النهار
جريدة النهار المصرية

تقارير ومتابعات

تفاصيل تحقيقات الداخلـــــية فى واقعة الاعتداء على الصحفيين واعتقالهم فـــــى الذكرى الثالثة لثورة يناير

-

ألقت قوات الأمن فى الخامس والعشرين من يناير الماضي، القبض على الزميل إسلام الكلحي، الصحفى بجريدة «النهار» خلال تغطيته لفعاليات إحياء ذكرى الثورة، التى شهدت اندلاع اشتباكات بين قوات الأمن ومتظاهرين مناهضين للنظام الحاكم، وتعرض «الكلحي» خلال فترة اعتقاله التى دامت 12 ساعة فى قسم الأزبكية للضرب والسب من قبل عدد من أفراد الشرطة، إلى أن تم الإفراج عنه فى الساعات الأولى من صباح يوم 26 يناير بعد تدخل نقابة الصحفيين وتأكد الشرطة من هويته كصحفي.

بعد ما يزيد على  شهر من الواقعة فوجئ محرر «النهار» باتصال تليفونى ظهر الأحد الماضى من قبل ضباط بمديرية أمن قنا، حيث مسقط رأس الزميل، تطلب مثوله أمام لواء شرطة بقطاع التفتيش بالوزارة للاستماع إلى شهادته عما حدث معه لمعاقبة المتجاوزين بحقه، وذلك على الرغم من عدم تقدمه بشكوى لوزارة الداخلية.

وحول تفاصيل ما جرى معه، قال «الكلحي» إن لواء الشرطة الذى استمع لشهادته صباح الاثنين الماضى على مدى ساعتين تقريبا، عما جرى معه والمحتجزين داخل قسم شرطة الأزبكية فى يوم 25 يناير، موضحا أنه قال ما يرضى ضميره ويرضى الله دون تزييف أو خوف، مؤكدا أنه تعرض للاعتداء من قبل ضابط أمن مركزى لا يعرف اسمه قبل دخول القسم وأفراد شرطة لا يعرف اسماءهم ولكن يتذكر اشكالهم، مضيفا أن التجاوزات المتمثلة فى ضرب المعتقلين التى رصدها خلال فترة اعتقاله فى غرفة الاحتجاز كانت جميعها من أفراد وامناء شرطة.

وأشار «الكلحي» إلى أن مفتش الداخلية سأله عما إن كان هناك تجاوزات من الضباط الذى ذكر الزميل اسماءهم فى شهادته، فأكد له أن الضباط لم يعتدوا عليه وأنه لم يسمع أمر مباشر من أحدهم لأفراد الشرطة بالتعدى على المحتجزين، مستطردا بأن التجاوز الذى رصده من الضباط هو رفض السماح له بإجراء مكالمة هاتفيه بذويه ومحاميه فور اعتقاله كما ينص الدستور  فى المادة (54) وتجاهل ما قدمه ويفيد كونه صحفياً بجريدة «النهار»، واتهامه بالتظاهر دون تصريح وحيازة قنابل مونة، وهو أمر لم يحدث، فضلا عن تقاعسهم فى توفير الحماية له وللمحتجزين وهى مسئولية تقع على عاتقهم.

وأكد «الكلحي» أن مفتش الداخلية، أكد له أن هناك اهتماماً بالقضية الخاصة به وأن هناك تعليمات من مكتب وزير الداخلية بمعرفة المتجاوزين من رجال الشرطة اتجاه المواطنين، مضيفا أنه ستتم محاسبة المتجاوزين بحقه وحق المتظاهرين، لافتا إلى أن الداخلية تعاقب ضباطها وأفرادها، ولكنها لا تعلن عن ذلك.

«النهار» تنشر نص شهادة الزميل إسلام الكلحى عما حدث معه فى قسم الأزبكية التى تحركت الداخلية للتحقيق فيها على الرغم من عدم تقديم محرر الجريدة بشكوى لقطاع التفتيش بالوزار ة بالتجاوزات التى حدثت بحقه من قبل أفراد وضباط قسم الأزبكية.. و»النهار» وهى تدين الانتهاكات التى تحدث من قبل الشرطة بحق الصحفيين خلال أداء عملهم، تشيد بموقف «الداخلية» من بحث وتحقيق فى شهادة الزميل «الكلحي» عما حدث معه :

نص الشهادة:

يقول محرر النهار البداية كان احتجازى بعد القبض عليَ، مع  بعض النشطاء الذين تعرفت منهم على  خالد السيد، وناجى كامل ولم اتعرف على اثنين آخرين كانوا معنا.

فقد تكرم  «ناجى كامل» الذى كان يسير فى وسط البلد، باتجاه «نقابة الصحفيين» بدعوتى لأركب معه سيارته لأغطى التظاهرة التى دعت لها «جبهة طريق الثورة» فيما كان «ناجي» «وخالد» و2 من أصدقائهما ينوون المشاركة فى المسيرة، إلا أننا علمنا بأن قوات الأمن أطلقت قنابل الغاز والخرطوش على المتظاهرين وتطاردهم مدرعات الشرطة فى شارع طلعت حرب، فقررنا ألا نذهب إلى هناك وأن نتوجه ناحية منطقة «البورصة» فوجدنا الاشتباكات فى كل مكان ولن نتمكن من الوصول إلى هناك، فاتفقنا أن نتوجه إلى رمسيس لينصرف كل منا إلى بيته، ولكن على ناصية شارع «عماد الدين» كان عشرات يقفون فخشينا أن يكون هناك اشتباكات فى رمسيس، فسألناهم «الطريق سالك» فأجابوا بـ»نعم».

نزول إجبارى

لم نتحرك بالسيارة متر واحد، إلا ووجدنا ضابط مباحث وأفراد أمن بزى مدنى يقفون أمام السيارة ويجبروننا على النزول من السيارة بعد تعرفهم على «خالد».. ترجلنا من السيارة وتم تفتيشنا جميعا وأخذ البطاقات الشخصية والتليفونات ومصادرة لافتة عليها عبارة «تسقط أمريكا» وتتبرأ ممن وصفتهم بـ «الراكعين لأمريكا»، ثم أركبونا السيارة مرة أخرى باستثناء «خالد» وقاد السيارة ضابط المباحث نحو قسم الأزبكية.. أمام باب القسم كان فى انتظارنا عدد من ضباط وأفراد الشرطة الذين يستقبلوا القادمين الذين يروهم «أعداء الوطن» بالركل واللكمات حتى يصلون لغرفة الاحتجاز.. قررت أن أكشف هويتى للضباط فوجدت «لكمة» من أحد الضباط عقابا لى لقولي: «أنا صحفي»،  فتفاديتها قدر المستطاع، فيما كان أفراد الشرطة يسعون للنيل منى إلا إننى نجحت فى تجاوزهم وصعود درجات السلم للطابق الأول حيث يأمروننا بالصعود إليه - بالطبع طالنى بعض الركلات.

فى  الطابق الأول، قادنا أفراد الشرطة لغرفة (3 * 5م) تقريبا، فوجدنا «خالد» يقف أمام أمين شرطة يجلس على مقعد إسفنجى مغطى بالجلد وأمامه مكتب، وأمام المكتب 26 معتقلا يجلسون أرضا ووجوههم فى اتجاه الحائط المواجه لمكتب الأمين.. تم تفتيشنا نحن الخمسة، ثم وضعوا «الكلابشات» فى يدى اليسرى مع «ناجي»  اليمنى ويد «ناجي» اليسرى فى يد «خالد» اليمنى، وتم وضع «الكلابشات» فى يد الرابع والخامس الذى عرفت أن أحدهما يدعى «محمد» والآخر «عبد الله».. ثم أمرونا بالجلوس أرضا مثل باقى المعتقلين.. دقائق زاد العدد من 31 إلى 33 ثم 45 ثم 66 معتقلا فى غرفة كنا نظن أن مكوث 31 شخصا فيها شيء يجعلك غير قادر على التقاط أنفاسك بسهولة.

احتجاز ورصاص

لم تمر ساعة من احتجازنا، حتى وجدنا أصوات إطلاق رصاص كثيف خارج القسم، وكأن هناك هجوم يحدث على القسم، وفجأة اقتحم أفراد شرطة الغرفة وفتحوا «دواليبهم»  وأخذوا من أسلحة نارية وأطفأوا نور الغرفة.. ثم عاد أحد أمناء الشرطة فى يده سلاح ناري، وأضاءه مرة أخرى وأمر أمين الشرطة الموجود بالغرفة المسلح هو الآخر، أن يطلق النار على رأس أى شخص منا يلتفت أو يقف لأى سبب.. دقائق وتوقف صوت إطلاق النار، ودخل فرد شرطة فى أوائل العشرينات يشكى من إصابته فى يده أثناء مطاردته أحد المحتجزين معنا، فقال له الأمين: «خد حقك منه»، فقام فرد الشرطة بالاعتداء على الشخص الذى يجلس خلفى بالضرب المبرح، الذى عرفت فيما بعد أنه «سائق تاكسى أبيض» وقف ليتابع الاشتباكات ناحية العتبة ثم طارده فرد الشرطة لأنه «ملتح» ظنا منه بأن أى «ملتح» من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي.

إعلاميون فى المشهد

فيما كان يمر الوقت ببطء كانت أغنية «تسلم الأيادي» التى تنطلق من هاتف أحد أفراد الشرطة كل حين، وكان المعتقلون يتوافدون على الغرفة، و كان من بين هؤلاء الوافدين أحد أفراد طاقم تصوير قناة «سى بى سي» وآخر من قناة «القاهرة والناس»، ومع ازدحام الغرفة بالمعتقلين، تم نقلنا لغرفة مجاورة.. فى تلك الغرفة طلب «خالد» من أمين الشرطة الذى يقوم بمراقبتنا الاتصال بزوجته لكى ترسل له علاج الكبد الخاص به، فرفض.. فطلب «خالد» أن يتم جلب الدواء له من أى صيدلية قريبة على حسابه الخاص، فوافق أمين الشرطة على ذلك، وأرسل شخصاً لشراء الدواء، ودخل فى نقاش مع «خالد» كان أبرز ما فيه سؤاله: «ليه مغنيتش زى أحمد دومة وجيبت عربية جيب»، فرد «خالد» قائلا إن دومة لا يملك سيارة جيب وهو الآن فى السجن.. وفى تلك الأثناء عاد فرد الشرطة الذى نزل لشراء علاج «خالد» خالى الوفاض.

كان أمناء الشرطة الذين يتناوبون على مراقبتنا كُثر.. كان أحدهما يقول: « إيه اللى منزلكم.. تسكتوا ولا تموتوا.. أنهى أحسن»، وكان أحدهما يسب من يتحرك أو ينظر خلفه بأمه وأبيه وكل سباب هو عالم به، وكان من بين أفراد الشرطة من يقول لمن يطلب دخول دورة المياه أن يتبول على نفسه، فيما كان فرد آخر رءوف رحيم فى وجهة نظر المعتقلين الذين ساقهم حظهم العاثر فى طريق جنود فرعونـ يسمح لمن يريد دخول دورة المياه أن يتبول فى زجاجة بعد أن يعطينا ظهره.

الضباط الثلاثة

بعد ثلاث ساعات ونصف من الاعتقال، دخلنا نحن الخمسة غرفة بها ثلاثة مكاتب لثلاثة ضباط (مجدى عرفة، كريم عبد العليم، أحمد ندري) وتكيف «يورك» وتلفزيون 32 بوصة «توشيبا» ونافذتين خلف ستارة من لونين، وساعة متوقفة على شكل «دفة سفينة».. سألنا الضابط مجدى عرفه عن أسمائنا ووظائفنا، ثم أعطانا هواتفنا بعد أن أخذ منها البطاريات وكروت الذاكرة.. وفيما كان «عرفة» يستفسر عن سبب نزولنا فى 25 يناير، كان الإعلامى مجدى الجلاد على قناة «سى بى سي» يتحدث.. كان الصوت مكتوما، ولا أسمع ما يقول.. إلا أننى كنت متأكداً بأنه يتحدث  عن الشعب المصرى الذى نزل للميادين يحتفل ويعلن دعمه للفريق «السيسي»  ويتصدى للإرهابيين والراغبين فى تعطيل مسيرة البلاد نحو الاستقرار لتكون مصر «أد الدنيا».

انتهى التحقيق الأولى، مع الضابط ، وتم اقتيادنا مرة أخرى لغرفة الحجز الأولى، فوجدت فى وجهى الشابين اللذين يعملان فى «سى بى سي» و»القاهرة والناس» فقلت لهما : «التطبيل بتاعكم هو اللى وصل البلد للى احنا فيه»، فنظرا فى الأرض فأضفت: «كل ده بسبب قنوات الفلول».. ثم حل الصمت قليلا.. ثم أسئلة «ساذجة» من بعض المحتجزين لأفراد ليس لهم سلطة ولكن لهم لسان بذيء لا يكف عن السب بالأب والأم والألفاظ الخارجة.. كان البعض يسأل : «هتخرجونا امتى ؟» والبعض يقول «أنا كنت لابس الكابتشو وطالع من محطة رمسيس.. هو الكابتشو فيه مشكلة».. ومع سيل الأسئلة ومحاولات كسب تعاطف أفراد الشرطة التى كانت تواجه بسب المحتجز صاحب السؤال والنيل من كرامته، صرخ «خالد» فى المعتقلين مطالبا إياهم بأن يحافظوا على كرامتهم، موضحا لهم أن أفراد الشرطة «لا حول ولا قوة لهم» ولا يعرفون شيئاً.

أطفال فى الحجز     

مرت الساعات، فأصبح التأمل  فى الموجودين لا مفر منه.. من بين المحتجزين كان أطفال فى الثالثة عشرة والرابعة عشرة أبرزهم ثلاثة كانوا فى ميدان التحرير يرفعون صور «السيسي» وخرجوا من الميدان فساقتهم أرجلهم لمكان قريب من اشتباكات الأمن والمطالبين باستكمال الثورة وتحقيق أهدافها، فأُلقى القبض عليهم بالخطأ، ولم يشفع لهم صغر سنهم ويمنع عنهم انتهاك كرمتهم الإنسانية.. وعلى قائم مكتب أمين الشرطة كان يستند شاب مسيحى لا يتجاوز عمره الثمانية عشرة يصرخ: «أنا مسيحى يا باشا.. ومفيش حاجه اسمها الإخوان المسيحيين» إلا أنه مكث محتجزا 10 ساعات تقريبا حتى تتأكد الشرطة أنه مسيحى ولا ينتمى للإخوان !!.. كما كان هناك من يعانى مشاكل عقلية.. ومن تم اعتقاله عند نزوله من أوتوبيس نقل عام.. وكثيرين لو لم تعتقلهم الشرطة لكانوا توجهوا لميدان التحرير ليهتفون لـ»أبو دبوره ونسر وكاب».

قبل حلول الساعة العاشرة، دخل أحد أمناء الشرطة وسأل عن الخمسة المقبوض عليهم فى السيارة «اللانوس»، فوقفنا، وتم اقتيادنا واحد تلو الأخر إلى أحد الضباط، الذى دار بينى وبينه الحوار التالى عند دخولى للمناقشة بعد كل من «خالد» و»ناجي»:

الضابط : اسمك إيه ؟

أنا : إسلام محمد عزت

الضابط: تاريخ ميلادك

أنا : 4 /4/1988

الضابط: شغال إيه ؟

أنا : صحفي

الضابط: أنت 6 إبريل

أنا : لا

الضابط: أنت عضو فى التحالف الشعبي

أنا : لا.. أنا صحفى فى جريدة النهار

الضابط: يعنى أنت مش تحالف ولا 6 إبريل، أمال بتقبض منين ؟

أنا : بقولك أنا صحفى فى جريدة النهار وده كارنيه الجورنال، وعضو نقابة صحفيين بس لسه مستلمتش الكارنيه

الضابط: طيب اتفضل (اقتادنى أمين الشرطة لغرفة الاحتجاز دون أن يدون الضابط مهنتي، تاركا ثلاثة أسطر بعد اسمى الذى تلى خالد السيد وناجى كامل، والذى لم يفصل بينهما ثلاث أسطر، مثلما فعل معي، حيث كتب رقم 4 فى السطر الرابع).

عدنا لغرفة الحجز نحن الخمسة مرة أخرى، وتم وضع «الكلابشات» فى أيدينا نحن الخمسة فقط.. مرت الساعات ببطء.. وفى الواحدة جاء أحد الضباط وسأل عنى فأشرت له لأنى موجود، ثم انصرف ولم يقل لى شيء.. ثم عاد فرد شرطة بعد نصف ساعة وسأل عنى فأشرت له لأنى موجود، فأنصرف هو أيضا دون أن يقول لى شيئاً.. وبعد أن تخطت الساعة الثانية جاء أحد أفراد الشرطة وفك القيود التى فى يدي، وقادنى لغرفة مأمور القسم.

غرفة المأمور

فى غرفة المأمور وجدت أخي، وعضوين من مجلس نقابة الصحفيين.. جلست.. تحدث ضابط المباحث الذى تعرف على «خالد» ونحن فى السيارة عن سبب تواجدى فى السيارة مع النشطاء الأربعة وعلاقتى بهم، فأجبت بأننى صحفى وبحكم عملى لدى أصدقاء من مختلف التيارات، وكنا قبل القبض علينا فى طريقنا لرمسيس حيث كان كل منا سينصرف إلى منزله.. سألنى عن اللافتة التى ضبطت فى حقيبة السيارة، قلت له إن اللافتة ضد أمريكا.. تدخل المأمور وسألنى وكيف عرفت بما هو مكتوب فى اللافتات، فأجبت بأن الضابط مجدى عرفة، قام بفرد اللافتات أمامى فى غرفة التحقيقات.. تدخل أعضاء مجلس النقابة وتحدثا عن طبيعة عمل الصحفي، مؤكدين أننى لا أنتمى لـ6 إبريل كما يدعى ضباط الشرطة.. أمر المأمور بإطلاق سراحي.. وأنا أنزل درجات السلم من الطابق الأول علمت من أخى أن من ضمن الاتهامات التى حررت ضدى هو حيازة 4 «قنابل مونة».. خرجت وتركت «خالد» فى انتظار أن اتصل بزوجته لتأتى له بعلاج الكبد.. فعلت ولكنى لست اعرف إن كان قد وصله الدواء أم لا ؟!