بعد الوقوع في منعطف خطير.. ما هي سيناريوهات حل الأزمة الليبية؟

منعطف خطير تمر به الدولة الليبية الشقيقة، إذ طفت أعمال الاقتتال التي تتم على يد الميليشيات المسلحة، إلى السطح، وأثرت سلباً على تكوين الدولة، فبدلاً من كونها مُتماسكة، تفككت، إذ وضح محمد منصور، باحث أول بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن الأوضاع الحالية في ليبيا تبدو مقلقة ومرشحة للتصاعد بشكل كبير، وهي في الأساس نتيجة استمرار حالة الإنقسام السياسي من جهة، وتعذر إيجاد توافق وطني جامع لكافة المكونات السياسية والاجتماعية، ومن جهة أخرى فشل البعثات الأممية المتتالية في إيجاد نقطة ارتكاز يمكن من خلالها توحيد المؤسسات السياسية والاقتصادية والعسكرية الليبية، وهو فشل ساهم بجانب عوامل اخرى، في تجذر المشهد الميليشياوي داخل المنطقة الغربية الليبية، بالشكل الذي أوصلنا إلى المرحلة المعاشة التي تشهد فيها العاصمة طرابلس اشتباكات هذا الأعنف منذ سنوات.
وجود حالة من الإزدواجية في معظم المؤسسات الليبية
أثرت الانقسامات بالسلب على الدولة الليبية، الأمر الذي كشف تفاصيله «منصور» لـ «النهار»، والتي نتجت عن وجود حالة من الإزدواجية في معظم المؤسسات الليبية خاصة الأجسام السياسية الرئيسية مثل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وكذا وجود حكومتين إحداهما مكلفة من جانب مجلس النواب وتدير المناطق الشرقية من البلاد، وأخرى منتهية الولاية في غرب البلاد، وكذا وجود انقسام في المؤسسة العسكرية الليبية، بين قيادة عامة للجيش الوطني شرقاً، ورئاسة أركان عامة تابعة للمجلس الرئاسي غرباً.
أكد محمد منصور، أن هذه الانقسامات خلقت تأثيرات جذرية على الأوضاع الداخلية في ليبيا بشكل عام خلال السنوات الأخيرة، خاصة أن هذه الحالة، مضافاً إليها الفشل المتكرر في عقد الانتخابات التشريعية والرئاسية، أدت إلى عدم تمكن أي طرف داخلي أو إقليمي من الدفع نحو اتجاه معاكس لهذه الازدواجية، وبالتالي كانت المحصلة هي تراجع مستمر للأفق السياسي الليبي، وتدهور في الأحوال الإقتصادية، وترسخ الحالة الميليشياوية، بحيث أصبح الاحتكام للسلاح هو الفيصل، حتي بين الأجسام الأمنية والعسكرية التي تنتمي لنفس المؤسسة أو الجهة السياسية.
وعن سيناريوهات حل الأزمة، أكد الباحث، أنه من المنظور الضيق، يمكن النظر إلى اشتباكات طرابلس الأخيرة، من زاوية أنها تمثل صراعاً بين فصائل مدن مصراتة والزنتان من جهة، وبين فصائل العاصمة طرابلس المدعومة من فصائل مدينة الزاوية، بهدف تعديل الخريطة الميدانية الحالية، والحصول على كامل السيطرة على معظم المناطق الحيوية داخل العاصمة، وعلى رأسها قاعدة معيتيقة الجوية.
توحيد المؤسسة العسكرية
كذلك ينظر لهذه الاشتباكات، حسب رواية «منصور» من زاوية محاولة الحكومة منتهية الولاية في العاصمة طرابلس، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، شن حرب إلغاء ضد الفصائل المناوئة له، لفرض سيطرته ووجوده داخل العاصمة لفترة أطول، في ظل تزايد احتمالات توحيد الحكومة الليبية، خاصة بعد أن أوصى المجلس الإستشاري الذي كونته البعثة الأممية في ليبيا، بتوحيد الحكومة في أسرع وقت، هنا لا يجب إغفال العامل الدولي وتحديداً الأمريكي حيث لوحظ انفتاح كبير من جانب واشنطن على كافة الأطراف السياسية والعسكرية الليبية في المنطقتين الشرقية والغربية خلال الأسابيع الأخيرة، بهدف تشكيل قوة موحدة بين جانبي البلاد، تمهيداً لتوحيد المؤسسة العسكرية، وهو ما يفرض - في جانب منه - النظر في ملف المجموعات المسلحة والأجهزة الأمنية الحالية، بشكل يجعل من السهل المسير نحو هذا الهدف.
وأكد أنه بالنظر لما تقدم، واستمرار حالة التوتر داخل العاصمة، خاصة بعد الاشتباكات الأخيرة في منطقتي سوق الجمعة وأبو سليم، والتي تم خلاها إعادة تشكيل المشهد الميداني في طرابلس، وإنهاء حالة عبد الغني الككلي، قائد جهاز دعم الاستقرار، يمكن القول إن تجدد المعارك في طرابلس يبدو أمراً وارداً جداً، خاصة أن توقفها جاء بعد أن تراجع الموقف الميداني للقوى الأساسي التي بدأت العملية داخل العاصمة - وهي قوات اللواء 444 قتال - بقيادة رئيس جهاز الأستخبارات العسكرية محمود حمزة، واللواء 111، بقيادة وكيل وزارة الداخلية في حكومة الدبيبة، عبد السلام الزوبي، بالإضافة إلى وحدات داعمة أخرى - مقابل تحسن الموقف الميداني لقوة "الردع" أحد أكبر الفصائل المسلحة داخل العاصمة.
ومن السيناريوهات المطروحة أيضاً، وفق الباحث بالمركز المصري، احتمالية أن تشكل هذه الجولة جرس أنذار لكافة الفصائل المسلحة في ليبيا، بأن قطار بدء الحل السياسي قد أصبح قريباً من الإنطلاق، عبر توحيد الحكومة الليبية كما هو مطروح حالياً، وهو أمر يحتاج لتحقيقه تضافر إقليمي ودولي، كان غائباً خلال السنوات الأخيرة، وكانت له أيضاً أثار سلبية على الداخل الليبي، وبالتالي ان تم المضي قدما في توحيد الحكومة ـ خاصة في حالة انهيار حكومة الدبيبة بفعل موجة الاستقالات التي ضربتها، والتظاهرات الحاشدة التي تتم منذ أيام ضدها داخل العاصمة ـ فإنه يمكن القول أن اتجاهات الحل السياسي ستبدأ في الظهور بشكل أوضح، في حين أن استمرار الأجسام السياسية الحالية، بتوجهاتها الراغبة في البقاء، وبحالة الازدواجية الحالية، لن يساهم سوى في استمرار تدهور الأوضاع الأمنية بشكل أكبر في الداخل الليبي.