النهار
جريدة النهار المصرية

تقارير ومتابعات

انفجار هايلي غوبي .. عضو البرلمان العالمي للبيئة يشرح دلالات صحوة البركان النائم

عضو البرلمان العالمي للبيئة
أهلة خليفة -

وصف دكتور وفيق نصير عضو البرلمان العالمي للبيئة لحظة انفجار بركان غوبي، كأنها مشهد من فيلم خيال علمي، انفجر بركان "هايلي غوبي" في شمال شرق إثيوبيا يوم الأحد الماضي، 24 نوفمبر 2025، لأول مرة منذ ما لا يقل عن 12 ألف عام من السكون العميق. هذا الحدث الدراماتيكي، الذي أرسل سحابات من الرماد والدخان شرقًا عبر البحر الأحمر، يذكرنا بقوة الطبيعة الجامحة وقدرتها على إعادة تشكيل عالمنا في غمضة عين. كعضو في البرلمان العالمي للبيئة، أرى في هذا الانفجار ليس مجرد كارثة طبيعية، بل إشارة حمراء إلى التوازن الهش لكوكبنا، ودعوة ماسة لإعادة التفكير في علاقتنا بالأرض.

يقع بركان هايلي غوبي في منطقة أفار الإثيوبية، وهي جزء من "الصدع الأفريقي الكبير" – ذلك الشق الجيولوجي الذي يفصل بين الصفيحتين العربية والأفريقية ببطء لا يُرى بالعين المجردة. لماذا استيقظ هذا "التنين النائم" بعد ١٢ ألف سنه؟ يفسر الخبراء الأمر هذا النشاط بتراكم الضغط البركاني تحت السطح على مدى قرون، ناتج عن حركة الصفائح التكتونية في هذه المنطقة النشطة جيولوجيًا. وفقًا لبرنامج البراكين العالمي التابع لمعهد سميثسونيان، لم يُسجل أي نشاط لهذا البركان خلال العصر الهولوسيني، الذي بدأ قبل حوالي 12 ألف عام، مما يجعل هذا الانفجار حدثًا تاريخيًا نادرًا. الرماد البركاني الذي ارتفع إلى ارتفاعات تصل إلى 9 كيلومترات أدى إلى إغلاق مسارات طيران في المنطقة، وانتشر شرقًا نحو اليمن وعُمان، بل وحتى الهند، حيث أثر على عمليات الرحلات الجوية.

أما عن التأثيرات البيئية، فهي متعددة الأبعاد وتذكرنا بكيفية تداخل البراكين في نظامنا البيئي العالمي. أولاً، الرماد البركاني غطى قرى إثيوبية عديدة، مما أدى إلى نقص في المراعي للحيوانات وتهديد للزراعة المحلية، رغم عدم تسجيل خسائر بشرية أو حيوانية حتى الآن.

ثانيًا، انبعاث ثاني أكسيد الكبريت من البركان، الذي رصدته الأقمار الصناعية وصولًا إلى الهند، يشكل خطرًا على جودة الهواء ويؤثر على المناخ العالمي من خلال تشكيل "شتاء بركاني" مؤقت، حيث يعكس الغازات الشمس ويخفض درجات الحرارة مؤقتًا. هذا الرماد، المكون من شظايا زجاجية ومواد سامة، يهدد الطيور والحيوانات البرية، ويلوث المياه السطحية، مما يعزز من الضغط على النظم البيئية البالغة الهشاشة في القارة الأفريقية. في البرلمان العالمي للبيئة، نرى في مثل هذه الأحداث فرصة لتعزيز الرصد الدولي للبراكين، لأن تأثيرها لا يقتصر على حدود الدولة المضيفة.

ولكن، هل يمكن أن يكون تلوث البيئة نفسه – ذلك الوحش الذي صنعناه بأيدينا – له دور في إيقاظ هذه الوحوش الطبيعية؟ هذا السؤال يثير جدلاً علميًا حادًا. على الرغم من أن حركة الصفائح التكتونية هي عملية جيولوجية بطيئة تعتمد على قوى داخلية للأرض، إلا أن بعض الدراسات تشير إلى روابط غير مباشرة بين التغير المناخي الناتج عن التلوث ونشاط الزلازل أو البراكين. على سبيل المثال، ذوبان الجليد بسبب الاحتباس الحراري يغير توزيع الوزن على القشرة الأرضية، مما قد يزيد من الضغط على الصدوع. كما أن تغيرات مستويات المياه السطحية، الناتجة عن الجفاف أو الفيضانات الشديدة بفعل الاحتباس الحراري، قد تؤثر على الضغط الهيدروليكي تحت الأرض، مساهمة في تحريك الصفائح بطرق غير متوقعة. ومع ذلك، لا يوجد دليل قاطع يربط التلوث المباشر – مثل انبعاثات الكربون أو النفايات الصناعية – بحركة الصفائح التكتونية، التي تستمر بمعدلات سنتيمترات سنويًا. في رأيي، هذا الانفجار يدعونا إلى دراسات أعمق حول كيفية تفاقم أنشطتنا البشرية للكوارث الطبيعية، لا إلى إنكار دور الطبيعة الأساسي.

أخيرًا، هل يمتد شبح هذا البركان إلى مصر ؟ لحسن الحظ، الإجابة هي "لا" حتى الآن. أكدت السلطات المصرية أن الرماد البركاني لن يصل إلى الأراضي المصرية، ولا يشكل أي خطر إشعاعي أو بيئي مباشر، بفضل اتجاه الرياح الشمالي الشرقي الذي يحمل السحابة بعيدًا عننا. ومع ذلك، في عالم مترابط، يبقى التهديد غير المباشر: اضطرابات الطيران الدولية قد تؤثر على السياحة والتجارة، وأي تغيرات مناخية طويلة الأمد قد تعزز من الجفاف في حوض النيل. ونحن كمصريين، يجب أن نستغل هذه الفرصة لتعزيز التعاون الإقليمي في مواجهة الكوارث البيئية.

في الختام، انفجار هايلي غوبي ليس نهاية العالم، بل بداية حوار عالمي حول الحفاظ على كوكبنا. دعونا نستيقظ قبل أن تستيقظ البراكين الأخرى. الطبيعة لا تنسى، ولا يجب أن ننسى نحن.