النهار
جريدة النهار المصرية

تقارير ومتابعات

من المحلية للعالمية| الدكتور محمد المنسي لـ«النهار»: صادراتنا الزراعية تغزو 165 دولة.. والجودة وتطبيق أعلى معايير الصحة النباتية سر النجاح

الدكتور محمد المنسي رئيس الحجر الزراعي المصري مع أحمد سعيد محرر النهار
احمد سعيد -

منتجاتنا تباع في 165 دولة بـ400 صنف مختلف.. ونستهدف فتح 52 سوقًا جديدًا

نجحنا في فتح السوق الياباني بعد 10 سنوات من التفاوض.. ونصدر له الآن 2500 طن موالح سنويًا

الجودة والسعر والموقع الجغرافي عوامل تميز صادرات مصر الزراعية عالميًا

نطبق أعلى معايير الصحة النباتية.. ونصدر للاتحاد الأوروبي بشهادات إلكترونية بالكامل

مصر الأولى عالميًا في تصدير الفراولة المجمدة.. وتضاعفنا في العنب من 80 إلى 180 ألف طن

نصدر فقط الأصناف المتوافقة مع الملكية الفكرية.. ونتصدى لأي شحنة مخالفة

متوسط الإفراج عن الشحنات الزراعية لا يتجاوز 48 ساعة.. ونسعى للوصول لـ24 ساعة قريبًا

الحجر الزراعي تحول لمنصة دولية معتمدة.. وحصلنا على شهادة ISO 9001 في جودة الإجراءات

في وقت تتزايد فيه التحديات الإقليمية والعالمية، وتشتد فيه المنافسة على الأسواق الدولية، نجح الحجر الزراعي المصري بتوجيهات من القيادة السياسية ودعم كبير من وزير الزراعة علاء فاروق، وتحت قيادة شابة للدكتور محمد المنسي في ترسيخ اسم مصر كقوة زراعية مؤثرة على خريطة التجارة العالمية.

فرغم الأزمات الجيوسياسية، وارتفاع تكاليف النقل وسلاسل الإمداد، حققت مصر قفزات غير مسبوقة في تصدير الحاصلات الزراعية، ونجحت في غزو 165 دولة، بينها أسواق من بين الأصعب عالميًا مثل اليابان ونيوزيلندا.

في هذا الحوار الحصري مع «النهار»، يكشف الدكتور محمد المنسي، رئيس الإدارة المركزية للحجر الزراعي، أسرار هذه الطفرة، وخريطة الأسواق الجديدة، وكيف أصبحت الزراعة المصرية صناعة متكاملة تقوم على التكنولوجيا والحوكمة، لا الزراعة التقليدية، والسر وراء استيراد المنتجات الزراعية المصرية في كل دول قارات العالم.... وإلى نص الحوار:

س: ما الدور الرئيس للحجر الزراعي المصري؟ وما أهميته لحماية الزراعة والبيئة في مصر؟

يتولى الحجر الزراعي المصري مسؤولية الرقابة الكاملة على جميع الصادرات والواردات ذات الأصل النباتي، وهو حائط الصد الأول الذي يحمي البيئة الزراعية من تسلل الآفات والأمراض القادمة من الخارج، كما لا يقتصر دوره على فحص الشحنات فقط، بل يمتد ليشكل صمام أمان للثروة الزراعية في مصر، عبر منع تسرب أي مخاطر محتملة إلى الداخل.

س: أعلنتم أن صادرات مصر الزراعية تخطت 5.8 مليون طن حتى الآن منذ بداية العام الجاري؟ ما أبرز العوامل التي دفعت إلى تحقيق هذا الارتفاع القياسي؟

الصادرات الزراعية تشهد نموًا لافتًا نتيجة تطبيق معايير دقيقة في الفحص والتكويد والمتابعة المستمرة، لكن لا بد من التوقف أمام التحدي الأكبر وهو كيفية التعامل مع آفات لا تُرى بالعين المجردة، أو تظهر في أطوار يصعب ملاحظتها حتى بالخبرة، وهنا تبرز كفاءة الحجر الزراعي، الذي يستعين بطرق وتحاليل علمية متقدمة وإجراءات دقيقة لضمان سلامة كل شحنة، ورغم الأعداد الهائلة التي تصل إلى الموانئ والمطارات المصرية يوميًا، وتلك الآليات تُنفذ وفق منظومة عالمية معترف بها، يشارك فيها نظراء من الحجر الزراعي في الدول الأخرى، ما يضمن تكاملًا وفحصًا مزدوجًا قبل دخول أي منتج إلى الأراضي المصرية.

س: ما أهمية الالتزام بالقوانين والتشريعات العالمية المنظمة لأعمال الحجر الزراعي؟

العمل داخل الحجر الزراعي لا ينفصل عن الإطار الدولي، حيث تنظم "الاتفاقية الدولية لوقاية النبات" كافة الإجراءات المتعلقة بالفحص والمعالجة والمعايير المقبولة دوليًا، ورغم أن لكل دولة سيادتها وتضع تشريعاتها الخاصة، فإن الاتفاقيات الدولية – مثل اتفاقية الصحة والصحة النباتية وغيرهما، كلها المرجع الحاكم في التجارة العالمية للمنتجات الزراعية.

ونحن في مصر، نطبق هذه القواعد بحزم، ونتخذ قرارات القبول أو الرفض استنادًا إليها، خاصة إذا تعلق الأمر بآفات خطيرة كالعفن البني في البطاطس، ورغم وجود المرض محليًا في بعض الأراضي، لا يُسمح مطلقًا بدخول بطاطس مستوردة تحمل نفس البكتيريا، حتى لو كانت مخصصة للتصنيع، حفاظًا على البيئة الزراعية من تفاقم الخطر.

س: ماذا يحدث إذا تبيّن أن إحدى الشحنات المستوردة تحتوي على مشكلة؟

كل شحنة يتم التعامل معها وفق حالتها ومدى مطابقتها للمواصفات، وإذا كانت الشحنة سليمة ومطابقة للمعايير، تُقبل فورًا وتدخل الأراضي المصرية دون عوائق، أما إذا ثبتت إصابتها، فهناك مساران أولهما: إما أن تكون الإصابة غير قابلة للعلاج، وفي هذه الحالة تُرفض الشحنة ويتم إخطار الدولة المصدِّرة رسميًا، وقد يُعاد تصديرها أو تُعدم بوسائل آمنة.

أما إذا كانت الإصابة قابلة للعلاج، فيتم خضوع الشحنة لإجراءات معالجة محددة وفقًا لنوع الإصابة وطبيعتها، سواء بالبخار، أو التبخير، أو الغربلة، وغيرها من الوسائل المعتمدة دوليًا، ويُراعى في كل الأحوال منع انتقال أي آفة أو مرض إلى البيئة المحلية، كما يتم نشر تفاصيل الشحنات المرفوضة على الموقع الرسمي للاتفاقية الدولية لوقاية النبات، في إطار من الشفافية وتبادل المعلومات بين الدول.

س: هل توجد نسبة خطأ في عمليات الكشف الحجري على الشحنات الواردة؟

في عالم الرقابة والفحص، لا وجود لما يُعرف بـ"مخاطر صفرية"، وهناك دائمًا هامش للخطر، لكن يتم التحكّم فيه عبر آلية "تحليل المخاطر"، ونقيّم درجة خطورة كل آفة وفقًا لمعدلات انتشارها وتأثيرها على البيئة المحلية، فإذا كانت نسبة الخطر مرتفعة – كما في حالة العفن البني في البطاطس – يُمنع دخول الشحنة المصابة بشكل قاطع.

أما إذا كانت الإصابة بآفة لا تؤثر بيئيًا أو يمكن علاجها بالكامل - كما في حالة بعض الحشرات التي تصيب الأخشاب ولا تتأقلم مع البيئة المصرية - يتم السماح بدخول الشحنة بعد خضوعها للمعالجة، مثل التبخير بغاز قاتل للآفة بنسبة 100%، والخطأ وارد بطبيعة الحال، لكن الأهم هو حجم الخطر الناتج عنه، ومدى السيطرة عليه، وهنا تتجلى كفاءة المنظومة، في تقليص المخاطر إلى أدنى حد ممكن.

س: هل تعكس مؤشرات النصف الأول من العام الحالي إمكانية تجاوز 10 ملايين طن من الصادرات الزراعية؟

نأمل بالطبع في مضاعفة حجم الصادرات الزراعية، لكن الواقع الجيو سياسي في المنطقة يُلقي بظلاله الثقيلة على حركة التجارة العالمية، والأزمات الممتدة – من النزاعات المسلحة، إلى الاضطرابات في البحر الأحمر، وحتى التوترات بين إيران وإسرائيل – تسببت في اختناقات ضخمة بسلاسل الإمداد، وزيادة هائلة في تكاليف الشحن، وأزمة في الحاويات، وأحيانًا تتجاوز تكلفة النقل قيمة البضاعة نفسها، مما يؤثر سلبًا على حجم وكميات الصادرات.

ورغم تلك التحديات، تمكنّا من تحقيق طفرة حقيقية، منذ عام 2019 تضاعف حجم الصادرات الزراعية تقريبًا، حيث ارتفعت من 4.8 – 5.4 مليون طن إلى 8.6 مليون طن خلال العام الماضي، ونحن نسير في مسار تصاعدي مشهود، ونتمنى أن يستمر هذا الزخم، لكن التنبؤ بالوصول إلى حاجز الـ10 ملايين طن لا يمكن الجزم به حاليًا بسبب العوامل الخارجية المعقدة.

س: كيف نجحتم في تحقيق هذه المعادلة الصعبة زيادة الصادرات في ظل أزمات إقليمية وجيوسياسية خانقة؟

النجاح في وقت الأزمات لم يكن مصادفة، بل نتاج صلابة قطاع الزراعة في مصر، وفي ذروة أزمة كورونا، بينما كانت الأنشطة الإنتاجية تتوقف في أنحاء العالم بالكامل، استمر القطاع الزراعي المصري في العمل بكامل طاقته، ولم تُهجر الأراضي، ولم تتوقف عمليات الري أو الحصاد أو التصدير، وحتى الجهات الرقابية، وعلى رأسها الحجر الزراعي، واصلت أداء دورها في الموانئ والمعابر الحيوية دون انقطاع.

هذا الثبات خلق ثقة عالمية بالمنتج المصري، وفتح لنا أبوابًا في أسواق جديدة، وبالرغم من تداعيات الأزمات الجيوسياسية الأخيرة – من توترات البحر الأحمر إلى تعطل قناة السويس – فإن الزراعة المصرية نجحت في اختراق كل الحواجز، وسجلت أرقامًا إيجابية تعكس مرونة وقدرة هذا القطاع على الصمود والتمدد.

س: ما سر انتشار المنتجات الزراعية المصرية في أكثر من 160 دولة حول العالم؟

الأسباب متعددة، لكن أولها جودة المنتج نفسه، فالطبيعة التي منحها المولى عز وجل لمصر تربة خصبة ومياهًا نقية ومناخًا متوازنًا، فخرجت المنتجات الزراعية بطعم ومواصفات فريدة، يضاف إلى ذلك انخفاض تكلفة اليد العاملة، مما يجعل المنتجات المصرية أكثر تنافسية من حيث السعر.

كما أن العامل الجغرافي أيضًا يلعب دورًا حاسمًا. مصر على تماس مباشر مع أوروبا عبر البحر المتوسط، ما يسهل حركة التصدير ويقلل من زمن وتكلفة النقل، ولكن الأهم من كل ذلك، أن الزراعة في مصر لم تعد نشاطًا تقليديًا، بل تحولت إلى صناعة متكاملة تُدار بأحدث التكنولوجيا العالمية، ويُستثمر فيها برؤية تجارية احترافية، وهذا التحول غير المفهوم السائد عن الزراعة، وجعل منها ركيزة حقيقية للاقتصاد الوطني.

س: هل يمكن القول إن الاستثمار الزراعي في مصر أصبح أكثر أمانًا واستقرارًا؟

بالتأكيد، فلا يقتصر الاستثمار في الزراعة على التصنيع أو التصدير فحسب، بل امتد إلى زراعة الأرض نفسها، وهو ما كان نادرًا في الماضي، وأصبح المستثمر الزراعي اليوم شريكًا رئيسيًا في العملية الإنتاجية، وبدأت الدولة بدورها في توفير مناخ استثماري محفز وآمن.

الدليل الأبرز هو انضمام مصر إلى اتفاقية "اليوبوف" UPOV، والتي تُعد من أهم الاتفاقيات التي تحمي حقوق مربي النباتات والمستثمرين في القطاع الزراعي، والاتفاقية تضمن لكل من يُنتج صنفًا نباتيًا جديدًا أن يحتفظ بحقه فيه، فلا يتم استغلاله أو نسخه دون إذن أو مقابل.

هذه الخطوة عززت من جاذبية السوق الزراعي المصري، وشجعت شركات عالمية ومحلية على الدخول بثقة، سواء في إنتاج التقاوي والشتلات أو في تطوير أصناف جديدة تواكب المعايير العالمية وتلائم الأسواق التصديرية.

س: ما أهمية انضمام مصر إلى اتفاقية "اليوبوف" لحماية حقوق الملكية الفكرية في الزراعة؟

الانضمام لاتفاقية "اليوبوف" شكّل نقطة تحول في مسار الزراعة المصرية، لأنه أرسى مبدأ العدالة في التعامل مع مربي النباتات ومنتجي الأصناف الزراعية، عندما تضمن الدولة للمُربي حقوقه الفكرية في الأصناف الجديدة، فإنها تُحفّزه على تقديم أفضل ما لديه، كما تفتح الباب أمام إدخال أصناف عالمية عالية الجودة والإنتاجية.

الفراولة مثلًا، تجربة مصر مع إحدى الشركات الأمريكية وهي وكيل جامعة فلوريدا، نموذج يُحتذى به، فالأصناف التي جرى استيرادها كانت مطابقة تمامًا للبيئة المصرية، وسرعان ما فرضت نفسها على الأسواق العالمية، حتى أصبحت مصر الأولى عالميًا في تصدير الفراولة المجمدة.

ولابد أن نشير هنا أنه بعدما أثبتنا التزامنا بحماية حقوق المربي، دخلت السوق المصري شركات عالمية أخرى بأصناف مختلفة، مما زاد من التنافسية ووسع قاعدة الأصناف المُتاحة؛ والنتيجة: تفوق ساحق لصادراتنا، حيث بلغت أرقام تصدير الفراولة المجمدة أضعاف الدولة التالية لنا في الترتيب العالمي، وهذا النجاح لم يكن ممكنًا دون احترامنا للملكية الفكرية الزراعية.

س: كيف انعكس هذا الاهتمام بحقوق الملكية على صادرات العنب؟

العنب قصة نجاح أخرى وقبل أعوام كنا نصدر قرابة 80 ألف طن فقط، واليوم تخطينا حاجز 180 ألف طن، وهذا النمو الهائل ارتبط ارتباطًا مباشرًا بإدخال أصناف جديدة متميزة، جاءت بفضل الشراكة مع شركات أجنبية وثقتها ببيئة الاستثمار الزراعي في مصر.

عندما يثق المربي بأن حقوقه محفوظة، يجلب أفضل ما لديه، وتدور عجلة التنافس والإنتاج، والنتيجة النهائية هي منتج عالي الجودة يلقى قبولًا دوليًا واسعًا، مما ينعكس على حجم الصادرات وسمعة الزراعة المصرية عمومًا.

س: هل يمكن القول إن الزراعة في مصر تحوّلت من نشاط تقليدي إلى صناعة متكاملة؟

بلا شك؛ فاليوم الزراعة في مصر تُدار كصناعة حديثة قائمة على التكنولوجيا، وبدأنا من البذور والتقاوي والشتلات، ووسّعنا الاهتمام إلى كل تفصيلة من نظم الري المتطورة، والزراعة داخل البيوت المحمية، والمكافحة المتكاملة للآفات، واستخدام المبيدات وفق المعايير العالمية، وضمان خلو المنتج من أي متبقيات قد تعيق تصديره.

فالخلاصة أن الزراعة لم تعد بمعناها التقليدي، بل استثمار متكامل يعتمد على العلم والتقنية، ويهدف إلى إنتاج محصول قادر على المنافسة في أكثر الأسواق صرامة من حيث الاشتراطات الصحية والجودة.

س: تقليص زمن الإفراج عن الشحنات الزراعية مقارنة بالسنوات السابقة.. ما النجاحات التي تحققت في هذا السياق؟

في السابق، كان متوسط زمن الإفراج الجمركي يصل إلى 16 يومًا. هذا الرقم انخفض تدريجيًا ليصل حاليًا إلى 6 أيام في المتوسط لكافة الواردات، وأما بالنسبة للحجر الزراعي، فقد تحقق إنجاز واضح بتقليص زمن الإفراج عن المنتجات الزراعية إلى 48 ساعة فقط.

والجهود لا تزال مستمرة، وهناك لجنة تم تشكيلها بتكليف من دولة رئيس مجلس الوزراء أتشرف بأنني أحد أعضائها، والتي تعمل حاليًا على خفض المدة إلى يومين فقط لجميع الواردات بحلول نهاية العام، وفيما يخص الحجر الزراعي تحديدًا، هناك توجه لتقليص المدة عن 48 ساعة خلال الشهور المقبلة، بما يعكس كفاءة الإجراءات وسرعة الاستجابة.

س: ما أبرز الأسواق الجديدة التي تم فتحها أمام الحاصلات الزراعية المصرية خلال عام 2025؟

شهد العام 2025 نجاحًا ملموسًا في فتح عدد من الأسواق الجديدة أمام الصادرات الزراعية المصرية، أبرزها السوق البرازيلي أمام شتلات الفراولة، والسوق البنيني أمام الموالح، والسوق الكوستاريكي أمام الليمون والجريب فروت، وهذه الأسواق الجديدة تفتح آفاقًا واعدة للمزارعين والمصدرين المصريين، وتمنح المنتج المصري حضورًا أوسع في قارات مختلفة، بما يعزز من قدرته على المنافسة عالميًا.

س: هل لدى الحجر الزراعي خريطة واضحة للأسواق المستهدفة؟ وما هي الأولويات في فتح منافذ تصدير جديدة؟

التحرك يتم وفق خطة واضحة وتنسيق كامل مع الشركاء الدوليين، وحاليًا، تُجرى إجراءات تبادل الملفات الفنية والتفاوض مع عدة دول، بهدف فتح 52 سوقًا جديدًا خلال الفترة المقبلة، والمسألة لا تتعلق فقط بالدول، بل تتعلق أيضًا بـ"الصنف" الذي يتم تصديره لتلك الدول، فعندما يُفتح باب لتصدير البرتقال إلى الصين، يُعد ذلك "صنفًا لدولة"، وإذا تم لاحقًا السماح بتصدير المانجو لنفس الدولة، يُعتبر ذلك "صنفًا جديدًا" لسوق قائم.

بالتالي، نحن لا نتحدث فقط عن فتح أسواق جديدة كدول، بل عن توسيع القبول لأصناف مختلفة داخل نفس الدولة، وهذا ما يفسر اتساع قاعدة التصدير التي وصلت إلى 400 منتج يتم تصديرهم إلى أكثر من 160 دولة حول العالم.

س: ما هو ردكم على بعض مصدّري شتلات الفراولة الذين يعتبرون رسوم حقوق الملكية الفكرية عبئًا إضافيًا تُفرض عليهم لصالح شركات أجنبية؟

القضية ليست فرض رسوم، بل حماية لحقوق أصيلة لشركات تملك أصنافًا مسجلة عالميًا، وفي حالة الفراولة تحديدًا، الأمر يختلف عن باقي المحاصيل، لأن زراعة الفراولة تُجدد سنويًا، ما يفتح الباب أمام ممارسات غير قانونية تتعلق بالإكثار غير المصرح به.

بعض المنتجين يقومون بإعادة إكثار الشتلات المستوردة دون إذن من صاحب الحق، ويعيدون زراعتها وتصديرها، وهو انتهاك واضح لحقوق الملكية الفكرية، والتعاون مع الشركة صاحبة الأصناف – مثل شركة "إيك لاند"، الممثلة لجامعة فلوريدا – جاء بعد مفاوضات طويلة، تم خلالها الاتفاق على أن الرُسوم تُحصَّل فقط على الشتلات المُخصصة للتصدير، وليس على الشتلات التي تزرع أو يتم تداولها داخل مصر، أي أن المزارع الذي ينتج للسوق المحلي لا يتحمل أي أعباء، بينما المصدّر مطالب بتسوية وضعه القانوني لحماية صادراته، وحماية سمعة مصر عالميًا.

س: لكن ما دور الحجر الزراعي في هذا الملف؟ وهل يملك سلطة قانونية لإلزام المصدرين؟

الحجر الزراعي لا يفرض رسومًا، ولا يتدخل في المعاملات المالية بين المربي والمصدر، لكنه جهة رقابية مسؤولة عن إصدار شهادة الصحة النباتية، وهي وثيقة أساسية لأي شحنة تُصدَّر للخارج، ووفقًا للقرارات الوزارية المنظمة، لا يجوز إصدار شهادة صحة نباتية لأي شحنة غير مطابقة لحقوق الملكية الفكرية.

فالشركة صاحبة الصنف – المربي – لها حق الاعتراض على أي شحنة لا تراعي تلك الحقوق، ولها أن تخطر الدولة المستوردة لإيقاف الشحنة ورفضها، مما يسيء لصورة الصادرات المصرية، ولذلك، يطلب الحجر الزراعي من المصدر فقط ما يُثبت أن شحنته مطابقة لحقوق الملكية، عبر خطاب رسمي من المربي يفيد بأن الشتلات المستخدمة مُرخَّصة وموافق عليها، وأما الشحنات المخالفة، فلا يصدر لها الحجر الزراعي أي شهادة، ولا يُمكنه أن يكون طرفًا في انتهاك قانوني يضر بسمعة الصادرات المصرية أو يعرضها للرفض الدولي.

س: كيف يتعامل الحجر الزراعي مع المكاتب أو الجهات التي تقدم خدمات غير رسمية أو تمارس التلاعب؟

التعامل مع المخالفات يتم بحزم كامل، دون استثناءات، وهناك حالات لشركات لم تلتزم بالتعليمات، ووردت ضدها إخطارات رفض من دول مختلفة، فتم وقف التعامل معها بشكل مؤقت لحين توفيق أوضاعها والتزامها بالضوابط.

كما تم مقاضاة بعض المكاتب التي زوّرت مستندات أو تلاعبت بها، وتمت إحالة المسؤولين عنها إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، وأي شخص يثبت تورطه في تلاعب أو خرق للقانون، يُطبق عليه الجزاء فورًا، حفاظًا على المنظومة وعلى سمعة الصادرات المصرية.

س: ما الجدوى من حصول الحجر الزراعي على شهادة الآيزو؟

الحجر الزراعي ليس مجرد جهة محلية، بل هو المنظمة الوطنية الرسمية لوقاية النبات في مصر، ويمثل الدولة أمام العالم في كل ما يخص صحة النبات، فنحن أعضاء في جميع المنظمات الدولية المختصة، وهذا يفرض علينا الالتزام الكامل بأعلى المعايير.

حصولنا على شهادة ISO 9001 يعني أننا نقدم خدماتنا – سواء في التصدير أو الاستيراد – بجودة موحدة وإجراءات ثابتة في كل مرة، دون تفاوت أو عشوائية، وهذه الشهادة بمثابة ضمان دولي أن الإجراءات المتبعة لدينا تتماشى مع المعايير العالمية، وهو ما يمنح المنتج المصري مزيدًا من الثقة والقبول في الأسواق الدولية، ويدعم جهودنا في فتح أسواق جديدة وزيادة فرص النفاذ.

س: كيف تخططون لإطلاق منصة إلكترونية شاملة لخدمات الحجر الزراعي؟

نعم، ونحن بالفعل نعمل على هذا الملف منذ عام 2018، ورغم أن المشروع واجه بعض التأخيرات لأسباب فنية، إلا أننا قطعنا شوطًا كبيرًا، وفي الوقت الحالي، نحو 50% من الإجراءات تتم إلكترونيًا، ونستهدف الانتهاء الكامل من ميكنة الخدمات قريبًا، لتكون كل مراحل العمل من خلال منصة رقمية واحدة،وهذه الرؤية تتماشى مع التوجه العام للدولة المصرية، ومع متطلبات التصدير في الأسواق الحديثة التي لم تعد تقبل إلا التعامل الرقمي المنضبط والشفاف.

س: هل يمكن أن نصل يومًا إلى نسبة 100% في التعامل الإلكتروني مع الحجر الزراعي المصري؟

التحول الكامل إلى المنظومة الإلكترونية ليس بعيدًا، بل هو واقع يتبلور تدريجيًا، وبالفعل بدأ التطبيق على بعض الخدمات، ونعمل على الوصول إلى 100% خلال الشهور المقبلة، وهناك نظام وطني يتم تطويره حاليًا لميكنة الإجراءات، إلى جانب ربط إلكتروني مع جهات أخرى.

كما تم بالفعل ربط الحجر الزراعي المصري بالمنصة الأوروبية، حيث تصدر الآن شهادات الصحة النباتية إلكترونيًا للاتحاد الأوروبي، دون الحاجة لأي ورق، ويتم إدخال البيانات مباشرة على النظام الأوروبي، وتُستلم الشهادات من الجهة المستوردة إلكترونيًا، وهذا الربط الدولي يمثل خطوة استراتيجية تعزز الشفافية والسرعة، ونتوقع تعميم التجربة على جميع الأسواق قريبًا.

س: في ظل المنافسة العالمية القوية، كيف نجحت مصر في دخول أسواق كانت مغلقة أو صعبة الاشتراطات؟

النجاح لم يأتِ صدفة، بل عبر عمل دؤوب استمر لسنوات طويلة، فعلى سبيل المثال، السوق الياباني – أحد أكثر الأسواق تشددًا في العالم – استغرق فتحه أكثر من 10 سنوات من التفاوض، وتمكنا من تصدير أول شحنة موالح إليه في عام 2021.

واليوم، مصر واحدة من أربع دول فقط يُسمح لها بتصدير البرتقال لليابان، وقد ارتفعت الكميات المُصدّرة من 2000 طن إلى 2500 طن خلال عام واحد فقط، مع ردود فعل إيجابية من الجانب الياباني على جودة الشحنات وإرسال خطابات شكر منهم، ونفس الأمر ينطبق على نيوزيلندا، وهي من الدول المعروفة بنقاء بيئتها وصرامتها في اشتراطات الاستيراد، وقدرتنا على تلبية هذه الاشتراطات تعكس كفاءة المنظومة المصرية في الحفاظ على صحة النبات، وتؤهلنا لدخول أسواق أخرى بنفس الكفاءة.