بعد أن أسقط النظام :الشعب يريد صحافة لاتخشى في الحق لومة لائم

-
باتت أوضاع الصحافة ووسائل الاعلام المصرية بعد ثورة 25 يناير مثيرة لتساؤلاتبقدر ماتتوالى ارهاصات الأمل فى مناخ الحرية مع مؤشرات واضحة تؤكد حالة منالارتياح العام فى سياق التغييرات الأخيرة والسعي لتحقيق نقلة نوعية فى الأداءالمهني تعيد لمصر ريادتها الصحفية في المنطقة وتعزز قوتها الناعمة.وفيما تتوالى قصص تنشرها الصحف المصرية عن الأوضاع التي أدت للتراجع المهني فيظل نظام الحكم السابق ويجتر بعض أصحاب الأقلام التي غيبت عن المشهد طويلا ذكرياتمريرة عما حدث من وقائع مثيرة للأسى داخل المؤسسات الصحفية لتفضى لهذا التراجعفان عديدا من الطروحات والمقالات تبشر فى الوقت ذاته بأن ربيع الحرية سيعني تفتحكل الزهور وابداع كل القادرين على الابداع فى الصحافة ووسائل الاعلام المصرية.وعلى مدى سنوات كانت اشارات عديدة تنطلق من أصحاب أقلام في الصحافة العربية منالعارفين بفضائل مصر وفضل صحافتها لتبدي انزعاجا حيال التراجع الواضح فى مستوىالصحافة المصرية بينما كانت قضايا الصحافة والاعلام ككل ظاهرة بوضوح فى مطالبالشعب المصري في غمار ثورة 25 يناير.ومن المثير للتأمل أن الجدل الراهن حول أوضاع الصحافة المصرية يأتي فى سياقحالة عالمية ومناقشات مستفيضة حول التحديات المطروحة امام الصحافة فى القرنالحادى والعشرين بينما يتعرض صحفيون فى بعض الدول والأنظمة للموت دفاعا عن الحقوالحقيقة وبات الصحفى الذى يحرص على التمسك بالقيم المهنية فى ظل غياب الحريةكالقابض على الجمر.وفى سياق الاهتمام الواضح بأوضاع الصحافة ووسائل الاعلام المصرية - شهدتالقاهرة مؤخرا مؤتمرا عقد تحت عنوان :الابداع والاعلام..نظرة عالمية وافاقمصرية وتطرق للتطور الذى طرأ على الصحافة بعد ثورة 25 يناير.ورأت سوزان ماكلير مديرة برنامج تطوير الاعلام الممول من الوكالة الأمريكيةللتنمية الدولية أن مصر بعد الثورة بحاجة لاعلام مختلف وصحفيين مدربين ، بينمايقول المواطن المصرى محمود عاشور الذى لم يدرس الاعلام ولايفقه نظرياته ولم يحصلعلى تعليم جامعى لكنه يتمتع بفطرة تمكنه من النفاذ لجوهر الحقيقة حتى فى فلسفةالصحافة:الشعب يريد صحافة لاتخشى فى الحق لومة لائم.ولأن العلاقة بين الصحافة والسياسة غنية عن البيان فان الصحافة لابد وأن تتأثربقوة بطبيعة النظام القائم فيما بدا أن الصحافة القومية فى مصر التى يفترض حسباطارها النظرى أن تعبر عن المجتمع ككل قد دفعت غاليا ثمن استبداد النظام السياسي.ورغم أن هذا الاطار النظري ينطوي بالفعل على صيغة متقدمة تتيح للصحافة لوخلصت النوايا أن تعبر بصدق عن المجتمع بكل أطيافه بعيدا عن اى سيطرة للمال الخاصاو اجندات غير وطنية لأن المجتمع هو الذي يمتلك حسب هذه الصيغة صحافته القوميةويفوض ممثليه الشرعيين فى الاشراف على تلك الصحف مثلما اوضح ببساطة وعمق الفقيهالقانونى الراحل جمال العطيفى فى كتاب شهير حول تشريعات الصحافة كان يدرسه طلابكلية الاعلام منذ اكثر من ثلاثة عقود.غير أن نظام الحكم الاستبدادى الذى اختزل ارادة الشعب فى شخص الحاكم كان لابدوان يستنسخ ذاته فى المؤسسات الصحفية القومية ، وأن تتحول صحف ذات تاريخ عريقوتقاليد وطنية ثرية الى مجرد أبواق تروج لرغبات ونزوات هذا النظام الذى عمد حتىفى اختيار القيادات الصحفية لممارسة مايسمى بالعناد تكريسا لاحتقار ارادةالجماهير فى كل المواقع واوجه الحياة المصرية.ومن هنا لم يكن من الغريب أن تختفي في الحياة الصحفية المصرية ظاهرة الصحفىالذى يحسب الرئيس حسابه.. ففى الأنظمة الديمقراطية الصحافة يحسب حسابها حقا كماأن هناك دائما ذلك الصحفى الذى يحسب الرئيس حسابه ويهتم بما يكتبه مثل الصحفيمايك الين الذى يعمل فى صحيفة بوليتيكو الأمريكية الالكترونية.تقول الجماعة الصحفية الأمريكية إن اقوى الرجال فى الولايات المتحدة وهؤلاءالذين يشاركون فى عملية صنع القرار يبدأون يومهم بقراءة ماكتبه الصحفى مايك الينفى صحيفة بوليتيكو الالكترونية وهو كمندوب او مخبر صحفى لايكف عن البحث عنالاخبار ويشبهونه بالفلاح الذى يعشق عزق الأرض لتنتج أجود المحاصيل حتى استحقعن جدارة لقب الصحفى الأقوى والأكثر اهمية فى واشنطن.وفيما يعتبر مايك آلين الذى بدأ مسيرته الصحفية فى جريدة واشنطن بوست أن أسوألحظات حياته تلك التى يسمع فيها انه لايوجد حيز او مساحة لنشر ماكتبه - تناولالكاتب والباحث نبيل عبد الفتاح فى جريدة الأهرام وتساءل:هل الساحة الصحفيةالقومية مفتوحة امام جميع الصحفيين والكتاب والخبراء كى يشاركوا بابداء ارائهمفيما يدور حولهم ويؤثر على مسارات حياتهم اليومية بل وعلى مصائرهم الجماعية؟.وفي طرحه بعنوان :سلطة الكتابة والكتابة بالسلطة - طرح نبيل عبد الفتاحسؤالا محوريا:من المسموح له بالكتابة وابداء الرأى فى الشأن العام المصرىوالأزمات والوقائع الكونية والاقليمية المؤثرة على تفاصيل حياتنا فى عالم الغرفةالكونية او الأجهزة المحمولة متعددة الوسائط..هل الحرية تعنى ان كل ماله علاقةبالصحافة يصلح للكتابة المنتظمة وابداء الأراء فى قضايا الحوار العام فى بلادنا؟.واعتبر عبد الفتاح أن غياب الحرية والقيود المفروضة عليها مفتاحا رئيسيا فيالاجابة عن مثل هذه الاسئلة موضحا أن الحضور فى المشهد الكتابى ارتبط بالموافقةاو الموالاة لخطاب السلطة السياسية الحاكمة ومصالحها في اشارة للصحافة القوميةعلى وجه الخصوص.ومن اللقطات المثيرة للاعجاب والمعبرة عن قيم أصيلة للجماعة الصحفيةالأمريكية التى تشجع التنافس وتنبذ التحاقد ان تفرد نيويورك تايمز فى مجلتهاالأسبوعية حيزا كبيرا للحديث عن هذه التجربة الناجحة لصحيفة اليكترونية تهددصحيفة نيويورك تايمز ذاتها وان يكون الصحفى النابغ مايك آلين الذى يعشق كتابةالقصص الاخبارية ذات الطابع التحليلي موضع ثناء وتقدير الجماعة الصحفية بدلا منتلمس وتسقط اى هفوات له ومحاولة تشويه صورته بأى سبيل .وتحتفظ ذاكرة الجماعة الصحفية المصرية بقصص دالة حول شخصيات صحفية خالدة مثلاحسان عبد القدوس وكامل الشناوى بدت مهمومة دوما باكتشاف المواهب فى عالم الصحافةودفعها للأمام ، فيما كان من المثير للأسى ان تتآكل هذه الظاهرة النبيلة بل وانتتحول للنقيض فى ظل نظام الحكم الاستبدادي.واذا كانت قضية الصحافة الالكترونية مطروحة بشدة على اجندة الواقع الصحفىالمصرى فان القضية تبدو عالمية الى حد كبير ومثيرة لكثير من الجدل مثلما هو الحالفى الولايات المتحدة.فبعض الصحف الورقية والعريقة كصحيفتي واشنطن بوست ونيويورك تايمز كانت لهاسطوتها وتأثيرها على الخطاب السياسى الأمريكى حتى العقود الأخيرة من القرنالعشرين غير ان صحيفة الكترونية كصحيفة بوليتيكيو التى اسست عام 2006 تسعى الآنلانتزاع القيادة من هذه الصحف لتكون صاحبة التأثير الأكبر فى سياق مشهد الاعلامالجديد للقرن الحادى والعشرين.لكن يبقى المحتوى او المضمون العامل الحاسم فى مدى نجاح اى صحيفة بصرفالنظر عما اذا كانت مطبوعة او الكترونية وعلى حد قول الخبير الاعلامى تراسى سيفلفان صحفيا مثل مايك آلين لم يحقق كل هذا النجاح الا لأنه يستحق النجاح فهو راوىواشنطن الذى لاينام والمقتحم الذى لايعرف احد اين ستكون ضربته القادمة اما مايكآلين ذاته فيفسر نجاحه بكلمات بسيطة وهى :اننى أحب ماأفعله.وقال الخبير الاعلامى خوان جيبير فى المؤتمر الذى عقد فى القاهرة حول الابداعوالاعلام إن الشىء الوحيد الذى يجب أن نهتم به هو جودة الصحافة التى نقدمهافيما لفت لنماذج اعلامية فى دول كانت شهدت ثورات او حركات تغيير جذري مثلالبرتغال واسبانيا وبولندا.وتعتمد صحيفة بوليتيكو الى حد كبير على عناصر صحفية شابة اختيرت بعناية طبقالمعايير دقيقة ومن هنا لم يكن من الغريب أن تثبت هذه العناصر جدارتها والا يجدهؤلاء الذين يفتقرون للدوافع المهنية والموهبة والقدرة على التعلم والاستيعابوالاضافة الخلاقة مكانا فى بوليتيكو حسب مايقوله مؤسسا هذه الصحيفة الاليكترونيةوهما جون هاريس وجيم فاندهى اللذان كانا يعملان من قبل فى صحيفة واشنطن بوست