هل ينجح الائتلاف الحاكم بإسبانيا في احتواء الأزمات الداخلية والخارجية؟

يمر الائتلاف الحاكم في إسبانيا، بقيادة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، باختبار صعب للغاية في ظل وجود أزمات متعددة داخلياً وخارجياً، كُل منها تتطلب إجابة واضحة ودقيقة إما أن تؤدي إلى استمراره في الحُكم أو إما أن تلقي به بعيداً عن دائرة الحُكم، في ظل تصاعد التيار اليميني وسط استغلال واضح للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
تولى بيدرو سانشيز السلطة منذ عام 2018 ولمدة سبع سنوات، بدعم من حزبه العمال الاشتراكي الإسباني، وحزب سومار اليساري، وأحزاب إقليمية مثل حزب اليسار الجمهوري الكتالوني وحزب جونتس الانفصالي الكتالوني، في مواجهة الكتلة اليمينية المكونة من حزب الشعب المحافظ وحزب فوكس اليميني المتشدد، وفق تحليل مي صلاح، الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.
وفق تحليل «مي» هناك اختلافات أيديولوجية بين الحزب الاشتراكي وحزب سومار اليساري، فالأول أكثر براغماتية، ويحرص على البقاء ضمن الإطار المؤسسي الأوروبي والسياسات الليبرالية الاجتماعية، بينما الثاني أكثر جذرية في مواقفه، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية، وأكثر انفتاحًا على المواقف القومية الإقليمية، ويدافع عن نهج تفاوضي بخطوات ملموسة نحو تقرير المصير.
يواجه «سانشيز» تحديًا كبيرًا يتمثل في إدارة تحالف غير متجانس أيديولوجيًا، بجانب الحفاظ على انسجام الخطاب بين الوزراء داخل حكومته، كما أن حاجته إلى التفاوض الدائم مع شركاء غير مضمونين لتمرير القوانين يضعف من قدرة الحكومة على المبادرة، مع الأخذ في الاعتبار الاستغلال الذي يقوم به التيار اليميني لذلّات وسقطات الحكومة لتقويض شرعيتها.
وكشفت مي صلاح، أن كل هذه الأمور تؤدي إلى وجود تهديدات سياسية، متعددة أولها الفساد الذي يُعد قضية متكررة، إذ واجه رئيس الوزراء اتهامات بالفساد منذ بداية ولايته في 2018، خاصة وأن واحدًا من أسباب وصوله لمنصب رئيس الحكومة جاءت بعد إقصاء حكومة المحافظين السابقة بقيادة ماريانو راخوي، وحجب الثقة عنها بسبب التورط في الفساد.
وبحسب «مي» تلاحق شبهات الفساد «سانشيز» على الصعيد العائلي حيث تخضع زوجته، بيغونيا غوميز، لتحقيقات بشأن استغلال محتمل لنفوذها كزوجة رئيس الوزراء لجذب رعاة لبرنامج ماجستير جامعي كانت تُديره، وهي القضية التي دفعت للتهديد بالاستقالة في أبريل 2024.
ثاني أبرز التهديدات بحسب «مي»، الهجرة، ففي العقدين الأخيرين، أصبحت إسبانيا أكثر من مجرد وجهة عبور إلى القارة الأوروبية، خاصةً للمهاجرين من شمال أفريقيا؛ مما جعل هذا الملف يطفو على سطح التحديات التي تواجه الحكومة الحالية، خاصة بعد الحادثة الأخيرة التي اندلع على إثرها تظاهرات واسعة في البلاد عقب تعرض مواطن إسباني يبلغ من العمر 68 عامًا لاعتداء من قبل ثلاثة أشخاص يُزعم أن أحدهم من مهاجري شمال أفريقيا.
ثالث التهديدات، بحسب الباحثة، الاقتصاد، إذ تواجه إسبانيا تحديات اقتصادية تمس حياة المواطن اليومية، أبرزها التضخم الذي بلغ 2.3% في عام 2025، إلى جانب ارتفاع تكاليف المعيشة، وأزمات الإسكان والرعاية الصحية والمعاشات.
وبشكل عام، وفق مي صلاح، وفي ظل التحديات السابقة، ورغم الهشاشة الظاهرة في الائتلاف الحكومي الحالي، فلا تزال هناك عوامل تدعم استمرار الحكومة الحالية حتى انتخابات 2027، من بينها إدراك أهمية الاستقرار والانضباط المؤسسي كضرورة أوروبية في ظل المتغيرات الحالية، هذا بجانب نجاح «سانشيز» –حتى الآن- في كسب الوقت عبر إدارة التوازنات الدقيقة داخل حكومته وتمرير قوانين حساسة رغم المعارضة والضغوط، وإجراء تغييرات داخلية لتفادي الاستقالة.