النهار
جريدة النهار المصرية

تقارير ومتابعات

مقار الدولة الشاغرة في قبضة ”الصندوق السيادي”.. خريطة استثمارية جديدة تتشكل

روجينا فتح الله -

مع انتقال الوزارات والهيئات الحكومية إلى العاصمة الإدارية الجديدة، أصبحت العديد من المقار الحكومية القديمة في قلب القاهرة والمدن الكبرى شاغرة، ما يفتح بابًا واسعًا للتساؤل حول أفضل سبل استغلالها اقتصاديًا.

ومع تكليف صندوق مصر السيادي بإدارة جزء من هذه الأصول، برز دور الصندوق كأداة استراتيجية لتعظيم العائد من هذه المقار وتحويلها إلى فرص استثمارية تدعم الاقتصاد الوطني.

في هذا السياق، توجهت "النهار" إلى عدد من خبراء الاقتصاد لسؤالهم: كيف يمكن الاستفادة من هذه المقار بما يحقق أعلى عائد اقتصادي؟ وما أهمية الدور الذي يلعبه الصندوق السيادي في إدارة هذه الأصول وتحويلها إلى روافع للتنمية؟

استثمار المقرات..

استعرض مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، الموقف التنفيذي لتسكين المقرات الحكومية التي تم إخلاؤها بعد الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة، حيث تم تكليف صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية بإدارة واستغلال عدد من هذه المقرات، ودراسة نقل ملكية 15 مبنى شاغر تمهيدًا لطرحها للاستثمار، كما تمت الموافقة على استمرار عمل اللجنة المشكّلة بقرار رئيس الوزراء رقم 2684 لسنة 2023 لتسكين الجهات التي لم يتوفر لها مقار بالعاصمة الجديدة، بناءً على دراسات جدوى واحتياجات فعلية، إلى جانب تقييم جدوى إعادة استخدام بعض المباني المُخلاة.

كما وافق المجلس على إصدار كتاب دوري يُلزم جميع الوزارات والجهات الحكومية بتأمين المقرات التي تم إخلاؤها ولم تُسكن بعد، لحين اتخاذ قرار بشأنها، وتمت الإحاطة بموافقة وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية على تخصيص وحدتين بمقر وزارة البيئة السابق بالمعادي لتسكين مركز الاتحاد الإفريقي لإعادة الإعمار والتنمية بعد النزاعات، مع تكليف المركز القومي لبحوث الإسكان والبناء برفع كفاءة المقر تمهيدًا لاستخدامه.

رؤية مستقبلية..

أكد الدكتور محمد البهواشي، الخبير الاقتصادي، أن الدولة تتجه حالياً نحو تعظيم الاستفادة من كافة الموارد الاقتصادية غير المستغلة بالشكل الأمثل، وهو توجه استراتيجي واضح يتجسد في انتقال الوزارات والهيئات إلى العاصمة الإدارية الجديدة، هذا التحول أدى إلى وجود عدد كبير من المقرات الحكومية القديمة في وسط القاهرة ومناطق أخرى أصبحت حالياً غير مستغلة بالشكل الصحيح، مما يمثل فرصة ذهبية لإعادة استثمارها بما يخدم الاقتصاد الوطني.

وأشار "البهواشي"، في تصريحات لـ "جريدة النهار"، إلى أن دخول الصندوق السيادي في إدارة هذه الأصول وتوجيهها نحو الاستغلال الأمثل يضيف قيمة اقتصادية مضافة مهمة، فالصندوق يتمتع بالمرونة والإمكانيات التي تؤهله لتطوير هذه الأصول وتحويلها إلى فرص استثمارية جاذبة، سواء للشركات الأجنبية التي تبحث عن مواقع استراتيجية داخل القاهرة، أو للشركات المحلية التي تسعى إلى توسيع نشاطها، وهو ما يعزز من مكانة هذه المقرات كأصول اقتصادية منتجة بدلاً من أن تبقى مجرد مبانٍ مهجورة.

وأضاف الخبير الاقتصادي أن هذه الخطوة تمثل توافقاً مهماً بين رؤية المستثمرين الذين يحتاجون إلى مرونة أكبر في التعامل، وحاجة الدولة إلى تعظيم مواردها من خلال استغلال الأمثل للأصول غير المستغلة، واعتبر أن هذه المبادرة ستُسهم بشكل فعّال في جذب مزيد من الاستثمارات إلى السوق المصرية، وتدعم مسار التنمية الاقتصادية بشكل عام، خاصة في ظل التركيز الحكومي على تحديث هيكلة الأصول وتحسين إدارة موارد الدولة.

فرص اقتصادية..

أكد الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، أن الاستفادة الاقتصادية من المقرات الحكومية القديمة التي تم إخلاؤها بعد انتقال الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة، تبدأ أولًا بحصر شامل ودقيق لهذه الأصول وتحديد أهميتها الاستراتيجية، وأشار إلى أن الإدارة الفعالة لهذه المقرات من خلال صندوق مصر السيادي تتطلب وضع آليات واضحة ومنهجية منظمة لإدارتها واستغلالها بأفضل صورة ممكنة.

وأوضح "الشافعي"، في تصريحات لـ"جريدة النهار"، أن هناك فرصًا كبيرة لاستثمار هذه المقرات بطرق متنوعة، منها تحويل بعض المباني إلى منشآت سياحية مثل الفنادق، خاصة المباني الضخمة ذات المواقع المتميزة مثل مبنى وزارة الخارجية على كورنيش النيل، أو استغلال مباني أخرى في مواقع حيوية كالمجمعات الإدارية الشهيرة مثل مجمع التحرير، وأضاف أن هناك أيضًا مساحات وأراضي واسعة تابعة لوزارات مثل الزراعة في مناطق استراتيجية بالقاهرة الكبرى يمكن تحويلها إلى مشروعات تجارية أو استثمارية تدر عوائد مالية كبيرة.

وأشار الخبير إلى أهمية التعاون مع شركات محلية وعالمية متخصصة في إدارة الأصول العقارية، وتفعيل دور بيوت الخبرة لتقديم رؤية متكاملة تضمن تعظيم العائد الاقتصادي من هذه الأصول، واعتبر أن هذا التوجه ليس فقط فرصة لتعزيز موارد الدولة وتحسين المؤشرات الاقتصادية، بل يمثل نقلة نوعية في إدارة أصول الدولة من خلال الاستغلال الأمثل وإعادة توظيفها في مشروعات إنتاجية تساهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية.