النهار
جريدة النهار المصرية

تقارير ومتابعات

يوميات مرسى فى سجن برج العرب

اسلام الكلحي -

توجهت أنظار المصريين والمجتمع العربى والعالمي، إلى قاعة محكمة جنايات القاهرة، يوم الاثنين الماضي، حيث عقدت أولى جلسات محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي، فى قضية أحداث الاتحادية، كثانى رئيس مصرى يحاكم بإرادة الشعب، وذلك بجانب 14 متهما من المنتمين لجماعة الإخوان أبرزهم الدكتور عصام العريان، ومحمد البلتاجي، وأسعد الشيخة، نائب رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق....، بتهمة التحريض على قتل المتظاهرين أمام قصر الاتحادية الرئاسى فى شهر ديسمبر من العام الماضي.

وما أن  انتهت المسرحية الأخوانية الاستعراضية فى قفص الاتهام حيث استقبل قادة الجماعة رئيس الأهل والعشيرة فى القفص بزفة على طريقتهم استدعوا خلالها مشهد رابعة بالإشارة المثيرة للجدل حتى تفرق الأحباب وطار مرسى بالطيران إلى برج العرب ليرتدى ملابس السجن ويأخذ رقم سجين ويجد نفسه مجرداً من أعوانه ومساعديه من رئيس ديوانه ونائبه وحراسه ..فى هذه اللحظة اكتشف مرسى أنه لم يعد الرئيس وأنه من السجن خرج وإليه يعود  ويبدأ يومياته كسجين فى سجن برج العرب إلى جوار صبحى صالح فى سجن واحد وإن اختلفت الزنزانة ما يستدعى إطلالة على الحدث برمته وتفاصيله

من السجن  إلى القصر ومن القصر إلى السجن

مرسى الذى وصل لحكم مصر، بعد خروجه من السجن، عاد إليه، مجددا، بعد أن أخفق فى إدارة البلاد، و تحول إلى متهم حرض على قتل بنى شعبه، إرضاءا لأهله وعشيرته، نسى أن الله عز وجل الذى قال فى كتابه الكريم «قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، قادر على أن يعيده للسجن مجددا ولم يأخذ العبرة من الرئيس الأسبق حسنى مبارك، الذى مكث فى نفس القفص الحديدى من قبله بتهمة قتل المتظاهرين، وصار على نهج المخلوع، فصار معزولا بإرادة الله ثم إرادة الشعب .

جاءنا مرسى فى يونيو من العام الماضى رئيسا قاطعا على نفسه مجموعة وعود تعهد بتحقيقها فى مائة يوم، فخالف وعوده ولم ينجزها فى عام كامل ولم نرى «عيش» ولا «حرية» ولاعدالة اجتماعية.. جاءنا مرسى رئيسا مدنيا منتخبا، فلم يكن رئيسا لكل المصريين، ولم يحافظ على أرواح المدنيين فى عهده، وسالت الدماء فى محمد محمود، ليكون أول شهداء حكمه شباب أيدوه ونصروه خوفا من أن يقتلهم منافسه المنتمى لنظام مبارك.. وسالت الدماء على أبواب قصره وغض طرفه عنها، ليؤكد للجميع أنه رئيسا لأهله وعشيرته فقط، فسقط عرشه بعد عام واحد من حكمه ليكون لمن خلفك آية.

قبيل المحاكمة.. استعدادات أمنية واهتمام غربى وسخرية على فيس بوك

رفعت الأجهزة الأمنية استعداداتها القصوى بالقاهرة حيث مقر المحاكمة، إلى جانب جميع محافظات الجمهورية، خشية قيام أعضاء جماعة الإخوان المسلمين «المحظورة» بأى أعمال عنف بالتزامن مع انعقاد أولى جلسات محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي، وقامت إدارة الحماية المدنية بالقاهرة برفع درجة الاستعداد القصوى وألغت جميع إجازات رجال الإطفاء، وانتشر خبراء المفرقعات فى محيط أكاديمية الشرطة والأماكن القريبة منها، فضلا عن أبرز ميادين العاصمة، تحسبا لوجود متفجرات، وقبيل الساعة الثامنة من صباح الاثنين، أعلنت مصادر أمنية وصول جميع المتهمين إلى مقر أكاديمية الشرطة بما فيهم «مرسي»،الذى تم نقله لمقر محاكمته بواسطة طائرة، وهو ما دفع أنصار المعزول الذين وقعوا فى حالة ارتباك ليلة يوم المحاكمة بسبب إعلان تعيير مقر المحاكمة من معهد أمناء الشرطة بطرة إلى أكاديمية الشرطة، للانطلاق فى مسيرات لمقر المحاكمة فى محاولة لتعطيل المحاكمة، إلا أنه عدد قليل من أنصار الرئيس السابق هو الذى تمكن من الوصول لمقر المحاكمة، فيما احتشد عدد من الإخوان أمام مقر المحكمة الدستورية  بالمعادي، قاطعين طريق الكورنيش، وكذلك أمام دار القضاء العالي، وأمام مسجد الفتح، وداخل جامعة القاهرة.

وكثفت مروحيات الجيش والشرطة من تحليقها فى سماء محيط أكاديمية الشرطة لتأمين المحاكمة مرسى، وانتشر أفراد أمن على أسطح الفيلات المجاورة لأكاديمية الشرطة، ومنعت قوات الأمن تواجد الإعلاميين بمحيط أكاديمية الشرطة دون تصريح، وتعرض عدد من الإعلاميين للاعتداء من قبل أنصار الرئيس المعزول، وكان أبرز المعتدى عليهم مراسلة قناة الحياة، وطاقم قناة «العربية»، و»سكاى نيوز عربية»، وطاقم التلفزيون المصري

ولاقت المحاكمة اهتمام إعلامى غربى كبير، حيث وصفت وكالة رويترز للأنباء بأنها اختبارًا للديمقراطية فى مصر، فيما قالت الإذاعة الأمريكية إنها ستؤجج لهيب الأزمة السياسية فى مصر، واعتبرتها وكالة «أسوشتدبرس» الإخبارية، بأنها محفوفة بالمخاطر، مشيرة إلى أن تغيير مقر المحاكمة جاء لإحباط مظاهرات جماعة الإخوان المسلمين تعطيل المحاكمة، فيما سخر مستخدمو  موقعى التواصل الاجتماعى «فيس بوك» و»تويتر» من تزامن محاكمة المعزول مع عيد الحب المصري، حيث قال نشطاء: «مرسى قعد يقول بالحب بالحب لحد ما اتحاكم فى عيد الحب»

 

استراحة حتى 8 يناير وبداية ليوميات مرسى فى سجن برج العرب

فى النهاية، قررت المحكمة برئاسة المستشار أحمد صبرى يوسف تأجيل محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسى وقيادات الإخوان المتهمين فى القضية لجلسة 8 يناير المقبل للاطلاع.

كان مرسى خلال الجلسة  قد قام بتقديم العزاء للقيادى الإخوانى محمد البلتاجي، فى وفاة نجلته أسماء، التى لاقت مصرعها خلال عملية فض اعتصام ميدان رابعة العدوية

عقب انتهاء الجلسة وقرار المحكمة بالتأجيل، قامت طائرة مروحية بنقل الرئيس المعزول محمد مرسى إلى سجون برج العرب بالإسكندرية، وقالت مصادر أمنية إن هذا السجن له طبيعة تأمينية خاصة، وتم وضع مرسى فى السجن العمومى بغرفة منفردة، وبدأ يدرك أنه فى السجن رغم تهديداته لحراس السجن بأنه رئيس مصر الشرعى وأن هذه الفوضى ستنتهى تماما كما فعل قبل 25 يناير عندما تم القبض عليه بتهمة التخابر مع حماس  .. السجن الذى يقبع فيه مرسى إلى جوار صبحى صالح  يقع فى منطقة بعيدة عن السكان محاطة بتلال تسطير عليها القوات المسلحة، وأن المدخل والأسوار لهذا السجن مؤمنة حديثا، وبداخل هذه الأسوار عدة سجون أبرزها الليمان والعمومى، بالإضافة إلى وجود عنابر أخرى، ومستشفى ومطبخ كبير، وملاعب كرة ومنطقة للإعدام.

كان الرئيس المعزول محمد مرسى قبل دخوله الزنزانة  دخل مستشفى سجن برج العرب لإجراء الفحوصات الطبية، وذلك يعد إجراءً قانونياً طبقاً للوائح والقوانين الخاصة بمصلحة السجون.

 

بدلة مرسى وإشارة رابعة من عجائب المحاكمة

وفى تمام الثامنة والنصف، بدأ أعضاء هيئة الدفاع عن الرئيس المخلوع فى التوافد على مقر الأكديمية، وكان محمد الدماطي، وكيل نقابة المحامين، أول المحامين المدافعين عن مرسى وصولا، ثم خالد أبو بكر، ثم الدكتور محمد سليم العوا، ومحاميين آخرين، وبعد مرور ما يزيد عن ساعتين،  دخل قاعة المحكمة بأكاديمية الشرطة، جميع المتهمين، مرتدين الملابس البيضاء، باستثناء الرئيس المعزول محمد مرسى، ورئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق، أسعد الشيخة، حيث ظهر الأول مرتديا بدلة كحلى اللون أحكم غلق زرارها فور نزوله من الميكروباص وكأنه ذاهب لاجتماع رسمى كرئيس لا كمتهم سيقف أمام منصة العدالة ، فيما ظهر الثانى مرتديا ملابس «كاجوال»،  ولم يلتزما بارتداء ملابس الحبس الاحتياطى البيضاء، فاضطرت هيئة المحكمة برئاسة المستشار أحمد صبرى يوسف، إلى رفع الجلسة بسبب إصرار مرسى على عدم ارتداء زى الحبس الاحتياطي، وشدد القاضى على ضرورة ارتداء جميع المتهمين للزى الخاص بالحبس الاحتياطي، فضلاً عن حدوث مشادات بين المتهمين ومدعى الحق المدني، إلا أن المعزول أصر على عدم ارتداء زى الحبس الاحتياطي، وقال للقاضى «أنا الدكتور محمد مرسي»، فقام أحمد عبد العاطي، مدير مكتبه، بتلقينه :» قل أنا الرئيس»، فأخذ مرسى يردد «أنا الرئيس الشرعي.. أنا الرئيس الشرعي» لعدة مرات قدرها البعض بالعشرات فى عدم مداخلات

وبعد أن استأنفت المحكمة جلستها، تلا المستشار إبراهيم صالح، المحامى العام الأول لنيابات غرب القاهرة، أمر الإحالة الخاص بالمتهمين، الذين أنكروا جميعا ارتكابهم الاتهامات الواردة فى أمر الإحالة، وقال الرئيس المعزول عند توجيه الاتهامات إليه : «أنا رئيس الجمهورية وسلطة المحكمة لا تسرى على، ومحاكمتى حددها الدستور»، مضيفا أنه يحذر الجميع بكل حب أن لا يكونوا غطاءً لذلك - يقصد ما يسميه بالانقلاب- .

واستمعت المحكمة بعد ذلك، إلى طلبات المدعين بالحق المدنى، وعلى رأسهم خالد أبو جريشة المحامى الحاضر عن والد الشهيد الحسينى أبو ضيف، الذى شدد أمام المحكمة عن المعاناة التى عانوا منها أثناء دخولهم إلى قاعة المحكمة، وطلب فض الأحراز، فيما طلب سيد أبو زيد محامى نقابة الصحفيين الانضمام إلى النيابة فى توقيع العقوبة على المتهمين وسرعة الفصل فى القضية.

ثم استمعت المحكمة إلى طلبات الدفاع المتهمين، والذين طلبوا تأجيل نظر القضية للاطلاع على أوراق القضية، والسماح لهم بمقابلة المتهمين، وقال محمد الدماطى، وكيل نقابة المحامين، إن ن العالم كله يرفض هذه المحاكمة، فيما طلب الدكتور كامل مندور، محامى أحمد عبد العاطى، أجلا واسعا للاطلاع، مشيرا على أن هناك شيوعا فى أمر الإحالة، والتمس إخلاء سبيل جميع المتهمين أو السماح للدفاع بالجلوس معهم.

الإخوان  والمحاكمة

وتعقيبا على أولى جلسات المحاكمة، قال الموقع الرسمى، لجماعة الإخوان المسلمين «المحظورة»، إن الرئيس السابق محمد مرسى، رفض التوقيع على أوراق إجراءات المحاكمة، لعدم اعترافه بهيئة المحكمة، مؤكدًا أنه سيترافع عن نفسه، وأكدت جماعة الإخوان أن «مرسي» قدم رمزا للصمود خلال الجلسة، ودعت الجماعة والتحالف الداعم لها للتظاهر والخروج فى مسيرات رافضة للقرار.

وعلى خلفية القرار، وقعت بعض أعمال العنف والاشتباكات من قبل جماعة الإخوان المسلمين، وذلك أمام دار القضاء العالي، وأمام مسجد الفتح، وبجامعة القاهرة، حيث أحبط أفراد الأمن الإدارى بالجامعة مخطط طلاب الإخوان، للتظاهر بميدان النهضة.. وفى المنصورة وقعت اشتباكات بين الإخوان من جانب والأمن وأهالى من جانب آخر، وأطلقت قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع، ورد أعضاء المحظورة بإلقاء الحجارة وإطلاق الشماريخ والصواريخ؛ فيما قام عدد من أهالى شارع أحمد ماهر بإلقاء المياه على أعضاء المحظورة، وترديد هتافات مؤيدة للجيش والشرط..  وفى الفيوم شهد محيط مسجد الشبان المسلمين بالفيوم حالة من الكر والفر بين الأمن وعناصر من جماعة الإخوان المحظورة، والذين دخلوا فى مشادات كلامية مع الأهالى أثناء مسيرتهم أمام المسجد، واستخدم رجال الشرطة الغازات المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين، خوفًا من تحول المشادات إلى اشتباكات عنيفة، قد تنجم عنها خسائر كبيرة ، لكن المشهد برمته أنتهى إلى عدد محدود من الإصابات ورئيس فى الزنزانة.