النهار
جريدة النهار المصرية

تقارير ومتابعات

بعد حرب إيران.. خطوات إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط بدعم أمريكي

نتنياهو
كريم عزيز -

كشفت مريم صلاح، الباحثة بالمرصد المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، عن الخطوات التي تنفذها إسرائيل بعد الحرب على إيران، موضحة أنه رغم إعلان إسرائيل، في الأيام الأولى من اندلاع المواجهة المباشرة مع إيران في 13 يونيو 2025، أن جبهة غزة أصبحت الجبهة الثانية بعد الجبهة الإيرانية، فإن هذا التوصيف لم ينعكس بوضوح على الواقع الميداني في القطاع.

العمليات العسكرية لم تتوقف

تُظهر الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية في غزة أن العمليات العسكرية لم تتوقف، بل استمرت بوتيرة عنيفة طوال اثني عشر يومًا، حتى بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن هدنة مؤقتة بين إسرائيل وإيران. فخلال الفترة الممتدة من 13 حتى 24 يونيو، قُتل ما يزيد عن 840 فلسطينيًا وأُصيب أكثر من 3,789 آخرين، بينهم 193 شهيدًا أثناء انتظارهم الحصول على مساعدات غذائية، في ظاهرة باتت تُعرف بـ«شهداء لقمة العيش».

وتؤكد المصادر الميدانية أن هذه الحصيلة لا تعكس العدد الحقيقي للضحايا، إذ لا تزال عشرات الجثث تحت الأنقاض، وسط عجز طواقم الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إلى مناطق القصف المتواصل، ما يعني أن التصريحات الإسرائيلية حول «خفض الوتيرة» أو «إعطاء الأولوية لإيران» لم تُترجم إلى تهدئة فعلية على أرض الواقع، وفق تحليل «مريم».

ضرب أهداف إيرانية معقدة

بالتزامن مع ذلك تصاعد الضغط في الداخل الإسرائيلي لإنهاء حرب غزة، خاصة في ظل النجاحات العسكرية الإسرائيلية في ضرب أهداف إيرانية معقدة بدعم أمريكي، وهو يعكس قدرتها على حسم الملفات الأمنية، وازدادت هذه الضغوط بعد استعادة جثامين ثلاثة من الرهائن الإسرائيليين من غزة مؤخرًا، ما أعاد إلى الواجهة المطالبات بالتوصل إلى صفقة تبادل عاجلة تشمل من تبقوا أحياء. كما أن استطلاعات الرأي تُظهر أن حوالي 75% من الإسرائيليين يؤيدون وقف الحرب مقابل استعادة الرهائن، وهو ما يعكس حالة تآكل في الثقة بجدوى العمليات العسكرية المستمرة، في ظل شعور شعبي متزايد بأن الحرب لم تحقق أهدافها المعلنة، سواء فيما يتعلق بتفكيك حماس أو تحرير الأسرى، بحسب «مريم».

ورغم هذا الضغط، تُصر الحكومة الإسرائيلية، وخصوصًا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على المضي قدمًا في الخيار العسكري كوسيلة لتحقيق الأهداف السياسية والأمنية. فبعد إعلان ترامب عن هدنة مع إيران، لم يصدر عن نتنياهو أو المؤسستين الأمنية والعسكرية أي مؤشرات جدية على نية تخفيف العمليات في غزة، بل جاءت تصريحاته هو ووزرائه اليمينين الأخيرة لتؤكد أن مواقف إسرائيل التفاوضية لم تتغير، وهو ما ظهر في تصريح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بأن بعد إزالة التهديد الإيراني ستتجه القوات الإسرائيلية بكل قوتها إلى غزة لإكمال المهمة، والتي تعكس حالة من الثقة المفرطة في فعالية الخيار العسكري، مدفوعة بما يعتبرونه إنجازًا نوعيًا ضد إيران. وهو ما قد ينذر بتصعيد جديد في غزة، تحت غطاء نزع سلاح حماس وإعادة الرهائن.

احتجاجات شعبية واسعة

وبغض النظر عن الكيفية التي ستنتهي بها الحرب بين إسرائيل وإيران، أو مدى التزام الطرفين بوقف إطلاق النار الذي أُعلن مؤخرًا، فإن التداعيات الداخلية على الحكومة الإسرائيلية ستكون حتمية، في حال نُظر إلى الحرب باعتبارها ناجحة عسكريًا، إذ أكدت الباحثة، أنه من المتوقع أن تُعزز مكانة الحكومة الحالية وتدعم معسكر اليمين سياسيًا، أما في حال الفشل أو الدخول في حالة استنزاف طويلة الأمد، فإن النتائج قد تكون عكسية تمامًا؛ من احتجاجات شعبية واسعة، وتراجع في ثقة الجمهور، وتفاقم الأزمة السياسية الداخلية، وصولًا إلى احتمال الدخول في أزمة حكم.

ورغم ارتفاع مؤشرات التأييد الشعبي الطفيف لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والائتلاف الحاكم مؤخرًا، بالتزامن مع التصعيد مع إيران، فإن هذا الزخم يبدو هشًا وغير مرجح أن يدوم طويلًا. فقد بدأت في الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية تساؤلات جدية حول إمكانية إجراء انتخابات مبكرة، ما يعكس محاولة لقياس المزاج العام حيال الحكومة، خاصة بعد أن أعادت الحرب بعض من الثقة المفقودة، لكنها لم تُغير جوهر التحديات البنيوية التي تواجه السلطة.

استراتيجية التصعيد في جبهات خارجية متعددة

ونوهت إلى أنه غالبًا ما يعتمد نتنياهو على استراتيجية التصعيد في جبهات خارجية متعددة، سواء في غزة أو سوريا أو لبنان أو إيران، للهروب من أزماته الداخلية. ويقدم نفسه دائمًا على أنه “رجل الأمن”، ويستخدم كل تصعيد جديد كأداة سياسية لتحويل الأنظار عن قضايا الفساد أو إخفاقات الحكم. ويبدو أن هذه الاستراتيجية ما زالت تنجح في تأجيل المحاسبة ولو مؤقتًا. لكن بعد الحرب، سيجد نتنياهو نفسه مجددًا في مواجهة سلسلة من الملفات الحساسة التي لا يمكن الهروب منها إلى الأبد؛ محاكمات الفساد الجارية، قانون التجنيد المعلق، الخلاف مع المستشارة القضائية للحكومة، والأهم من ذلك ملف إعادة الأسرى من غزة، الذي يمثل اختبارًا أخلاقيًا وسياسيًا للحكومة بأكملها.

في ظل هذا الكم من التحديات، من المرجح أن يُحاول نتنياهو مرة أخرى خلق صدام سياسي أو أمني جديد، يُعيد خلط الأوراق ويوفر له مساحة مناورة جديدة. فنتنياهو بارع في استخدام فكرة «المماطلة المدروسة» لتفادي الضغوط، ومن المرجح أن يكون التصعيد متعلق بجبهة غزة لشراء وقت إضافي والبقاء في المشهد السياسي