«صائد الهاكرز»: استنساخ EUV ضربة موجعة لهيمنة الغرب في صناعة الرقائق

لم يعد الصراع على الرقائق الإلكترونية مجرد سباق تكنولوجي بين شركات عابرة للحدود، بل تحوّل إلى ساحة مواجهة مباشرة بين القوى الكبرى. استنساخ الصين لآلة الطباعة الضوئية فائقة التطور EUV لا يمكن اعتباره إنجازًا هندسيًا فقط، بل ضربة مباشرة لاحتكار غربي دام عقودًا، وسقوطًا لأخطر «عنق زجاجة» استخدمته الولايات المتحدة وحلفاؤها كسلاح سياسي واقتصادي في وجه بكين. نحن أمام زلزال تكنولوجي تتجاوز ارتداداته حدود الصين وأمريكا، ليطرح سؤالًا جوهريًا على دول مثل مصر: كيف نتحرك في عالم يعاد تشكيله بالقوة الرقمية، ومن يملك الرقاقة يملك القرار؟
يقول الدكتور وليد حجاج، خبير أمن المعلومات والملقب إعلامياً بصائد الهاكرز إن ما يُثار حول نجاح الصين في كسر احتكار تكنولوجيا الرقائق المتقدمة، وعلى رأسها آلات الطباعة الضوئية فائقة التطور EUV، لا يجب النظر إليه كخبر تقني فقط، بل كتحول استراتيجي له تأثير مباشر على الأمن القومي والاقتصاد الرقمي العالمي، ومن ضمنه مصر. ويوضح أن هذا التطور يمنح الدول، ومنها مصر، تنوعًا في الخيارات الاستراتيجية بدل الاعتماد الكامل على مصدر واحد للتكنولوجيا.
ويضيف «حجاج» أن مصر تعتمد حاليًا بدرجة كبيرة على التكنولوجيا الغربية في بنيتها التحتية الرقمية، سواء في مراكز البيانات أو الشبكات الذكية أو أنظمة التحول الرقمي، وظهور بديل صيني قوي في مجال الرقائق يفتح مساحة تفاوض أوسع أمام الدولة المصرية عند تنفيذ مشروعات كبرى مثل المدن الذكية ومراكز البيانات القومية، ما ينعكس على الأسعار وشروط التعاقد ونقل التكنولوجيا.
ويؤكد خبير أمن المعلومات أن العلاقات المصرية-الصينية تشهد تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، سواء على مستوى التجارة أو التعاون التكنولوجي والبنية التحتية، خاصة في العاصمة الإدارية الجديدة. ويشير إلى أن نجاح الصين في امتلاك تكنولوجيا تصنيع الرقائق المتقدمة يضمن لمصر استمرار تدفق التكنولوجيا وعدم تعرضها لاختناقات مفاجئة في حال حدوث أزمات أو توترات سياسية في سلاسل التوريد الغربية.
ويتابع «صائد الهاكرز» أن دخول الصين بقوة إلى سوق الرقائق سيؤدي بطبيعته إلى خفض متوسط التكلفة العالمية، كما حدث سابقًا في قطاعات مثل الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية، وهو ما سينعكس إيجابيًا على السوق المصري من خلال تراجع أسعار الهواتف المحمولة وأجهزة الحاسب والمنازل الذكية، إلى جانب تحقيق قدر أكبر من الاستقرار في قطاع السيارات الذي عانى سابقًا من نقص وحدات التحكم الإلكترونية.
وفي المقابل، يحذر الدكتور وليد حجاج من مخاطر العقوبات الثانوية أو القيود التي قد تفرضها بعض الدول الغربية على استخدام التكنولوجيا الصينية المتقدمة، مؤكدًا أن هذا الأمر يتطلب إدارة ذكية ومتوازنة للملف، بحيث تستفيد مصر من تنويع مصادر التكنولوجيا دون الوقوع في دائرة ضغوط سياسية أو اقتصادية.
وعن فرص مصر في هذه المعادلة، يرى «حجاج» أن البلاد تمتلك فرصة واقعية وقوية للدخول في سلاسل القيمة العالمية لأشباه الموصلات، خاصة في مراحل التجميع والاختبار والتغليف، وهي مراحل كثيفة العمالة ولا تتطلب نفس التعقيد أو التكلفة الضخمة لتصنيع الرقائق نفسها. ويشير إلى أن الموقع الجغرافي لمصر وقناة السويس والمنطقة الاقتصادية تمثل عناصر جذب حقيقية لتحويلها إلى مركز لوجستي إقليمي يخدم أوروبا والشرق الأوسط.
ويؤكد أن العامل البشري المصري يمثل ميزة تنافسية حقيقية، في ظل توافر خريجي هندسة الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات بتكلفة أقل مقارنة بالأسواق الأوروبية والآسيوية، ما يشجع شركات التصميم العالمية على إنشاء مراكز بحث وتطوير داخل مصر.
ويختتم الدكتور وليد حجاج تصريحاته بالتشديد على ضرورة وجود استراتيجية وطنية واضحة لأشباه الموصلات، معتبرًا أن الرقاقة أصبحت عنصرًا أساسيًا في كل مفاصل الدولة، من بطاقات الهوية الذكية وشبكات الكهرباء إلى الأنظمة الأمنية والعسكرية. ويؤكد أن الاعتماد الكامل على الاستيراد يمثل انكشافًا استراتيجيًا خطيرًا، وأن تحقيق أهداف رؤية مصر 2030 في التحول الرقمي يتطلب تأمين الحد الأدنى من سلاسل إمداد التكنولوجيا، قبل أن تسبقنا دول إقليمية أخرى قطعت بالفعل شوطًا كبيرًا في هذا الملف.

