كيف تناول الأدب الروسي العرب؟

اهتم الروس منذ زمن بعيد بأخبار العرب، وجاء ذكرهم للمرة الأولى في الأدبيات الروسية مع اعتناق الروس للمسيحية قبل نحو ألف عام تقريبًا، وكان التصور التقليدي عنهم يعتمد بشكل أساسي على ما ورد في الإنجيل، ومرورًا بظهور المستشرقين الروس وحتى الكتاب والأدباء الذين اهتموا بالبلدان العربية، فجميعهم بلا استثناء تأثروا بالثقافة العربية وعادات الدول التي زاروها.
ويبرز أديب روسيا الكبير تولستوي، كأحد أعظم مشاهر الأدب العالمي الذين تأثروا بالثقافة العربية، حيث أيقن منذ بداية طريقه الأدبي الأهمية الفريدة التي يحتلها التراث الروحي للشرق، غير أن الاهتمام الرئيسي بالشرق يرتبط عند تولستوي بالأديان، حيث آمن بأصالة الفكر الديني النابع من الشرق، وظهر هذا جليًا في كتابه "حكم النبي محمد".
اشتهر الكاتب الروسي إيفان بونين، الذي نال جائزة نوبل للآداب العام 1933، بعشقه للعرب ودفعه حبه لهم إلى زيارة العديد من الدول العربية أكثر من مرة، حيث تعرف على حياة شعوبها وعادات أبنائها وتقاليدهم، وانعكس إعجابه في أشعاره وقصصه ومذكراته.
وأطلق بونين "معبد الشمس"، على الطبعة الأولى من ديوان قصصه النثرية التي كتبها خلال رحلته للشرق الأوسط، وأسماه في طبعته الثانية "ظِلّ الطير"، والغريب أن الروايات والأسفار الشرق أوسطية كتبها بالتزامن مع الكتابات ذات الطابع الروحي الروسي الأصيل مثل "القرية" وغيرها، التي خطها ما بين 1907 و1911، ووضعها إلى جانب بعضها وخصّها باعتبارها الأكثر أهمية.
وتحدثت مخطوطاته، عن الحياة الروسية اليومية والشرق والطبيعة الخلابة والعراقة، ومن العناوين العربية لقصائده: "ليلة القدر"، "محمد في المنفى (الهجرة)"، "امرؤ القيس"، "البدوي"، "القاهرة"، "القافلة"، كما أنه كتب عددًا من القصص عن الشرق الأوسط مثل: "الدلتا"، "بحر الآلهة"، "اليهودية"، "ظِلّ الطير"، "معبد الشمس"، "صحراء الشيطان وجميعها تحكي عن مصر ولبنان وفلسطين، عن الخلود ولحظية الحياة.
ويقول بونين: "في إحدهنا مملكة الأحلام على امتداد مئات الفراسخ الشواطئ مقفرة عارية مالحة، لكن الماء فيها بلون الزمرد والسماء، والحرير الأبيض أشد بياضًا من الثلج".
اهتم الكاتب الروسي الشهير فاسيلي روزانوف، بمصر وظهر هذا جليًا في أعماله التي تحدثت عن جمال مصر، مثل: "الجمال المصري القديم"، "في بلاط الوثنيين"، "موتيفات شرقية" و"مصر".
ويصف روزانوف، في أعماله الحضارة المصرية القديمة ونمط التفكير عند المصريين القدماء والمعاصرين، معتبرًا أن المصريين شعبًا عبقريًا في جميع مناحي الحياة سواء الدين أو الأخلاق أو الإبداع الفني، وأرجع في أعماله الفضل لمصر القديمة في إرساء أسس التدين في العالم.
تأثر الكاتب نيقولاي جومليوف، بالوطن العربي بصفة عامة ومصر بصفة خاصة، والتي كانت تمثل له عبر رحلته الإبداعية مصدرًا للإلهام والوحي، واهتم هذا الأديب كثيرًا بعلم المصريات، حيث كانت تربطه علاقة بكبار العلماء والمستشرقين الروس وتعرف من خلالهم على الإنجازات التي توصل إليها هذا العلم.
وزار جومليوف، مصر أكثر من مرة وأعجب كثيرا بالقاهرة والإسكندرية، كما زار حديقة الأزبكية التي ذكرها في ديوان صدر له بعد عشر سنوات، تحدث فيه عن فضل هذه الحديقة في إعادته إلى الحياة مرة أخرى بعد فترة إحباط، ومن أعماله التي تتحدث عن مصر أيضًا مسرحيته الشهيرة "دون جوان في مصر" وصدرت العام 1911.
يعد سينكوفسكي، من أهم المستشرقين الروس الذين أسهموا في نشر الثقافة العربية، وتنوع نشاطه بين الترجمة والتدريس والكتابة والنشر، وارتبط نشاطه في التدريس بمدرسة الاستشراق في بطرسبرج، حيث لم تكن محاضراته مجرد مادة في القواعد والأدب العربي بل كانت بمثابة "علم إنسكلوبيدي حي عن الشرق".
أما الكاتب فاسيلي بارسكي، فتعتبر رحلته إلى الشرق العربي من أهم الرحلات الروسية الاستكشافية في القرن الثامن عشر، وقضى جزءًا كبيرًا من حياته في رحلات بالشرق استمرت قرابة ربع قرن، زار خلالها القدس وسيناء وفلسطين، وسجل انطباعاته عن رحلته في كتاب اختص به مصر وسوريا.
كما تعتبر مذكرات كوكوفتشوف، مصدرًا هامًا في وصف الجزائر ومصر وتونس.
قالت الكاتبة الصحفية والمعارضة اليسارية فريدة النقاش، إن الأدب الروسي قبل الثورة البلشفية يعد من أغنى الآداب المهتمة بالوطن العربي وشعوبه، فهو لم يكن أدبًا عنصريًا ووصل الحال ببعض الكتاب أنهم تأثروا بالثقافة والحضارة العربية.
وأضافت النقاش، في تصريحات لـ"الوطن"، "أتوقف عند المؤرخين الروس قبل وبعد الثورة تعاملوا مع حركة التحرير العربي بشكل تضامني، ولم يكن هناك مواقف عدائية أو تعالٍ على القائمين بحركة التحرير، على العكس من النتاجات الأمريكية حينما شاعت المركزية الأوروبية، ومن بعدها المركزية الأمريكية التي عاملت في أدبها الثقافات الأخرى بطريقة دونية".