ماذا وراء دعوات التظاهر أمام السفارات المصرية في الخارج؟.. توظيف جديد لملف غزة للضغط على مصر

فعل غريب نفذه شاب مصري يُدعى أنس حبيب، مُقيم في هولندا، بقيامه بغلق أبواب السفارة المصرية هناك، احتجاجاً لفتح معبر رفح وإيصال المساعدات إلى قطاع غزة، فبين يوم وليلة أصبح الشاب حديث الساعة، حتى وإن بدا ذلك للبعض عفوياً، خاصة أن الشاب نفسه أكد أنه لا ينتمي لأي تنظيم أو فصيل، وأنه قام بما قام به بدافع الاحتجاج الفردي، إلا أن التزامن في الحراك ليس في لاهاي/ هولندا فقط وإنما حتى في مدن أخرى مثل مونتريال وبيروت وغيرها من المدن».
لم يكن التحرك عفوياً، حسبما أكدت نيرمين سعيد، باحثة أول بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، خاصة بعد أن ظهرت دعوات للتظاهر أمام السفارات المصرية في الخارج، بل هو اتجاه مُنظم ومُمنهج للضغط على الدولة المصرية وتشويه صورتها، مؤكدة أن الآونة الأخيرة تشهد وجود حملة يمكن وصفها بالممنهجة، ضد الدولة المصرية وذلك عن طريق توظيف ملف غزة على الرغم من الدور الكبير الذي قامت ولازالت مصر تقوم به لحفظ حقوق الشعب الفلسطيني سواء في فترات الحرب أو السلم.
في الأول من مارس الماضي، بحسب ما روته «نيرمين» لـ «النهار»، انهار اتفاق الهدنة بين إسرائيل وحماس، ومنذ ذلك التوقيت، تعاملت إسرائيل مع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة بتعنت شديد، بدعوى أن حماس تقوم بالسطو على هذه المساعدات، مما يسمح لها وعناصرها بالاستمرار، وأوضحت القاهرة في مناسبات عديدة أن معبر رفح مغلق من الجانب الفلسطيني بعد أن دمرته إسرائيل وقامت باحتلاله عقب دخولها إلى مدينة رفح الفلسطينية.
رأت نيرمين سعيد، أنه تم توظيف ملف المساعدات إلى قطاع غزة، للضغط على الدولة المصرية، وتشويه صورتها، وإظهارها بأنها تساهم في تجويع الشعب الفلسطيني، وحاولت جماعة الإخوان الإرهابية تمرير عدد من المخططات، للضغط على صانع القرار المصري وترويج الإشاعات بهدف نهائي يتضمن شحن الشارع المصري، وتحريكه لتنفيذ مخططات وأجندات أصبحت معروفة ومفهومة.
وفق ما روته «نيرمين» لـ «النهار»، خرجت قافلة الصمود من تونس، في يونيو من العام الجاري، بهدف كسر الحصار على غزة، والوصول إلى معبر رفح عبر الأراضي المصرية، وهو ما تم التعامل معه عن طريق السلطات الليبية والسلطات المصرية لاحقاً، إلا أن هذه النوعية من الأفكار ، يتم إعادة تدويرها بهدف إحراج الدولة المصرية والضغط عليها، وهو ما نجم عنه التحرك لتنظيم احتجاجات أمام السفارات المصرية في عواصم عدة في العالم، والإقدام على إغلاق مقار السفارات المصرية بالسلاسل والذي كان مقرراً له يوم السبت الماضي 26 يوليو 2025.
وحول الأسباب التي دفعت إلى ظهور هذه الدعوات في الوقت الحالي، قالت مريم صلاح، باحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إن هذه الدعوات ظهرت في الوقت الراهن نتيجة لمحاولات متعمدة لتشويه الدور المصري الإقليمي والدولي، خاصة فيما يتعلق بجهوده المستمرة لاحتواء تطورات الأوضاع في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر وحتى الآن، فقد لعبت مصر دورًا محوريًا على عدة مستويات، سواء من خلال المساعي الدبلوماسية، أو التحركات السياسية، أو الدعم الإنساني، ما يجعل استهداف هذا الدور محاولة لإضعاف تأثيره وتشويهه أمام الرأي العام الإقليمي والدولي.
وأضافت في تصريحات خاصة لـ «النهار»، تهدف هذه الحملات إلى صرف الأنظار عن حقيقة المأساة الإنسانية التي يعيشها سكان قطاع غزة، ومحاولة إبعاد المسؤولية عن المتسبب الوضع القائم، والتي تقع بشكل أساسي على عاتق الاحتلال الإسرائيلي. فبدلاً من التركيز على الانتهاكات المستمرة والمعاناة المتفاقمة التي يتسبب فيها الاحتلال يتم التركيز على شن حملات لتشوية الدور المصري.
وبالنسبة لسياسة مصر في تعاملها مع أبناءها في الخارج، أكدت «مريم»، أن مصر تنتهج سياسة خارجية تقوم على تعزيز روابطها بأبنائها في الخارج، من خلال توفير أوجه الرعاية والدعم كافة، سواء على المستوى القنصلي أو الاجتماعي أو الثقافي، بما يضمن الحفاظ على مصالحهم وأمنهم، كونهم ركيزة أساسية في تعزيز مكانة مصر إقليميًا ودوليًا. وقد أثمرت هذه السياسة في تعزيز وعي الجاليات المصرية بالخارج وتحصينهم ضد أي محاولات للتشكيك في دور مصر الإقليمي والدولي. وقد ظهرت نتائج هذه السياسة بشكل واضح في مواجهة الدعوات المشبوهة التي حاولت تشويه الدور المصري تجاه القضية الفلسطينية. فقد أبدت الجاليات المصرية في أوروبا وغيرها رفضًا قاطعًا لهذه الدعوات، مؤكدة أنها لا تعبر عن إرادة المصريين.
وبشأن الرد المصري على هذه الدعوات، قالت مريم صلاح: «من المعتاد أن مصر كدولة إقليمية كبرى ذات وزن وثقل استراتيجي لا تنجرف وراء مثل هذه الدعوات المشبوهة، وأنها تستمر في أداء دورها التاريخي والمعتاد في حل أزمات المنطقة المختلفة وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي تلعب القاهرة فيها دورًا تاريخيًا يقوم على ثوابت أمنها القومي ويحقق مصلحة الشعب الفلسطيني، ولذلك تستمر القاهرة في مساعيها الرامية إلى إعادة طرح ملف القضية الفلسطينية على طاولة المجتمع الدولي بعد سنوات من الغياب، بهدف وقف الحرب في قطاع غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية، والرفض القاطع لأية محاولات لتهجير الفلسطينيين خارج قطاع غزة، سواء قسريًا أو طوعيًا. والتأكيد المستمر على حق الشعب الفلسطيني على إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967».