النهار
جريدة النهار المصرية

تقارير ومتابعات

الأزمة الأوكرانية على المحك: أوروبا بين دعم كييف وخطر الانتقام الروسي

أمل الصنافيرى -

في خطوة تُعدّ مفصلية على الساحة الأوروبية والدولية، يتجه الاتحاد الأوروبي نحو اتخاذ قرار تاريخي بشأن كيفية التعامل مع الأصول الروسية المجمدة لدعم أوكرانيا، في ظل تسريبات تتحدث عن مفاوضات سلام سرية بين واشنطن وموسكو قد تغيّر خريطة المنطقة.

القادة الأوروبيون يواجهون اليوم تحديًا مزدوجًا: حماية سيادة أوكرانيا وضمان عدم تجاوز روسيا، مع استغلال الأموال المجمدة بطريقة قانونية وفعّالة تعزز موقف كييف دون إثارة انتقام روسي محتمل.

فما هو موقف الاتحاد الأوروبي من المفاوضات السرّية؟ وكيف توازن بروكسل بين السياسة والاقتصاد والقانون في أكبر أزمة أوروبية منذ الحرب الباردة؟

موقف الاتحاد الأوروبي من المفاوضات السرّية

أكد كبار المسؤولين الأوروبيين رفضهم القاطع لأي مفاوضات سلام تُجرى دون إشراك أوكرانيا، مشددين على أن مستقبل البلاد يجب أن يُبنى بالتشاور مع كييف، لا خلف ظهورها.

وقد أعرب الاتحاد الأوروبي عن استياءه من التقارير التي تتحدث عن خطة سلام سرّية بين واشنطن وموسكو، خاصة إذا تضمنت تنازلات إقليمية جوهرية لأوكرانيا.

كما أعرب بعض القادة الأوروبيين عن تشكّكهم في النوايا الروسية الحقيقية، معتبرين أن موسكو ربما تحاول استغلال الأصول المجمدة لتحقيق مكاسب اقتصادية دون تقديم تنازلات أمنية ذات مغزى.

في المقابل، شدد الاتحاد الأوروبي على دعمه لـ سلام عادل ودائم يستند إلى موافقة أوكرانيا والشركاء الأوروبيين، وليس على حلول تُفرض من الخارج على حساب سيادة الدولة الأوكرانية.

ما وراء الأصول الروسية المجمدة

بعد تجميد نحو 200 مليار يورو من أصول البنك المركزي الروسي داخل الاتحاد الأوروبي عقب الغزو الروسي 2022، يعمل التكتل الأوروبي على خطة لاقتراض مبلغ يصل إلى 140 مليار يورو لصالح أوكرانيا، معتمدين على هذه الأصول الضخمة.

وتظهر الخطة المقترحة أن هذه الأموال لا تُصادر، بل ستُستخدم كضمان للقرض، ما يتيح شرعية قانونية ويجنّب التكتل خطر انتهاك ممتلكات سيادية روسية.

وفق الاقتراح، يتم تحويل النقد من Euroclear (المؤسسة التي تحتفظ بالأصول المجمدة في بلجيكا) إلى المفوضية الأوروبية، التي تمنح بدورها القرض لأوكرانيا تدريجيًا، وفق شروط محددة.

وسيُسدَّد القرض فقط بعد أن تدفع روسيا تعويضات للحرب، بحسب آلية مقترحة بين الاتحاد الأوروبي وEuroclear وروسيا.

من جهة أخرى، استخدم الاتحاد الأوروبي بالفعل جزءًا من الفوائد من هذه الأصول لدعم أوكرانيا؛ ففي يوليو 2024، تم تحويل 1.5 مليار يورو من عائدات هذه الأصول إلى كييف.

كما وافق البرلمان الأوروبي على قرض بقيمة تصل إلى 35 مليار يورو مدعوم بالعائدات من هذه الأصول المجمدة.

ثالثًا: خلافات وتحديات داخل الاتحاد الأوروبي

أحد أبرز المعارضين للخطة هو بلجيكا، التي تستضيف معظم الأصول المجمدة عبر Euroclear، والتي تطالب بضمانات قوية من الاتحاد الأوروبي بخصوص المخاطر القانونية والمالية، خشية انتقام روسي أو دعاوى قضائية.

إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، أشار خبر في فاينانشال تايمز إلى أن الاتحاد الأوروبي قد يضطر لدفع فوائد تصل إلى 5.6 مليار يورو سنويًا، كخيار بديل لتمويل أوكرانيا دون استخدام الأصول المجمدة.

واشنطن تدعم الخطة الأوروبية

بحسب تقارير، الولايات المتحدة أبدت دعمًا كاملًا لمبادرة الاتحاد باستخدام الأصول المجمدة كأداة ضغط على موسكو وإنهاء الحرب.

من جانبها، سلطت روسيا تحذيرًا شديد اللهجة، معتبرة أن أي محاولة لاستخدام هذه الأصول بمثابة سرقة قد تدفع موسكو إلى رد مؤلم، ربما عبر إجراءات قانونية أو استهداف أصول الدول التي تتخذ هذا المسار.

رابعًا: المشهد القانوني والدبلوماسي

المقترح الذي تدرسه المفوضية الأوروبية يتضمن بنية قانونية معقّدة تهدف إلى التزام بمبدأ عدم مصادرة السيادة وتحاشي انتهاك حقوق الملكية الدولية، وذلك عبر استخدام العائدات بدلاً من الأصل نفسه.

مع ذلك، تحذر بلدان مثل بلجيكا من مخاطِر مالية في حال لم يُغطَّى القرض أو في حال اضطرت دول الاتحاد لسداد مقابل Euroclear إذا طلبت روسيا أصولها مستقبلاً.

ومن المتوقع أن يُعرض موضوع القرض والمخاطر المترتبة عليه مجدّداً في قمة الاتحاد الأوروبي المرتقبة في ديسمبر، وسط ضغوط سياسية قوية لدعم أوكرانيا دون المساس بالاستقرار المالي والقانوني الأوروبي.

يبدو أن الاتحاد الأوروبي يسعى لتحقيق توازن صعب بين دعم أوكرانيا ماليًا وعسكريًا، من جهة، والحفاظ على مبادئ قانونية دولية من جهة أخرى، عبر مبادرة طموحة لإعادة استخدام الأصول الروسية المجمدة، لكن طريق هذه الخطة محفوفة بالتحديات من خلافات داخلية قوية، إلى تهديدات روسية، وتساؤلات قانونية حول ما يُعدّ استخدامًا مشروعًا لتلك الأصول.