكملا للتفريعات القائمة لتشكل مجتمعة ازدواجا متصلا على جسم القناة بطول (80.5كم) وذلك من خلال ربط القناة الجديدة بتفريعة البلاح (8.9 كم) لتتمكن السفن والناقلات من عبور القناة في كلا الاتجاهين في ذات الوقت. وتلافي مشكلة الانتظار الطويل للقوافل بمنطقة البحيرات المرة والذي كان يصل إلى11 ساعة. ويستهدف المشروع تخفيض زمن رحلة عبور القناة بشكل عام، كما أن المشروع سيسمح للسفن العملاقة بغاطس 65 قدما بالمرور. والمتوقع أن يحقق المشروع زيادة دخلها بنسبة 259% بتكلفة تصل إلى 4 مليارات دولار. وتمت جدولة المشروع زمنياً علي أن يتم خلال عام واحد لينتهي في 6 أغسطس2015 وعلى هذا يتضح أنه كما كانت القناة القديمة نقطة التفات للتاريخ بعين المستقبل فالقناة الجديدة نقطة التفات عند مستقبل الصراع بعين التاريخ.

ميزة تنافسية للقناة الجديدة

وعن الميزة التنافسية للقناة القديمة، والميزة المضافة للقناة الجديدة يحدثنا الباحث فيقول: تعتبر قناة السويس أقصر طريق يربط بين الشرق والغرب ويصبغ عليها هذا الموقع الفريد طابعا من الأهمية الخاصة للعالم ولمصر كذلك.
وتتعاظم أهمية القناة بقدر تطور وتنامي النقل البحري والتجارة العالمية؛ حيث يعد النقل البحري أرخص وسائل النقل ولذلك يتم نقل ما يزيد عن 80% من حجم التجارة العالمية بواسطته..
ومن هنا تأتي الأهمية الاقتصادية للقناة لما توفره من الوقت والمسافة وبالتالي توفر في تكاليف تشغيل السفن العابرة. إضافة إلى الميزة النسبية للقناة كونها أطول قناة ملاحية في العالم بدون أهوسة بعكس قناة بنما التي تمر علي 12 هويسا لرفع السفن لمستوى الارض المرتفعة علي طول المجري، وكذلك انخفاض نسبة الحوادث فيها، والتي  تكاد تكون معدومة بمقارنة بالقنوات الأخرى، بالإضافة إلى ذلك تتم حركة الملاحة فيها ليلاً ونهاراً (وهو ما تم توظيفه فى شق القناة الجديدة)، كما أنها مهيأة لعمليات التوسيع والتعميق كلما لزم الأمر لمجابهة ما يحدث من تطوير في أحجام وحمولات السفن، مزودة بنظام إدارة حركة السفن  (VTMS) وهو نظام يقوم على استخدام أحدث شبكات الرادار والكمبيوتر، ليكشف ويتابع حركة السفن على طول القناة، ويتيح بذلك إمكانية التدخل في أوقات الطوارئ تستوعب القناة عبور السفن بحمولة مخففة، لحاملات النفط الخام الكبيرة جداً (ULCCs) (VLCCs)
يمكن أن تمر عبر القناة كل السفن الفارغة مهما كانت حمولتها
أما القناة الجديدة فمن المستهدف لها أن تحقق ميزة تنافسية مضافة تتمثل في
زيادة القدرة الاستيعابية للقناة لتكون 97 سفينة قياسية عام 2023 بدلا من 49 سفينة عام 2014، وتحقيق العبور المباشر دون توقف لعدد 45 سفينة في كلا الاتجاهين مع إمكانية السماح لعبور السفن حتى غاطس 66 قدما في جميع أجزاء القناة، وزيادة فرص العمل لأبناء مدن القناة و سيناء والمحافظات المجاورة مع خلق مجتمعات عمرانية جديدة.

القناة الجديدة ..مدخل للتنمية

وينتقل الباحث الى نقطة جديدة فى دراسته ليحدد ملامح  القناة الجديدة. بين التنمية والأمن القومي فيقول: إن الثابت من وقائع التاريخ أن القناة كانت اختراعا عالميا في زمن كان مترعا بالتحديات المنشطة لقوي الابتكارات التي بدورها تتحدي هذه التحديات . وقد حاول العالم بشتي الطرق الاستفادة من القناة لمواكبة رأسمالية الاقتصادية لاسيما التجارية وعلي نحو خاص المحمول منها بحرا . ففي كل المخططات الكبرى للتجارة الدولية المنقولة بحرا كانت قناة السويس حاضرة بوزنها الاستراتيجي وتأثيرها الاقتصادي .ولذلك لا يمكن إغفال قيمتهما الاقتصادية باعتبارهما مكونا فعالا في حسابات القيم المضافة للسلع .وبقدر معدلات النقد الأجنبي القادم للدخل القومي من القناة الحالية أو المتوقع للقناة الجديدة بقدر ما يجب توظيف جسد القناة نفسة لتكون مدخلاً لتنمية دافعية تربط الاقتصاد الوطني بالأمن القومي. وقد سبق وحدث بشكل تلقائي للقناة عندما كانت سبب لامتداد المعمور غرب مجراها لتشكل بالزمن كثافة سكانية لا تنقطع لا تتمثل في مدنها الثلاث الشهيرة، بورسعيد، الإسماعيلية، السويس، بل خلقت خطا سكانيا عريضا يعمره الآن ملايين المصريين بالبيوت والمزارع والمدارس والمصانع والحقول
فبهذا فقط تكون القناة الجديدة أصبحت مدخل للتنمية الدفاعية على طول المجري الملاحي وظهير سكاني قوي يلعب دور مدن القناة قديماً حال الصراع ولكن تلك المرة غرب القناة لا شرقها. ولسنا هنا نحاول معارضة المشروع اقتصاديا ولا حتي استراتيجيا بقدر كوننا نحاول لفت النظر لضرورة صراع قادم لا محالة.

القناة في الفكر العسكري

بداية يجب إدراك أن سيناء بشكل أو بآخر تنتمى للقناة لا العكس فهي حاجز جغرافي عند عبوره شرقا يجبرها لخضوع امتدادها أمامه حيث المضايق ..فإذا عبرناها من الشرق كان امتداد مضايق ومحاور سيناء على ضفاف القناة الشرقية يخضع لجغرافيا القناة. أي أن سيناء هي من تخضع للقناة عند عبورها شرقا .. والأرجح أن القناة تحارب معنا إذا كنا نتحرك هجوماً منها وليس عبرها وتحارب ضدنا إذا انسحبنا للتحصن خلفها . فالوصل إليها من الشرق هو استراتيجية تحسم أمر سيناء بأكملها .والعبور منها للشرق يكون مصيدة طولية وخاصة عند الدفاع لا الهجوم. أما عند وضعها كظهير للدفاع تكون خط إمداد مثالي يصعب قطعة بشكل طولي ويسهل تغطيته وتأمينه بشكل فعال كما سبق وحدث بحائط الصواريخ
واشار البشلاوى فى دراستة انه برغم عظمة مشروع قناة السويس الجديدة إلا أننا يجب أن ندرك أنه بقدر عظمة المشروع بقدر ما يجب توظيفه بالضرورة كمدخل لتنمية سيناء .فهو وعلى الرغم من عائدة الاقتصادي الا انه يشكل في جغرافية مانع مائي مزدوج يقف علي وسط القناة بين الشرق والغرب ..ولا ينبغي أن يكون هذا المشروع عامل عزلة مضاف لعزلة سيناء الجغرافية ..بل ويجب إدراك أن هذا التحول في إدارة الجغرافيا سينعكس بطبيعة الحال على ما بعد حفر القناة وما بعد تنمية اقليم القناة اقتصاديا ..فما هو أبعد من الهدف الاقتصادي هو البعد الاستراتيجي لقوة القناة ..بمعنى اعتباره مدخل قوي للتنمية كما ذكرنا . وإلا سيكون مانع استراتيجي يحول بيننا وبين العبور وقت الضرورة. وإذا كان كذلك فما هو الحل؟
.فبوضع القناة القديم كان عبورها للنصر متاح رغم ادعاء العدو استحالة عبورها أما الأن فلا ابالغ عندما أقول أن الجاهزية والتعبئة القتالية لا تستطيع التمكن من العبور الى الضفة الشرقية للقناتين والتمركز على دوائر الدفاع بسيناء وخاصة وأن عدونا بارع في استخدام القوة الجوية في ضرب خطوط التعبئة الخلفية.