النهار
جريدة النهار المصرية

تقارير ومتابعات

غياب الانضباط بالجهاز الإداري بالدولة

-

رغم كل المهام والأعباء الثقيلة على كاهل الحكومة والتي تحتاج لتفرغ كامل للعمل عليها، غير أن ظاهرة الإهمال والتراخي فى الأداء منتشرة في معظم الأحياء ومؤسسات الدولة سواء بالقاهرة أو على مستوى المحافظات، وذلك كماء جاء فى تحقيق موسع لجريدة "الأهرام" اليوم الأحد.

وتتضح معالمه للكافة مما اضطر رئيس الوزراء لترك كل تلك المهام والقيام بزيارات مفاجئة على مدى أيام متتالية للمستشفيات والأحياء للوقوف على حجم السلبيات فيها ومعاقبة القائمين على تلك الأماكن، وهو الأمر الذي طرح تساؤلات عدة: هل لدى رئيس الوزراء الوقت والجهد لزيارة كل مؤسسات الدولة وإحيائها للوقوف على مدى جودة الأداء وتقديم الخدمات للمواطنين، وهل العقاب بالنقل للمسئول القائم على العمل بالمكان المخالف هو الحل الأمثل، ومن خلال رأى قانونيين وخبراء علم النفس حاولنا الإجابة.

عن تلك المحاور للوصول لنقطة مضيئة وآلية عمل تضبط الأداء وتضمن جودته.

فى البداية يقول الدكتور يحيى الرخاوى أستاذ الطب النفسي إن الإشكالية أن مثل هذا الموقف يوحى عن طريق الإعلام بأن وجود قمامة في حي ما ، هو الاستثناء مع أنني أتصور أن المسح الأمين لحالة النظافة فى العاصمة وغيرها قد يصل إلى أن وجود حي خال من القمامة هو الاستثناء!، وأنا كمواطن متابع لرئيس الوزراء أقدم شكري على جهده المتنوع المنتشر في كل موقع وكل مجال، وأتمنى أن يعينه الإعلام فى مهمته الممتدة.

ويضيف قائلا: لقد بلغت بى السخرية أنى تصورت أنه يمكن أن يحال رئيس حي للتحقيق لأنه تبين أن الحى الذى يرأسه خال من القمامة! وقد يُسأل فى التحقيق: إذا كان الحى بهذه النظافة، فأين أخفيتَ سيادتكم القمامة، ثم يجرى البحث عن «المقلب السري» للقمامة فى هذا الحى الشاذ في العاصمة وغيرها.

أما عن العقاب الذى اتخذه رئيس الوزراء فينبغي أن نحترمه من حيث المبدأ، وفى الوقت نفسه نراجعه، لأنه لا عقاب - مهما يكن الخطأ- إلا بعد مساءلة وتحقيق، ولابد أن نتذكر وظيفة العقاب، وأنه ليس فقط مجازاة المخطئ لكن للعقاب وظيفة أخلاقية واجتماعية يقول عنها علم العقاب إنها «الردع الخاص» و«الردع العام»، أما الخاص فهو أن يؤدى العقاب إلى عدم عودة المخالف أو المخطئ إلى تكرار الخطأ، أما الردع العام فهو أن يتعظ غيره وينتبه فلا يخطئ مثله، ونحن لم نتابع التحقيق، ولا عرفنا كيف تم تحديد المخطئ، ولا بلغنا دفاع المتهم بالتقصير، وكل هذا يجعل مثل هذا العقاب مهما بدا حازماً وحاسماً يهز معنى القانون الممكن تطبيقه على الجميع بنفس المقاييس .

وعن مدى استيعاب هؤلاء المسئولين لخطورة الظرف الذى تمر به البلاد، لكى يتعاملوا بهذا التجاهل واللامبالاة خاصة مع جهد الرئيس السيسى للعمل والبناء، يؤكد الرخاوى : ليس فقط هؤلاء المسئولون الذين لا يستوعبون الظروف التي تمر بها البلاد، بل كل شخص لا يؤدى عمله بإتقان ولا يرعى الله فى وقته وفى حقوق غيره ودينه، ونحو بلده، هو لا يستوعب خطورة المرحلة التى نعيشها.

وعن أسباب الأداء الضعيف وهل هو نتيجة لعدم الشعور بالانتماء ولعدم الخوف من المساءلة يقول الرخاوى : الشعور بعدم الانتماء لا يؤدى فقط إلى الأداء الضعيف لمن يتولى موقعا مسئولاً، وإنما هو رذيلة ونقص قد تصل إلى درجة الخيانة عند كل فرد ينكر فضل وطنه عليه أو يتنكر له، أنا موافق أنه لو كان فى تصرف المسئول ما يبلغ عامة الناس بفرط انتمائه ومدى أمانته وإتقانه إذن لأمكن أن ننقل هذا الموقف إن عاجلا أو آجلا لسائر الناس من خلال تحريك الخجل، ومحاسبة النفس وإتباع القدوة الحسنة.أما عن الخوف من المساءلة فالمفروض أن يكون دافعا لحسن الأداء وليس مبررا للأداء الضعيف.

وعن تصريح رئيس الحى المنقول الذى أبدى فيه عدم انزعاجه أو غضبه من قرار النقل من الحى لأنه سيعمل فى حى آخر يقول الرخاوى بصراحة هو تصريح غريب لو كان هذا هو نصه تماما، خاصة بعد أن تردد الحدث، وما ترتب عليه، فى وسائل الإعلام العامة والخاصة، فإن صحّ أنه صّرح بذلك حرفيا فهو قد يشير إلى درجة من اللامبالاة التى لا أريد أن أتهم بها رئيس الحى مباشرة، لا أظن أن مجرد النقل هو عقاب مادى مناسب، لأن المهم ما يحمله من معنى التهوين الأدبي الواضح، أما أن يقابله رئيس الحى بهذا الموقف فإما أنه يشعر أنه مظلوم، وبالتالى هو راض عن أدائه فى حدود إمكانياته بغض النظر عن العقاب، وإما أنه يشعر أن فى هذا العقاب جرعة من المبالغة والمظهرة، فهو يقابلها بالتهوين والتحدي.

ثم إن تعبير أنه سوف يعمل فى حى آخر غير مفهوم، أو غير كاف، فهل هو يعنى أنه سوف يعين رئيس حى آخر، فماذا فعلنا إذن؟ وإما أنه سيقوم بعمل أدنى من ذلك، وهل هو يعنى أنه سوف يقدم فى الحى الآخر ووظيفته الجديدة ما عجز عنه فى مركزه السابق ؟ أم ماذا ؟!.

سألته: ماهو الحافز الذى يعيد للمصريين عموما وللمسئولين الهمة للعمل والبعد عن الاستهتار؟.

يؤكد الرخاوى : هناك حوافز كثيرة لتحقيق هذا القصد نستبعد منها ابتداء مجرد النصح والإرشاد، أو التوعية بالألفاظ فهناك القدوة وهو حافز تربوى مهم، وهناك الوازع الدينى الذى يؤكد أن النظافة من الإيمان ويأمر بالإحسان، وهو أن نعبد الله كأننا نراه فإن لم نكن نراه فإنه يرانا، إلى أن يصل إلى الأمر بإزاحة الأذى عن الطريق، وهناك الشعور بالجميل نحو الوطن على كل فرد فيه، والنظام الذى يتحسس طريقه لإرساء قواعد الدولة والإسهام فى بدء المشاركة فى تصحيح مسار الحضارة.

وعن مدى حاجتنا لمنظومة قوانين ملزمة تشمل عقوبات صارمة للمتراخين والمستهترين بعملهم يرى أن منظومة القوانين ضرورية، ولكنها ليست كافية بذاتها حتى لو كان العقاب صارما للمتراخين من المسئولين بالذات، لأن مجرد إصدار القوانين لا يحل المشاكل، وإنما لابد من متابعة تطبيق القانون بشكل عام يحقق العدل ولا يستثنى أحدا، وأن يكون التطبيق علانية حتى تتحقق وظيفة الردع العام من مغزى العقاب،

ويؤكد الرخاوى ضرورة أن ننتبه إلى دور تشكيل منظومة القيم الإيجابية منذ الطفولة قبل وبعد منظومة القوانين، ويضيف إن اختفاء دور المدرسة كمجتمع تربوى وانقلاب التعليم إلى تحفيظ خاص، وشرذمة متباعدة، ثم السماح بالغش العلني والعائلي والرسمي كل هذا يخرب التركيب الأخلاقي للطفل منذ حداثة عمره، ولا يمكن للقوانين وحدها أن تصلح ما أفسده مثل هذا التعليم الذى امتد أثره السلبي إلى اختفاء أغلب القيم الإيمانية والأخلاقية حتى داخل البيت، وذلك باختفاء دور الآباء وضعف تكوين الضمير وغياب العلاقة بالله الحاضر طوال الوقت.

وفى نفس الاتجاه يذكر الدكتور أحمد البحيرى استشاري الطب النفسى : كما قمنا بثورتين نحن فى حاجة لثورة أفكار أيضا، فهناك وظائف يجب أن تتم بالتعيين وأطرها يحكمها الدستور كوظيفة رئيس الوزراء والوزراء والمحافظين، أما وظائف المحليات فالانتخاب سيكون الصورة المثلى لتولى الوظائف بها وملائمة أكثر من التعيين بحيث يكون الشخص الذى يعين بالانتخاب مسئولا أمام جهتين الأولى شعبية والأخرى تنفيذية كما كان يحدث مع عمد القري قديما والذي كان يتولى بالانتخاب من المواطنين بقريته ويحق فى الوقت نفسه للوزير عزله من مهامه فى حال ثبوت خطئه أو إهماله .

ويرى أنه ليس من المنطقي أو الواقعي أن يقوم رئيس الوزراء بنفسه برقابة العمل فى كل أحياء الجمهورية لما لديه من مهام أخرى كبيرة وما قام به يجب أن يعتبر مثلا يحتذى به كل المسئولين ويتم تفعيل آلية منظمة لسير العمل ، فالمسئوليات الصغيرة كرفع القمامة وقطع الكهرباء أو المياه فى إحدى المناطق هى أمور غير متعلقة بسياسة الدولة الكبرى وفى حالة حسن اختيار القائم على إدارتها وفى ظل المراقبة الشعبية لأدائه طوال المدة التى سينتخب عليها سنضمن جودة الأداء، لأن المواطنين سيكونون هم الحكم والفيصل فى الانتخاب الذى يليه فإن أحسن الأداء كرروا انتخابه وإن أهمل وتراخى اختاروا غيره.

من ناحية أخرى أكد الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة أن مشكلة مصر فى الحقيقة تتعلق فى التراخي فى تطبيق القانون على الجميع ، فللأسف اليوم لا يريد أحد أن يطبق القانون ولا يريد مسئول أن ينفذه على الكافة،ولذا ينتشر الفساد والمحسوبية والتى ولدت حالة اللامبالاة،كما أن البيروقراطية أصابت الجهاز الإداري المصري وألقت عليه بالكسل واللامبالاة وعدم المبادرة فى تنفيذ الاختصاصات، ولذا لا نتعجب أن نجد رئيس حى يسير فى الشارع وهو يرى القمامة تملأ الشوارع دون أن يرمش له جفن ويذهب ليجلس فى مكتبه المكيف دون أدنى مشكلة.

وقال إن الزيارات المفاجئة لكبار المسئولين من رئيس الوزراء أو الوزراء والمحافظين أمر بالغ الأهمية لأنها تحدث نوعا من أنواع الصدمة لدى المستويات الإدارية لتبعث برسالة لباقى المسئولين فى الأحياء الأخرى بالمحليات بضرورة الاهتمام بعمله وأدائه على أكمل وجه وإلا فسيكون مصيره كمصير الذى ذهب، فدولاب العمل الإداري فى مصر يحتاج لصدمات كبيرة لكى يتم إنعاشه والتنبيه لضرورة تحسينه ومن تلك الصدمات ما يقوم به رئيس الوزراء وتساعد فى خلخلة الوضع القائم من فساد وإفساد و تتجلى أبشع صوره فى المحليات.

ويرى نصار أن مصر الآن فى حاجة إلى إصلاح إداري ليقضى على الفساد الإدارى المتغلغل لدينا ويلتهم كل ثمار التنمية ويؤدى إلى عدم إحساس المواطن بالرضا ، فكثير من المواطنين لا يعنيهم فى شيء العملية السياسية بقدر ما يهمهم تيسير مصالحهم لدي الدولاب الحكومي بالدولة وهو الأمر غير المتوافر فى العديد من المصالح الحكومية.

ومن الناحية القانونية هذه الزيارات تكون سببا قانونيا لاكتشاف الترهل الإداري والمخالفات الإدارية وتقديم القائمين عليها للمساءلة التأديبية أو الجنائية حسب نوع المخالفة التى يتم رصدها، أما من الناحية القانونية فرئيس الوزراء بماله من سلطة تنفيذية يتخذ الإجراءات القانونية لمحاسبة المخالفين سواء بالمساءلة التأديبية أو القانونية والتى قد تنتهي بإنهاء الخدمة للمخالف.