”بعد تسجيل 7 هزات أرضية”.. مصر تستعد للسيناريو الأسوأ.. تحديث الكود الإنشائي ونقل السكان من العشوائيات للمدن الجديدة

رغم أن مصر ليست من الدول النشطة زلزاليًا بشكل دائم، إلا أن وقوع هزات أرضية متتالية خلال الفترة الأخيرة، يعيد إلى الواجهة تساؤلات مهمة حول مدى جاهزية الدولة للتعامل مع الكوارث الطبيعية، وعلى رأسها الزلازل.
وتأتي أهمية هذا الملف في ظل التوسع العمراني الكبير الذي تشهده البلاد، وظهور تجمعات سكانية جديدة تتطلب بنية تحتية أكثر صلابة وقدرة على الصمود أمام الكوارث، وتحديث الأكواد الإنشائية، وتطوير أنظمة الإنذار المبكر.
تفتح جريدة "النهار" هذا الملف لتناقش مع المختصين الأسئلة التى تدور فى أذهان المواطنين فى ظل ما تعرضت له الدولة من هزات أرضية خلال الفترة الأخيرة.
7 هزات أرضية خلال 2025
شهدت مصر منذ شهر مارس العام الجاري 7 هزات أرضية كان مصدرها مناطق نشطة في البحر المتوسط، على بعد آمن عن السواحل المصرية، وجميعها بعيدة مركزها عن السواحل، تراوحت قوتها بين خفيفة ومتوسطة — اثنتان تجاوزتا 6 ريختر — جميعها بعيدة مركزها عن السواحل، ولم تسبب أضرارًا.
6.4 ريختر أكبر هزة تم تسجيلها
أخر تلك الهزات الأرضية وقعت 3 يونيو وسجلت قوتها 5.8 ريختر، مركزها في البحر المتوسط (جنوب الحدود التركية)، وقبلها وتحديدًا فى شهر 14 مايو سجلت هزة بقوة 6.2–6.4 ريختر بالقرب من جزيرة كريت، شعر بها المواطنون في القاهرة الكبرى والسواحل الشمالية، دون وقوع أضرار، وزلزال أخر فى 22 مايو بلغت قوته 6.24 ريختر قرب جزيرة كريت.
البنية التحتية فى مواجهة الزلازل
الهزات الأرضية التى سجلتها مصر مؤخرًا فتحت المجال للحديث عن مدى قدرة وجاهزية البنية التحتية فى مصر على الصمود أمام الكوارث، وتحديث الأكواد الإنشائية، وتطوير أنظمة الإنذار المبكر، فضلًا عن التدريب المستمر للأطقم الفنية وأجهزة الحماية المدنية.
استعدادات استباقية..
أكد الدكتور علاء النهري، نائب رئيس المركز الإقليمي لعلوم وتكنولوجيا الفضاء بالأمم المتحدة، أن مصر بعيدة جغرافيًا عن مناطق النشاط الزلزالي الشديد، إذ لا تقع ضمن نطاق "حزام النار"، مشيرًا إلى أن أقرب حزام زلزالي لمصر هو حزام خليج العقبة، الذي يمر من خلال سوريا، وهو ما يجعل التأثير الزلزالي على مصر محدودًا.
وكشف "النهري"، أنه على المدى البعيد قد تتأثر مصر بالنشاط الزلزالي بشكل أكبر، إلا أنه أكد أن مصر اتخذت إجراءات وقائية منذ سنوات، وخاصة بعد زلزال 1992، عبر تطبيق "الكود الزلزالي" في تصميم المباني، لا سيما في المدن الجديدة.
وأضاف أن الدولة المصرية أولت اهتمامًا كبيرًا بالبنية التحتية الحديثة، وبناء مجتمعات عمرانية قادرة على التعامل مع الكوارث، مع نقل السكان تدريجيًا من القرى والمناطق العشوائية إلى مجتمعات أكثر أمانًا. وأوضح أن الزلازل والبراكين في المنطقة غير نشطة، وإن حدثت فإنها لا تدوم سوى ثوانٍ معدودة.
واختتم الدكتور النهري حديثه بالإشارة إلى جهود الدولة في التوعية المجتمعية، لافتًا إلى أنه يتم تدريب الطلاب داخل المدارس على كيفية التعامل مع الكوارث الطبيعية، وتنفيذ خطط الإخلاء بشكل آمن لتفادي الإصابات والخسائر.
توعية مستمرة..
فيما أكدت الدكتورة منار غانم، عضو المركز الإعلامي بالهيئة العامة للأرصاد الجوية، أن الهيئة تواكب التطورات المناخية المتسارعة من خلال برامج توعوية وتدريبية موجهة لمختلف فئات المجتمع، سواء طلاب أو عمال أو موظفين، بهدف تعزيز القدرة على التعامل مع الظواهر الجوية المتغيرة.
وأوضحت أن الهيئة تنظم دورات تدريبية دورية ضمن المواسم الثقافية لتعريف المواطنين بكيفية التصرف أثناء التقلبات الجوية، كما تعتمد على نشرات دورية يتم تحديثها باستمرار لتقديم المعلومات الدقيقة في الوقت المناسب، وهو ما يعزز الوعي المجتمعي بمخاطر التغير المناخي وطرق التكيف معه.
وأضافت غانم، في تصريحات خاصة لـ"النهار"، أن هيئة الأرصاد تمتلك بنية تحتية تكنولوجية متطورة، تشمل أجهزة متقدمة لرصد وتحليل الحالة الجوية بدقة عالية، مما يتيح إصدار تحذيرات وإنذارات مبكرة بناءً على بيانات الأقمار الصناعية وخرائط الأمطار.
بنية قوية ..
فيما قال الدكتور السيد صبري، الرئيس السابق لوحدة التغيرات المناخية بوزارة البيئة، إن الدولة المصرية وضعت خلال السنوات الأخيرة أسسًا متينة لبنية تحتية متكاملة تُعنى بإدارة الكوارث والحد من آثارها، وعلى رأس هذه الجهود إنشاء المركز الوطني للحد من الكوارث، المجهز بأحدث التقنيات والمعدات، والذي يعمل بتنسيق كامل مع الجهات المعنية في الدولة.
وأوضح أن المركز الوطني يتعاون بشكل مباشر مع وزارة الداخلية من خلال قطاع الحماية المدنية، وكذلك مع هيئة الإسعاف والهلال الأحمر، ما يعكس وجود منظومة متكاملة للاستجابة للطوارئ، قادرة على التحرك السريع والمنظم في مواجهة الأزمات.
وأضاف صبري أن القوات المسلحة كذلك تمتلك مركزًا لإدارة الأزمات والخدمات، وهو جزء من البنية التحتية الوطنية التي تدخل بكفاءة عندما تتطلب الكوارث تدخلًا واسع النطاق، مما يعكس مدى جاهزية الدولة من الناحية الهيكلية والتنظيمية لمواجهة المخاطر.
وأكد أن البنية التحتية وحدها لا تكفي، بل يجب دعمها بـ"منظومة إنذار مبكر فعالة" وتوسيع نطاق التدريب والتأهيل لكوادر الدولة، من طلاب وموظفين وعمال، على مستوى الجمهورية، كما شدد على أن رفع وعي المواطنين وتدريبهم على كيفية التصرف في حالات الطوارئ يُعد ركيزة أساسية لامتصاص آثار الكوارث وتقليل خسائرها.