النهار
جريدة النهار المصرية

تقارير ومتابعات

عودة دولة القانون

-

يبدو أن أيام الهرج والمرج قد ولت، وعادت الدولة مرة أخرى لتحكم قبضتها على المجرمين واللصوص، وتقف أمام كل فاسد وكل من يظن أن سرقة "قوت الغلابة" مباحة.. فقد شهدت الأيام الماضية حملات إزالة شرسة ضد التعديات التى حدثت على أراضى الدولة وأراضى هيئة المجتمعات العمرانية بمدينة السادات التابعة لمحافظة المنوفية.

البداية كانت فى الشهور التى تلت ثورة 25 يناير بعد انكسار جهاز الشرطة، وشلل الجهاز الرقابى فى الدولة، حيث استغل عدد من الخارجين على القانون ورجال الأعمال الفاسدين غياب الدولة لوضع يدهم على أراضى هيئة المجتمعات العمرانية بمدينة السادات، ونجحوا بالفعل فى سرقة 71 ألف فدان كانت مخصصة فى الأساس لإنشاء مساكن لمحدودى ومتوسطى الدخل.

لم يقف جهاز مدينة السادات موقف المتفرج، بل قام على الفور بإبلاغ الجهات الرقابية لإزالة التعديات على الأراضى المنهوبة، إلا أن الحكومة وقتها تجاهلت النداءات المتكررة من مسئولى مجلس المدينة.. وعندما تولت حكومة المهندس إبراهيم محلب مسئولية الوزارة، قام جهاز مجلس المدينة بالاستغاثة بوزارة الإسكان التى رفعت الأمر لمجلس الوزراء الذى قرر إبلاغ الجهات الأمنية فى وزارة الداخلية والقوات المسلحة لإزالة التعديات على أراضى الدولة، وهو الأمر الذى تأخر تنفيذه بعض الوقت بسبب العمليات الإرهابية التى شغلت جهاز الأمن.

وفى الأسبوع الماضى بدأت حملات مكثقة بقيادة اللواء ممتاز فهمى مدير أمن المنوفية، وبمشاركة عناصر من القوات المسلحة فى إزالة التعديات على أراضى هيئة المجتمعات العمرانية بمدينة السادات.. وهى الحملة التى جاءت بناءً على مطالبات الدكتور هشام عبد الباسط رئيس جهاز المدينة وقتها ومحافظ المنوفية الذى تولى منصبه منذ عدة أيام.

وشارك فى الحملات عدد كبير من المعدات والأفراد حيث شاركت القوات المسلحة بعدد 4 مركبات فهد ودوريتين للشرطة العسكرية، كما شاركت وزارة الداخلية بعدد 20 مجموعة قتالية، فيما شارك جهاز مدينة السادات وهيئة المجتمعات العمرانية بـ 36 لودر و14 قلابا و19 كراكة و 240 عاملا مدنيا، وتمكنت الحملات منذ بدأت يوم السبت 1 فبراير من إزالة 55 ألف فدان من أصل 71 ألف فدان، كما تمكنت الحملات من إزالة 280 منزلا وردم 275 بئر مياه.

من جانبه قال الدكتور هشام عبد الباسط يونس محافظ المنوفية، فى تصريحات خاصة لـ"النهار" إن حملات الإزالة مستمرة ولن تتوقف حتى استعادة كافة أراضى الدولة المنهوبة، ومحاسبة الفاسدين واللصوص الذين حاولوا نهبها، مؤكدا أن الحملات تمكنت حتى كتابة هذه السطور من إزالة 52 ألف فدان من أصل 71 ألف فدان تم نهبها من أراضى هيئة المجتمعات العمرانية، وهو ما يوفر لخزينة الدولة مبلغ 150 مليار جنيه على الأقل.

وأكد المحافظ أن دعم القوات المسلحة وجهاز الشرطة فى إعادة الأراضى المنهوبة يعيد للدولة هيبتها وللشعب ممتلكاته المنهوبة على مدار السنوات السابقة فى ظل حالة الفوضى التى كانت سائدة آنذاك.

وقال عبد الباسط إن إصرار الجهاز الإدارى بالمحافظة على استعادة الأراضى المنهوبة إنما يأتى من باب تنفيذ القانون والذى بدونه لن نصبح دولة، معربا فى نفس الوقت عن شكره وتقديره للمهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء لاهتمامه الشديد بالموضوع وتوجيهه للجهات الأمنية المختلفة للمساعدة فى تنفيذ القانون وإزالة التعديات، مؤكدا أن الدولة لن تقوم إلا بسيادة القانون.

كما أشاد المحافظ بدور الأجهزة الأمنية التى قامت بدورها  على أكمل وجه وأظهرت للمواطنين المثال والقدوة فى ضرورة احترام وتنفيذ القانون.

من جهته أكد المهندس محمد عاشور، رئيس جهاز مدينة السادات، أنه تم البدء فى تنفيذ طرق للأراضى التى تم استردادها خلال الأيام الماضية.

وأضاف عاشور، أن حملة إزالة التعديات ستواصل عملها حتى يتم استرداد كل الأراضى المتعدى عليها، وتنفيذ مخطط الوزارة، حيث إنه من المستهدف إنشاء مشروعات صناعية وتجارية وزراعية بالإضافة إلى المشروعات السكنية على هذه الأراضى وخاصة أنها تمثل نحو 70% من مساحة المدينة، مشيرا إلى أنه من أهم الأفدنة التى تم تحريرها، نحو 5 آلاف فدان، فى الشريط السياحى للمدينة، على طريق الإسكندرية الصحراوى.

ونوه عاشور إلى أن الحملة بدأت بالتعاون مع قوات الجيش وشرطة التعمير، ومديرية أمن المنوفية، وتمت إزالة الآبار التى كان يستخدمها المتعدون فى رى الزراعات، ونحو 40 بيتا، من بينها البيت الذى تم تنفيذه ليكون مقرا لجمعية وهمية تسمى جمعية مزارعى السادات، لإعطاء المصداقية للتعدى على الأراضى. بجانب رفع الطلمبات على سيارات الجهاز، ونقلها إلى المخازن، والقيام بتنفيذ سور حول كل قطعة يتم استردادها، موضحا أن الزراعات المخالفة على المساحة المغتصبة، أثرت على المخزون الجوفى للمياه فى المدينة، وتسببت فى توقف أكثر من 18 بئرا لمياه الشرب، مشيرا إلى أن بعض مغتصبى الأرض حاولوا التشابك بالأيدى مع بعض القوات، بجانب التعدى بالألفاظ النابية على أعضاء الحملة، إلا أن القوات تصدت لهم، وتمت الإزالة بهدوء.

 فيما أكد الدكتور مصطفى مدبولى، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، أنه لا تهاون فى استرداد أراضى الدولة المغتصبة، والتى تمثل تعديات مدينة السادات النسبة الأكبر فيها، موضحا أنه تم وضع خطة أمنية مع وزارتى الدفاع والداخلية، تنفيذا لقرار الإزالة الذى صدر من قبل مجلس الوزراء منذ عدة أسابيع. وأوضح وزير الإسكان أن الأراضى التى سيتم استردادها بقيمة استثمارية لا تقل عن140 مليار جنيه.

من ناحية أخرى رحب سكان مدينة السادات بحملات الإزالة المكثفة التى يتم شنها على الأراضى المنهوبة فى المدينة، مؤكدين أنها حملات ضرورية لإعادة هيبة الدولة وأن هذه الحملات تأخرت عامين وأن نداءاتهم لم تنقطع خلال تلك الفترة ولكن أحدا لم يكن يستجيب لهم.

وقالت نجاة محمد ربة منزل- إن شكل قوات الأمن التى تشارك فى حملات إزالة التعديات على أراضى الدولة بالمدينة يعيد للمواطنين الثقة بالدولة، بعد أن كان الجميع يظن أن القانون السائد هو قانون الغاب وليس دولة القانون والمؤسسات.

وأكدت أن عددا من معارفها بالمدينة كان بدأ يفكر جديا فى المشاركة فى فوضى سرقة أراضى الدولة لأنه لم تكن هناك رقابة ولا حساب من أحد، معتبرة أن حملات الإزالة تمنع الجميع من مجرد التفكير مرة أخرى فى التعدى على حقوق الغير، وأكل أموال الناس بالباطل، لأن الجميع قد رأى بعينه قوة الدولة فى تنفيذ القانون وردع المخالفين له.

وهو ما اتفق معها فيه رأفت عثمان مدرس  والذى أكد أن حملات الإزالة تأخرت 3 سنوات حتى ظن الجميع أنها لن تأتى وأن القانون معطل فى هذا البلد، وأن القاعدة أصبحت أن ما تصل إليه يداك فاسرقه، إلا أن قيام قوات الأمن بإزالة التعديات على أراضى الدولة بالمدينة نسف هذه الظنون.

وأكد عثمان أنه كانت هناك حملات إزالة قد بدأت بالفعل من 20 يوما إلا أنها توقفت بعد إزالة 12 ألف فدان، وأن الشائعات بدأت تتردد فى المدينة أن ضابطا كبيرا قد استغل نفوذه وحصل على ألفى فدان من أراضى الدولة بدون وجه وأنه هو السبب فى إيقاف قرار الإزالة، إلا أن عودة قوات الأمن مرة أخرى واستكمالها لتنفيذ قرار الإزالة يسقط كل هذه الشائعات ويعيد للمواطن ثقته بدولة القانون، وأنه حتى لو صحت هذه الرواية فإن المواطن أصبح على ثقة بأن الدولة لا تتستر على فاسدين، وتعطى رسالة قوية للمحافظين الجدد ألا ترتعش قراراتهم فى مواجهة الفساد والمفسدين والخارجين عن القانون.