النهار
جريدة النهار المصرية

تقارير ومتابعات

النزوح من غزة.. فاتورة تدفع من دماء الأبرياء

النزوح من غزة
محمد إبراهيم -

في قلب المأساة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة، تتجسد معاناة النزوح كواحدة من أقسى صور الألم اليومي لسكان القطاع المكلوم، فقد تحولت شوارع مدينة غزة وأحياؤها المدمرة إلى مسرح طويل لقوافل بشرية تسير على الأقدام أو بعربات بدائية، تحمل ما تبقى من متاعها، بحثا عن مأوى آمن في جنوب القطاع، رغم علمهم أن لا مكان في غزة آمنا بالفعل.

2500 دولار للنزوح من مدينة غزة

من الناحية الإنسانية، يواجه النازحون في مدينة غزة ظروفا بالغة القسوة، إذ يتكبد النازحون تكاليف باهظة عند نزوحهم قسرا إلى مناطق وسط وجنوب القطاع، حيث يبلغ متوسط تكاليف الانتقال من مدينة غزة إلى جنوب القطاع نحو قرابة 2500 دولار، وهو مبلغ يصعب توفيره في ظل انقطاع مصادر الدخل والمساعدات الإنسانية، كما تبلغ تكلفة السيارة الواحدة التي تنقل العائلة مع بعض الأمتعة الأساسية نحو 1200 دولار.

1200 دولار للخيمة الواحدة

ورغم الفقر المدقع والمجاعة في القطاع، يبلغ سعر الخيمة الواحدة نحو 1200 دولار وسط ارتفاع كبير لأسعار المواد الأساسية وتراجع المعونات الإنسانية، كما يجبر النازحون كذلك على استئجار أراض خاصة لنصب خيامهم، حيث يتراوح إيجار قطعة الأرض الصغيرة نحو 300 دولار، وقد لجأ معظم النازحين إلى بيع أثاث منازلهم لتأمين تكاليف النزوح القسري.

الموت أو النزوح

هذه ليست المأساة الوحيدة، لأن الكارثة الحقيقية تكمن في أن مئات الآلاف من سكان مدينة غزة ما زالوا عالقين لأنهم غير قادرين على تأمين كلفة النزوح، مما يعرضهم للخطر في حال تصعيد العمليات العسكرية أو توسيع نطاق التهجير.

تشكيل خريطة ديموجرافية القطاع

على الصعيد السياسي، فإن إسرائيل تسعى من خلال دفع السكان نحو الجنوب إلى إعادة تشكيل الخريطة الديموجرافية للقطاع، في محاولة لفرض وقائع جديدة على الأرض، بما يعكس سيناريوهات تهجير قسري لطالما حذرت منها مصر ومن قبلها الضمير الإنساني، وهو لن يلغي حق العودة ولا سيادة الفلسطينيين على أرضهم.

عجز دولي لتوفير الحماية لسكان غزة

دوليا، ورغم إدانات متفرقة ومطالبات بوقف نزوح سكان مدينة غزة، لا يزال الموقف الدولي عاجزا عن توفير حماية حقيقية للنازحين، ويبدو أن التوازنات السياسية والمصالح الاستراتيجية، خصوصا الدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل، تعرقل أي تحرك جاد لوقف الكارثة.

سجن مفتوح تحاصره النيران

هذا النزوح الجماعي كشف مرة أخرى هشاشة الوضع الإنساني في غزة، حيث أضحى القطاع سجنا مفتوحا تحاصره النيران من كل جانب، ورغم مناشدات المجتمع الدولي بوقف استهداف المدنيين، تستمر إسرائيل في عملياتها العسكرية، ما يجعل الطريق نحو الجنوب مجرد رحلة أخرى من الألم، لا ملاذًا من الموت.

في غزة، لا ينتهي النزوح عند حدود الجنوب، ولا تنتهي المعاناة عند خيمة، فكل خطوة يخطوها النازحون تحمل في طياتها خوفا من المجهول، وحنينا إلى بيوت صارت ركاما، وبين صرخات الأطفال وأنين الأمهات، يبقى الأمل ضعيفا لكنه حاضر، أمل في يوم يعود فيه الفلسطيني إلى بيته، بلا حصار ولا قصف، ليكتب فصلا جديدا من الصمود فوق أرضه، رغم أنف الحرب والتهجير.