النهار
جريدة النهار المصرية

تقارير ومتابعات

وخبراء يحذرون من سباق تسلح رقمي عالمي

مصر تحصن نفسها من حروب المستقبل.. وتحركات رئاسية لمواجهة أخطار الذكاء الاصطناعي والحروب السيبرانية

الحرب السيبرانية - تعبيرية
محمد إبراهيم -

في زمن لم تعد فيه الحروب تُخاض فقط بالمدافع والدبابات، بل بالعقول والخوارزميات، يقف الذكاء الاصطناعي على خط المواجهة الأمامي كأحد أخطر الأسلحة في ترسانة الحروب الحديثة، حيث لم تعد الجيوش بحاجة لاجتياح الحدود بأسلحة تقليدية، فهجوم سيبراني واحد مدعوم بالذكاء الاصطناعي قادر على شل شبكة كهرباء دولة، أو اختراق أنظمة دفاعها الجوي، أو حتى التأثير على الرأي العام من خلال موجات تضليل معلوماتي منظمة.

ميدانيا، أثار استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والحروب السيبرانية في عدد من ساحات الصراع المسلح مثل الحرب الروسية الأوكرانية والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المخاوف حول ماهية تلك الاستخدامات ومخاطرها على الأمن الإقليمي والدولي، حيث أصبحت الجيوش في الوقت الحالي تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في جمع المعلومات والبيانات ومراقبة وتحليل منصات التواصل الاجتماعي لفهم آراء ومشاعر الجمهور تجاه الحروب والأحداث ذات الصلة.

عسكريا، يتم استخدم الذكاء الاصطناعي في تطوير وتحسين أنظمة الأسلحة الموجهة مثل المسيرات والصواريخ الذكية مما يزيد من دقتها وفاعليتها، كما تستخدم أيضا في عمليات تحديد الأهداف وتحليل المعلومات وتحسين عمليات التواصل والتنسيق بين القوات المختلفة؛ مما يزيد من فعالية العمليات العسكرية ويقلل من الخسائر البشرية.

كما لدى الذكاء الاصطناعي القدرة على تحسين عملية صنع القرار مع إدخاله في المناورات وعمليات المحاكاة واسعة النطاق التي يستخدمها الخبراء وصناع السياسات والعسكريين لتطوير الاستراتيجيات في حالة الحرب، وهو ما يسمح بمعرفة نقاط الضعف والقوة وأبرز التحديات التي سوف تواجه الجيوش.

بالنسبة لمصر، فقد عملت الدولة على تسريع وتوسيع نطاق الاستثمار في الذكاء الاصطناعي على مستوى الدفاع والحكومة والمجتمع ككل، والاستعداد لمواجهة التهديدات المحتملة الناشئة عن الاستخدام الخاطئ للذكاء الاصطناعي.

أحد أبرز تحركات الدولة في هذا المجال مؤخرا تمثل في مبادرة "الرواد الرقميون" التي يتبناها الرئيس عبد الفتاح السيسي ويعطي لها أولوية، إذ تستهدف المبادرة تأهيل جيل قادر على التعامل مع الذكاء الاصطناعي بتطوراته المتسارعة كذلك في مجال الأمن السيبراني وحماية البيانات.

وتستهدف المبادرة الشباب من سن 18 إلى 32 عاما، من مختلف الخلفيات العلمية، لتطوير مهاراتهم في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتطبيقاتها الحديثة، كما تنفذ المبادرة بالتعاون مع القوات المسلحة تحديدا الأكاديمية العسكرية المصرية، وبمشاركة نخبة من كبرى الشركات العالمية في قطاع التكنولوجيا، مثل جوجل، وهواوي ومايكروسوفت.

أما بالنسبة للشق العسكري، بات الجيش المصري يعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي بصورة مكثفة خلال الفترة الماضية مثله مثل باقي الجيوش العالمية، إذ يتم استخدامها في عملية حماية الحدود، كذلك في مجال استخدام الأسلحة الذكية والمسيرات أيضا، بالإضافة إلى العديد من الاستخدامات الأخرى، لكن بجانب هذا، تمتلك القوات المسلحة برامج وأجهزة مضادة لمواجهة الجانب السيء من هذه التقنيات، والتي يمكن استخدامها ضد مصر سواء كان عبر هجوم سيبراني أو تحرك عسكري ميداني.

سباق تسلح رقمي جديد

"النهار" تحدث مع خبراء ومتخصصون حول مخاطر الذكاء الاصطناعي في حروب المستقبل، إذ كشف الخبير العسكري العقيد حاتم صابر أن اعتماد الجيوش على استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي قد يفتح الباب أمام سباق تسلح رقمي جديد، حيث تتسابق الدول للاستثمار في الأنظمة الذكية لتعزيز قدراتها العسكرية، ما قد يجعل الحروب أكثر دموية وأقل خضوعاً للمساءلة الإنسانية والقانونية.

وأضاف في تصريحات خاصة لـ "النهار" أن الهجمات الإلكترونية من تشويش على الاتصالات وغيرها من الهجمات على برامج الأنظمة الخاصة بالدولة أو الجيوش، سوف تصبح بنفس أهمية الهجمات التي تستهدف الأهداف العسكرية، إن لم تكن أكثر أهمية.

في ذات السياق، يقول خبير الأمن السيبراني ومكافحة الجرائم الإلكترونية الدكتور محمد محسن رمضان، أن الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي قد يتسبب في وقوع أخطاء فنية، خاصة في حالة استخدام الأسلحة المتحكمة بشكل آلي دون وجود رقابة بشرية كافية، مطالبا التركيز على تطوير آليات للمراقبة والرقابة البشرية على عمليات القرار الآلي في الميدان العسكري.

وأضاف في تصريحات لـ "النهار" أن التعامل مع هذه المخاطر يتطلب تطوير إطار تنظيمي دولي يضمن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في الحروب بشكل مسؤول وأخلاقي، كما يتطلب ذلك من المجتمع الدولي العمل وضع قوانين دولية تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب، بما يضمن احترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.

أن تطوير وتبني الذكاء الاصطناعي من قبل الجيوش أصبح يشكل تحولا جذريا في طبيعة الصراع والتنافس؛ مما يمهد لعصر جديد من الحروب يتميز بقدرات غير مسبوقة.