الدكتور عمار علي حسن :
مشروع أمريكا لضرب الجماعات الدينية بالطرق الصوفية محكوم عليه بالفشل

-
التنشئة السياسية للطرق الصوفية في مصر ، كان هذا هو عنوان الكتاب الذي صدر مؤخرا للدكتور عمار علي حسن الباحث في الاجتماع الديني بمركز الأهرام للدارسات السياسية و الإستراتيجيةوقد حصل هذا الكتاب علي جائزة الشيخ زايد هذا العام وتم تكريم الدكتور عمار في حفل أقيم بنقابة الصحفيينويبدأ الدكتور عمار كتابه مصححا مفهوما قد لازم البعض فترة من الزمن فجاء هذا الكتاب كاشفا و مبينا لخطا الذي زعمه البعض وهو اندثار الطرق الصوفية مستقبلا نظرا لتضافر عدة عوامل منها :- ظهور الجماعات الدينية العاملة علي الساحة و التي دائما ما تنتقد الطرق الصوفية في صلب عقيدتها- أيضا عدم وجود هدف سياسي واضح لهذه الطرق الأمر الذي جعلها لا تهتم بتغير المجتمع- ظاهرة التحديث التي بدأت في الانتشار بشكل واضح في المجتمع المصري الآمر الذي وضح الطرق الصوفية في موقف حرج- إلا أن الحقيقة علي عكس ذلك ، فقد استطاعت أن تضم بين مريديها بعض الفئات الحديثة، وأن تساهم في عملية التحديث الاجتماعي.أيضا أشكال التدين الأخرى لم تؤثر علي نفوذ الطرق الصوفية و السبب في ذلك أن النظام الحاكم كان في مصلحته دائماً أن تكون الصوفية قوة ظاهرة في مواجهة القوى الإسلامية المناوئة له .يعرض الكاتب مفاهيم التنشئة السياسية والتصوف وعلاقة الظاهرة الدينية بالظاهرة السياسية ، ويفرد الباحث فصلا مطولا عن مكونات التنشئة السياسية للمتصوفين المصريين، موزعا إياها على الجوانب الفكرية والتنظيمية التاريخية،أيضا ذكر في الكتاب علاقة المتصوفة بالسلطة السياسية في مصر منذ صلاح الدين الأيوبي وحتى الآن، وعلاقتهم بالجماهير العريضة، والجماعات والتنظيمات الإسلامية الأخرى، وهنا يضعهم في مقارنة مع المسار السياسي للأزهر الشريف .- كما تحدث عن ثقافة الديمقراطية لدى المؤسسات الدينية الدعوية وأوضح شرط إدماج أصحاب الرؤى الإسلامية في حياة سياسية ديمقراطية، والتي يحصرها في ضرورة الإصلاح الديني، وقيام المشروعية على الجماعة، وتوحد مرحلتي الصبر والتمكين، وتديين السياسة لا تسييس الدين، والتماثل لا التمايز، والانتقال من الاستشارة إلى الديمقراطية لاسيما في جانبها الإجرائي، والانتخاب لا البيعة، وتقديم المصلحة القطعية على النص الظني، وعدم حصر الجهاد في بعده الديني، وضرورة الالتفات إلى القوة السلسة، والتخلي عن أوهام الحتميات التاريخية.وينتهي الباحث إلى نتائج منها :- أن التنظيم الصوفي بشقيه الإداري والروحي ينتج قيماً سياسية بعضها إيجابي مثل التسامح والتماسك والتعاون والاستمرارية، وبعضها سلبي لا يشجع على نشوء ثقافة الديمقراطية مثل الخضوع والطاعة العمياء والجمود والإكراه، فيما تعزز كاريزما الشيخ قيمة التسلط . وهذا الشكل التنظيمي الذي اتخذته الطرق الصوفية وإن كان قد أدى إلى خلق قيم سياسية سلبية، فإنه يعتبر العامل الأساسي الذي أدى إلى استمرار وجودها على قيد الحياة كل هذه القرون- أما النتيجة الثانية فهي على رغم من أن الفكر الصوفي الذي يقوم على الزهد والولاية والمحبة، إلا أن الممارسة الحياتية تسير في اتجاه يرفع من شأن القيم السلبية على حساب القيم الإيجابية، حيث يشير تاريخ علاقة المتصوفة بالسلطة السياسية إلى أنهم داهنوها وخضعوا لها أكثر مما عارضوها أو اتخذوا موقفاً حاسماً ضد فسادها وطغيانها.- النتيجة الثالثة وهي أن أساليب التنشئة للطرق الصوفية جميعها واحدة فالمعين الذي ينهل منه الجميع واحد وهو الأوراد والأذكار والطقوس، وهو إن اختلف في شكله العام إلا أن جوهره متطابق،ويؤكد الباحث أن الإصلاح السياسي في العالم العربي يتطلب الالتفات إلى الإصلاح الديني، فطالما استقوت الجماعات والتنظيمات التي تربط الدين بالسلطة السياسية، وتبحث في الدين الإسلامي نفسه عن سلطة تشبه الكهنوت فإن فرص إيجاد ثقافة سياسية ديمقراطية ستصبح غاية في الضعف. ويدعو الباحث إلى إعادة النظر في الطرق الصوفية خارج الاعتقاد والتقديس بمعنى أن الطرق لم تعد شيئاً مقدساً وإنما ظاهرة اجتماعية شعبية حتى ولو أطلق عليها دين الحرافيش أو الدين الشعبي مثلما يحلو للبعض أن يصفها.هذا التقييم لابد أن يقوم على الدراسة المتعمقة والبحث الجاد انطلاقاً من شيئين رئيسيين: الأول هو ارتباط الطرق الصوفية بالمزاج الديني المصري وكون التربة الاجتماعية المصرية مهيأة إلى حد كبير لتقبلها، والثاني هو الانتفاع المادي لأرباب التصوف من أسر المشايخ والقائمين على الأضرحة، وهو الأمر الذي وصل إلى حد ادعاء البعض بوجود مقابر للأولياء في أماكن معينة من أجل استغلال الميل الديني لدى الناس في حثهم على دفع النذور والصدقات.كما يعرج الباحث علاقة أميركا بالطرق الصوفية فيقول أن الإستراتيجية الأميركية الرامية إلى تعزيز التصوف في وجه الجماعات والتنظيمات السياسية ذات الإسناد الإسلامي،محكوم عليها بالفشل وربما يغير الأمريكان وجهة نظرهم، حال قراءة متعمقة لما ينتجه الفكر الصوفي من ثقافة سياسية من ناحية، والاطلاع على تاريخ الطرق الصوفية في آسيا وأفريقيا من جهة ثانية، وربما يمضون في إستراتيجيتهم،لكن الثابت في كل الأحوال أن الصوفية شكلت على مدار التاريخ أحد تجليات الإسلام في أبعاده الدينية والسياسية والاجتماعية، وستظل تزاول هذا التجلي في المستقبل المنظور.