1.2 مليار جنيه استثمارات…. القاضي حاتم جعفر يكشف لـ «النهار» حقيقة المحاكم الإلكترونية في مصر

1.2 مليار جنيه استثمارات في مشروع المحاكم الإلكترونية، وقرابة 9 ملايين مواطن مسجل على منصة مصر الرقمية، بينما لا يتجاوز عدد الخدمات القضائية الفعلية 182 خدمة فقط. في المقابل، ما زالت نسبة الأمية الرقمية عند حدود 25%، فيما ارتفعت الهجمات السيبرانية عالميًا بنسبة 30%، لتضع المنظومة الناشئة أمام اختبار صعب: كيف تتحول هذه الأرقام من دعاية على الورق إلى عدالة رقمية حقيقية؟
بهذه الأسئلة تبدأ جريدة النهار حوارها مع القاضي حاتم جعفر، الرئيس بمحاكم الاستئناف، وخبير الأمن السيبراني والتحول الرقمي بالمركز العربي للبحوث القانونية والقضائية، الذي يضع النقاط فوق الحروف بشأن واقع العدالة الرقمية في مصر.
-استثمارات تجاوزت 1.2 مليار جنيه.. هل العائد يوازي هذا الإنفاق؟
القاضي حاتم جعفر: لا يمكن قياس العائد فقط بالأرقام. الهدف هو تحسين كفاءة العدالة، تسريع الفصل في القضايا، وخفض التكاليف، إضافة إلى زيادة الشفافية. لكن غياب مؤشرات أداء دقيقة يجعل من الصعب تقييم الأثر الحقيقي لكل جنيه تم إنفاقه.
- يقال إن 20 محكمة تم ربطها إلكترونيًا.. هل هذا يكفي؟
القاضي: هذا الرقم أولي جدًا. الربط موجود بالفعل بين المحاكم الاقتصادية ومركز المعلومات القضائي، لكن الربط مع منصة مصر الرقمية ما زال محدودًا. مصر دولة كبيرة، وتعميم المنظومة يحتاج خطة تدريجية واسعة تشمل الجنائية والمدنية أيضًا.
- الإعلان الرسمي تحدث عن حوالي 200 خدمة.. لكن ما الرقم الحقيقي؟
القاضي: الواقع أن العدد يتراوح بين 170 و182 خدمة فقط، وليست كلها قضائية. هناك مبالغة واضحة في الأرقام، والتحدي الحقيقي ليس في الكم بل في مدى استخدام المواطنين لهذه الخدمات.
-أكثر من 9 ملايين مسجل على المنصة.. هل يعكس ذلك إقبالًا حقيقيًا؟
القاضي: التسجيل لا يكفي، الأهم هو عدد المستخدمين النشطين وعدد المعاملات المُنجزة فعليًا، يجب أن نفرق بين «المسجل»، و«النشط»، و«المستفيد» حتى نعرف حجم الإقبال الحقيقي.
-هناك حديث عن 300 جلسة عن بُعد فقط.. ما حقيقة ذلك؟
القاضي: الحقيقة أن العدد أكبر بكثير، فقد عُقدت عشرات الآلاف من الجلسات إذا احتسبنا جلسات تجديد الحبس. التجربة ناجحة في تقليل النفقات وتسريع الإجراءات، لكنها تحتاج لتعديلات تشريعية عاجلة حتى لا تكون عرضة للطعن.
-نسبة الأمية الرقمية في مصر تتجاوز 25%.. هل يشكل هذا عائقًا؟
القاضي: بالطبع، الأمية الرقمية تعني أن ربع المواطنين تقريبًا خارج الخدمة، الحل يكمن في التمكين الرقمي، تبسيط الخدمات، وإنشاء مراكز مساعدة مثل مكاتب البريد المطورة حتى لا يُحرم أي مواطن من العدالة.
- مع زيادة الهجمات الإلكترونية عالميًا بنسبة 30%.. كيف نحمي بيانات القضايا؟
القاضي: حماية البيانات أكبر تحدٍ. نحن بحاجة لتشفير كامل، إدارة صارمة للصلاحيات، أنظمة مراقبة دائمة، نسخ احتياطية مؤمنة، واختبارات اختراق دورية، مصر خطت خطوات مهمة بافتتاح مراكز بيانات وطنية، لكن الحماية يجب أن تتطور باستمرار مع حجم التهديدات.
في ختام الحوار، يؤكد القاضي حاتم جعفر أن مشروع العدالة الرقمية في مصر «ليس رفاهية، بل ضرورة حتمية»، موضحًا أن نجاحه مرهون بثلاثة عناصر متكاملة: تطوير البنية التكنولوجية، تحديث التشريعات، وتمكين المواطن رقميًا، ويرى أن الطريق ما زال طويلًا، لكن ما تحقق حتى الآن يضع مصر على خريطة الدول الساعية لبناء قضاء عصري أكثر كفاءة وشفافية وأمانًا.
رغم تضارب الأرقام حول استثمارات المحاكم الإلكترونية، تكشف البيانات الرسمية تخصيص 530.9 مليون جنيه لميكنة وزارتي العدل والداخلية ضمن خطة 2024/2025، بينما تشير تقديرات غير رسمية إلى إنفاق يقارب 10 مليارات جنيه منذ 2019 مع خطط لبلوغ 20 مليارًا بحلول 2030. أما رقم 1.2 مليار جنيه المتداول فلا يوجد له تأكيد رسمي حتى الآن.