جريدة النهار المصرية

تقارير ومتابعات

مراكز التحكيم المستقلة تهدد منصة القضاء

-

مراكز التحكيم الدولى مظهر جديد من مظاهر القضاء المستقل التى انتشرت بشكل واسع فى مصر منذ سنوات, حيث انتشرت الإعلانات عن قبول متدربين للحصول على شهادات تحمل صفة مستشار تحكيم بدون أى مواصفات تعليمية, وهؤلاء المحكمين يقومون بالفصل بين المتخاصمين بعد سداد الرسوم المقررة مقابل نظر القضية  مما ينذر بوقوع كارثة حقيقية, بظهور هيئة قضائية أخرى زس       .

  بجديد وقد يشبه المحاكم العرفية الموجودة فى كثير من القرى والنجوع المصرية، ولكن مراكز التحكيم تشكل خطرا حقيقيا لأنها بعد الوصول إلى حكم فى القضايا المنظورة أمامها يتم التصديق على هذا الحكم من المحاكم الرسمية التابعة لوزارة العدل, مما يجعل الحكم نافذا, وبذلك يكون هناك باب آخر للفصل فى المنازعات بين الأفراد غير القضاء الرسمى.

 

للأسف قد يكون بطء الإجراءات أحد أسباب ظهور هذا القضاء الملاكى وانتشاره بشكل واسع، إلا أنها حقيقة لابد من مواجهتها بدلا من الهروب منها.

الأمر خطير وكان لابد من مناقشة ماهية هذه المراكز وما تقدمه للمواطنين بالتحديد. في البداية يوضح مصطفى حمدى المحامى بمركز قضايا المرأة المصريةأن مراكز التحكيم جاءت كوسيلة أخري لحل النزاعات غير طريق القضاء الحكومى  التابع لوزارة العدل, وهذا يتم عن طريق الاتفاق بين الأطراف وتنظيم من القانون لكي يتم تلافي العيوب البطيئة  للقضاء وذلك بطريق اختياري لأطراف الخصومة إن شاءوا لجأوا إلى مراكز التحكيم وإن شاءوا لجأوا إلي القضاء. ويضيف حمدى أن المقصود بالتحكيم هو اتفاق أطراف علاقة قانونية معينة, عقدية أو غير عقدية, على أن يتم الفصل في المنازعة التي ثارت بينهم بالفعل, أو التي يحتمل أن تثار بينهم عن طريق أشخاص يتم اختيارهم كمحكمين.ويتولي الأطراف تحديد أشخاص المحكمين أو علي الأقل, يضمنون اتفاقهم علي التحكيم, بيانا لكيفية اختيار المحكمين, أو أن يعهدوا لهيئة من الهيئات أو مركز من مراكز التحكيم الدائمة لتتولي تنظيم عملية التحكيم وفقا للقواعد أو اللوائح الخاصة بهذه الهيئات أو المراكز .ويشير «حمدى» إلى أن محكمة النقض المصرية عرّفته بأنه طريق استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج عن طريق التقاضي العادي وما تكفله.وعرّفت المحكمة الدستورية العليا المصرية التحكيم في حكمها الصادر بتاريخ 17 ديسمبر 1994م  بأنه عرض لنزاع معين بين طرفين على محكم يعين باختيارهما، أو بتفويض منهما، على ضوء شروط يحددانها، ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائياً عن شبهة الممالأة، مجرداً من التحامل، وقاطعاً لداء الخصومة في جوانبها، التي أحال الطرفان إليه، بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية.

مشارطة التحكيم

ويشترط القانون في تلك الحالة أن يتم النص كتابة علي طبيعة النزاع بدقة في الوثيقة التي تكتب بينهما ويسمي تلك الوثيقة التي تكتب بينهم والتي بها اتفاق التحكيم بمشارطة التحكيم. ويترتب علي اتفاق الأطراف للالتجاء للتحكيم أثريان قانونيان هامان هماأولا سلب اختصاص القاضي المختص أصلا بنظر النزاع من القيام بنظرة بمجرد وجود اتفاق مكتوب علي التحكيم سواء اخذ شكل الشرط أو المشارطة, وهذا الاتفاق له أثر مانع, مقتضاه أن يلتزم القاضي بعدم نظر النزاع حتي لو نكص أحد الأطراف وحاول التمسك بالتقاضي أمام القاضي الطبيعي فالقانون منع القاضي من الاستمرار في نظر النزاع ويتحتم علي القضاء عدم قبول الدعوي لوجود اتفاق تحكيم .ثانيا  قبول الأطراف وعلي نحو نهائي لقرار أو لحكم التحكيم الذي يصدر عن طريق هيئة التحكيم ..ويستطرد مصطفى حمدى أنه قد ثار خلاف حول طبيعة التحكيم, هل هي قضائية أم عقدية فأضفي عليه البعض الطبيعة القضائية انطلاقا من طبيعة عمل المحكم التي تتماثل مع عمل القاضي, وما يصدر عنه من حكم ملزم. .بينما تبني البعض الطبيعة العقدية للتحكيم استنادا أن أساس التحكيم هو اتفاق أطرافه علي اللجوء إليه, في حين وقفت المحكمة الدستورية العليا موقفا وسطا, فرأت أن التحكيم له طبيعة قضائية ركيزتها الاتفاق الخاص بين الأطراف الذي يستمد منه المحكمون سلطاتهم ولا يتولون مهامهم بإسناد من الدولة .فاتفاق التحكيم هو حجر الزاوية في عملية التحكيم وبدونه تنعدم ولاية المحكم من الأساس ولا وجود لأي تحكيم لتسوية أي نزاع دون وجود اتفاق مكتوب مسبق علي اللجوء إليه سواء عن طريق شرط أو مشارطة للتحكيم.

شروط ضرورية

واتفاق التحكيم يلزمه أن تتوافر فيه شروط لكي يكون صحيحا ومنتجا لآثاره أول هذه الشروط الرضا ويتحقق الرضا بتوافر إرادتين علي التحكيم, ولا يجوز أن يكون التحكيم إجباريا أو نصا ملزما في عقد من عقود الإذعان.  .وثانى هذه الشروط الأهلية وينبغي هنا أن يكون لأطراف التحكيم أهلية التصرف, لأن التحكيم ينطوي علي التزامات متبادلة بالنزول علي حكم المحكمين وهو ما أكده نص المادة 11 من قانون التحكيم.محل التحكيم هو موضوع المنازعة أو المنازعات التي يطرحها اتفاق التحكيم علي هيئة التحكيم.ويتعين أن يكون هذا الموضوع من المسائل التي يجوز فيها التحكيم, والقيد الوحيد الذي وضعه المشرع في القانون في نص المادة 11 منه هو عدم جواز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح. .وقد اوضحت تلك المسائل المادة 551 من القانون المدني بأنها المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام مع مراعاة جواز الصلح علي المصالح المالية التي تترتب علي الحالة الشخصية أو التي تنشأ عن ارتكاب احدي الجرائم.وهو ما يعني عدم جواز التحكيم في المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية مثل ثبوت صحة زواج أو بطلانه والمحارم التي لا يجوز الزواج بينهم ووقوع الطلاق أو عدم وقوعه وتحديد الأنصبة في الميراث وعدم جواز التبني إلي غير ذلك من مسائل الأحوال الشخصية التي تحكمها الشريعة الإسلامية دون غيرها .علي أنه تجدر ملاحظة انه بنص المادة 551 من القانون المدني يجوز التحكيم بشأن الحقوق المالية التي تترتب علي الحالة الشخصية كنفقة المتعة وأجر الحضانة وسكن الحضانة .ويجوز التحكيم بشأن الحقوق المترتبة علي ارتكاب الجرائم كالتعويض عن الإصابات أو القتل الخطأ (مادة 551 مدني ). ولا يجوز التحكيم في المسائل المتعلقة بالنظام العام.

مجالس العرف

    وفى نفس السياق أكدت وفاء محمود المحامية بالنقض ان مراكز التحكيم تشبه القضاء العرفى, مجالس الصلح  والتى تعقد عن طريق العمد والمشايخ وكبار رجال البلد المشهود عنهم حسن السير والكلمة المسموعة  بين أهلها ويحضر هذه الوساطة العرفية رجال وقيادات الشرطة فى البلد التى نشأ فيها الخلاف وغالبا أن تكون بقضايا الثأر التى لا تنتهى مع الوقت إلى أن تقوم الساعة ويفلح فيها هذا الصلح بعد أن يكون بمرضاة الطرفين ليقبل الطرف الآخر الدية عن قتيله والواقع الفعلى يلتزم الطرفان ببنود هذا الاتفاق للصلح واذا كان الاتفاق مرفوعا للنيابة العامة وتلتزم به اذا ارتضى به طرفا الخصومة دون قضايا. القتل الذى لا يجوز به التنازل.وتؤكد وفاء محمود المحامية بالنقض أن قضايا الصلح المعروضة أمام المحاكم تسقط طالما لم تقترن بدماء ويكون فيها صلح المواقف القانونية مثل قضايا الميراث, والأحوال الشخصية, والمشاجرات, التصالح مع الدولة مثل بناء بدون ترخيص .وتنتقد وفاء محاولات البعض تطبيق مراكز التحكيم فى المدن الكبرى، مؤكدة أنها تحتاج إلى المناطق النائية فى الأرياف والصعيد.     فى حين يرى الدكتور عادل عامر مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية، والخبير بالمعهد العربي الأوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية، أن التوقيع على مشارطة التحكيم بين طرفى النزاع بعد صياغتها بواسطة المحكم أو المحكمين أو بواسطة المتنازعين يعد من عقبات التحكيم سواء أكان على المستوى المحلي أو الدولي ذلك أن المحتكم ضده في غالب الأحوال قد يرفض أو يتلكأ عن التوقيع على المشارطة بحجة عدم مقدرته على دفع الأتعاب المقترحة بواسطة المحكم أو المحكمين، أو بحجة اللغة أو المكان أو مدة الفصل في النزاع، وقد يكون في بعض المسائل محقاً وموضوعياً لكن في بعضها الآخر قد يكون غير ذلك ويهدف في الأساس إلى كسب الوقت أو إفشال عملية التحكيم برمته إن استطاع إلى ذلك سبيلا. وقد نجد أيضاً أن يكون طالب التحكيم هو السبب في تعطيل التوقيع على المشارطة قد يكون بحجة أن الأتعاب مبالغ فيها أو أن مدة الفصل طويلة ذلك رغبتةً منه في سرعة الفصل في النزاع، ويحدث أحياناً وحتى بعد التوقيع أن تتعثر الأطراف في سداد مقدم ومؤخر الأتعاب حيث يطلبون الإمهال أو التقسيط أو الإرجاء لما بعد الحكم الأمر الذى قد يعارضه المحكم أو المحكمون جملة وتفصيلاً خاصة السداد بعد صدور الحكم إذ قد يرفض أو يتماطل الطرف الخاسر على وجه الخصوص في الإيفاء بوعده.من ناحية أخرى قد يرجع تعطيل التوقيع على المشارطة إلى المحكم أو المحكمين ويكون ذلك لخلاف يتعلق بمدة الفصل في النزاع إذ يرى المتنازعان وخاصة طالب التحكيم أن النزاع ذو طابع بسيط ولا يحتاج لمدة طويلة وفي كل الأحوال فإن رفض المحكم أو المحكمين بنود المشارطة فلا ضير إذ يجوز لطرفي النزاع الاستغناء عن ذلك المحكم أو المحكمين وتعيين محكم أو محكمين آخرين بنفس الطريقة السابقة.لكن تكمن المشكلة في حال رفض أو تماطل أحد الطرفين التوقيع، فالسؤال الذي يطرح نفسه هل هنالك ضرورة قصوى للتوقيع على المشارطة حتى يباشر المحكمون نظر النزاع؟ هذا الأمر يحدث كثيراً فى الواقع العملى ويعد من عقبات التحكيم .ففي الحالة الأولى إذا كان هنالك عقد بين الطرفين نص على حل النزاع عن طريق التحكيم، يتم الرجوع إلى القانون الواجب التطبيق فيما يتعلق بحكم البند المختلف حوله ( الأتعاب  المكان  المدة ) فإذا وجد نصا صريحا لمعالجة هذه البنود فلا توجد ضرورة للتوقيع على المشارطة إذ يجوز لهيئة التحكيم السير في الإجراءات بدون وجود مشارطة، أما إذا كان القانون قاصراً في حكم بعض المسائل، فالسلطة تقديرية للهيئة لإيجاد مخرج للمسألة، وتكمن الصعوبة على وجه الخصوص في تحديد الأتعاب لأن معظم القوانين الوطنية وكذا الاتفاقيات الدولية المعنية بالتحكيم لا تنص على مسألة تقدير الأتعاب على عكس لوائح مراكز التحكيم التي تنص على وضع جدول معين يحدد كيفية احتساب الأتعاب .وأضاف عامر أنه في الواقع العملي درج المحكمون على إصدار قرار بتحديد الأتعاب التى تراها أنها معقولة وتطلب من الأطراف الموافقة عليها فإذا وافق طالب التحكيم على سبيل المثال ورفض المحتكم ضده فقد يطلب من طالب التحكيم الالتزام بكل الأتعاب على أن يتضمن القرار النهائي ذلك سواء أكان القرار لصالحه أم لا، كما أن بعض المحكمين يتركون تقدير الأتعاب عند نهاية الإجراءات بعد تقدير الجهد الذي بذلوه وتضمين ذلك في الحكم وإن كان هذا قليلا نظراً لصعوبة تحصيلها بعد صدور الحكم.

أما في الحالة الثانية وهى عدم وجود عقد به شرط تحكيم ووجود نزاع اتفق الطرفان على حله بالتحكيم ففي حال فشل الأطراف أو رفض أحدهما التوقيع على المشارطة فلا مكان للمحكمين للسير في التحكيم إذ تعد هذه المشارطة بمثابة اتفاق أولي ونهائي بحل النزاع عن طريق التحكيم، فإذا تعذر التوقيع عليها فلا مجال لطالب التحكيم سوى اللجوء إلى المحكمة المختصة لرفع دعواه أمامها .في الحالة الثالثة بوجود نزاع تنظره المحكمة واتفق الأطراف على حله بالتحكيم فحسب بعض القوانين تقوم المحكمة بشطب الدعوى وقفل الملف بحسبان أن الطرفين ذاهبان إلى قضاء من نوع آخر بنفس قوة القضاء العادي، إلا أن بعض القوانين الأخرى وكذلك ممارسات بعض القضاة تذهب إلى وقف أو تعليق الإجراءات، فاذا ما فشل الطرفان في المضي قدماً في إجراءات التحكيم يقومان بتقديم طلب تحريك الإجراءات، وبتقديري إذا كان القانون الواجب التطبيق ينص على هذا فلا غضاضة، أما إذا لم يكن كذلك فالمهم التأكد من طلب الأطراف والتفريق بين طلب الأطراف ولجوئهم للتحكيم أو وقف الإجراءات لأنهم بصدد اللجوء للتحكيم. ونهاية طالب الدكتور عادل عامر أن يحصل المحكم على دبلوم فى التحكيم من إحدى الجامعات الرسمية بدلا من الدورات وأن يشترط الحصول على شهادة جامعية مناسبة لأن يكون الحاصل على شهادة التحكيم الدولى مؤهلا لذلك ..