النهار
جريدة النهار المصرية

تقارير ومتابعات

كيف تتجاوز رؤية بابا الفاتيكان الجديد الحروب والصراعات الحالية؟

البابا ليو الرابع عشر
كريم عزيز -

«كم عدد الصراعات الأخرى في العالم؟».. تساؤل طرحه البابا ليو الرابع عشر بابا الفاتيكان الجديد، يكشف حجم خصوبة البيئة التي استقبلته في رحلة البابوية المليئة بالصراعات والتناحرات والتطورات التي تُسارع الزمن، سواء صراعات حالية أو مُقبلة في ظل حالة من عدم الرُشد في قيادة الأمور لدى بعض الدول.

تُظهر هذه البيئة حجم وضخامة المسئولية الواقعة على عاتقه، والتي يكون فيها، مُلتزماً بتكون رؤية واضحة ومستهدات مُحددة مبنية على نجاحات السابقين، وقادرة على مواكبة التطور والخوض في تلك الأمور بكل حكمة ورُشد.

أوضاع غير مستقرة

ما بين الحروب الروسية الأوكرانية، والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والحروب الاقتصادية التي تنتج بين الدول، تشكلت البيئة التي استقبلت البابا الجديد، والتي يُعتبر ضد كل توجهاته الخاصة بالسلام وحماية الفقراء.

للبابا ليو ملامح ورؤية مُهمة للعالم أجمع وليس فقط الكنيسة الكاثوليكية تركز على العديد من المحاور التي تحتضن في مكنونها السلام وحماية الفقراء، لذا حدد موقفه من البداية خاصة تجاه الحروب الدائرة، مُنادياً بإنهاء الصراعات في أوكرانيا وغزة وعلى الحدود الهندية الباكستانية، مُرددًا نداء السلام الذي أطلقه سلفه البابا فرنسيس: «في السياق الدرامي الذي نعيشه اليوم، حيث نشهد حربًا عالمية ثالثة متقطعة، أناشد أنا أيضًا أقوياء العالم بتكرار هذه الكلمات ذات الصلة الدائمة: لا للحرب مرة أخرى».

رؤية البابا للعالم

ترسخت رؤية البابا للعالم، في استنكاره المأساة الهائلة التي خلفتها الحرب العالمية الثانية، والتي انتهت قبل 80 عاما في الثامن من مايو، بعد أن تسببت في مقتل 60 مليون شخص، مشدداً على ضرورة الوصول إلى سلام حقيقي وعادل ودائم في أقرب وقت ممكن وإطلاق سراح جميع السجناء، وأن يعود الأطفال إلى عائلاتهم: «أشعر بألم عميق إزاء ما يحدث في غزة فليتوقف القتال فورًا، وليُقدم الدعم الإنساني للسكان المدنيين المنهكين، وليُطلق سراح جميع الرهائن».

حدد متخصصون التفاصيل الكاملة لرؤية البابا الجديد، إذ يقول المونسنيور خالد عكشة، العضو السابق لدائرة الحوار بين الأديان بالفاتيكان قسم الحوار مع المسلمين: «منذ أول ظهور لقداسته كانت الكلمة الأولى السلام لكم جميعاً وكررها عدة مرات في خطابه الأول وذكر أن الشر لن يغلب والخير أبقى من الشر رغم أن الشر موجود لسوء الحظ خاصة في النزاعات والحروب والقتل والدمار كما نشاهد في أكثر من منطقة صراع في العالم».

أكد «عكشة» في تصريحات خاصة لـ «النهار»، أن رؤية البابا تركز على السلام وإنهاء الصراعات من ناحية، ودعم وحماية الفقراء والمهمشين والمهاجرين من ناحية أخرى، موضحاً أن البابا الجديد لن يتخل عن عناية ورعاية الفقراء شخصياً من خلال مؤسسات الكنيسة في روما والكنائس المنتشرة على مستوى العالم.

تطرق الدكتور رفعت بدر، مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام بالأردن، إلى أمور أخرى مُهمة في رسالة البابا الجديد، موضحاً أن البابا الجديد أعاد الكنيسة الكاثوليكية إلى القرن الخامس للميلاد، عندما كان لاون المسمى «الكبير» بابا في روما، وحبراً أعظم للكنيسة الكاثوليكية، وهو الخليفة الخامس والأربعون للقديس بطرس، وتميز بتعليمه وذكائه، لا بل إن تعليمه تقرأ في ليلة الميلاد لجميع المؤمنين في العالم في كل الكنائس.

تعليم الكنيسة الاجتماعي

محور آخر، وفق «بدر»، هو أن البابا الجديد أعادنا إلى آخر من حمل اسم لاون بنهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين أي سنوات الحكم البابوية، حيث كان البابا لاون الثالث عشر يفتح باب المئوية الجديدة للمؤمنين في عام 1900، وتميز هذا البابا في تعليمه حول الحريات، والعدالة الاجتماعية، كما أن تعليم الكنيسة الاجتماعي يعود إليه كما هو يعلُّم اليوم يبدأ من رسالته الرعوية «Rerum Novarum» أي في الشؤون الحديثة، كان أول حبر أعظم يكتب وثيقة «رسالة رسولية» حول مستجدات الحياة الاجتماعية ودافع فيها عن حقوق العمال ونقاباتهم وحقوق المرأة إلى آخره.

وذكر الدكتور رفعت بدر، أنه عندما يعود البابا الجديد ليو الرابع عشر، إلى هذا الاسم فإنه يريد أن يكمل تلك المسيرة التي تسمى العمل الاجتماعي، لا بل التعليم الاجتماعي للكنيسة، ومنذ أول كلمات له أراد أن يقول: السلام، السلام لكم، تحية فصحية قالها السيد المسيح بعد قيامته، وكذلك ركز على العدالة والسلام في عدة مواقع من الكلمة الأولى له. إن السلام الذي تحدث عنه هو السلام غير المسَّلح، والسلام غير المسِّلح الذي يريده السيد المسيح لعالم اليوم».

رسالة البابا

أشاد مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام برسالة البابا، قائلاً: «جميل جداً، أن يبدأ الحبر الأعظم الجديد رسالته البابوية بالدعوة إلى السلام، وكذلك إلى بناء الجسور والحوار الذي تكرر أيضاً عدة مرات»، مؤكداً: «نحن أمام عهد جديد، يؤسس لتعليم جديد للكنيسة وكيفية مخاطبة الأجيال والتقدم العلمي والتكنولوجي، مثلما كان البابا لاون الثالث عشر أمام تحديات عصره من الأيديولوجيات التي كانت تنشأ ببداية القرن العشرين، هكذا البابا لاون الرابع عشر يجد نفسه أمام تحديات العصر الذي يعيش به وهو عصر الذكاء الاصطناعي، الذي تريد الكنيسة أن تخاطب أبناءه وتريد أن يكون لها كلمة في كيفية الحفاظ على احترام كرامة الإنسان، دون أن تتسلط الآلة والتكنولوجيا والتقدم العلمي، ما يريده البابا الجديد هو نعم للتقدم التقني، والتكنولوجي، ونعم أيضاً للتقدم الأخلاقي في استخدام هذه التكنولوجيا في عالم اليوم».

أما عن الرسالة من البابا الجديد فوصها مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام بأنها واضحة وصريحة، وهي تتمثل في إكمال ما بدأه أسلافه ليس فقط البابا فرنسيس الراحل، وإنما كل بابوات القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين، مؤكداً أنها رسالة تكمل مسيرة الكنيسة، وحضورها، وفعاليتها، وتأثيرها المعنوي، وكما قال البابا يوحنا بولس الثاني في مطار عمان قبل 25 سنة: إن الكنيسة لا تنكر بأن واجبها الأساسي هو واجب روحاني، لكنها مستعدة للتعاون مع كل الأطياف من أجل تعزيز الكرامة الإنسانية.

في سياق متصل، قال الدكتور سامح فوزي، كبير الباحثين بمكتبة الإسكندرية، إنه من المبكر التعرف على اتجاهات البابا الجديد بصورة واضحة، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يفصح عن اتجاهاته بصورة كاملة: «لكن يمكننا أن نتلمس بعض الاتجاهات والتوجهات من عمله السابق، وأقواله ومواقفه»، موضحاً أنه مرتبط بخط التنمية ومواجهة الفقر كما أشار إلى أنه تلميذ القديس أوغسطيونوس ومن الواضح إنه مؤمن بنهج الانفتاح والحوار سواء حوار ما بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأخرى أو بين الكاثوليك وأصحاب الأديان والمعتقدات الأخرى خاصة المسلمين وهذا امتداد لما قام به البابا فرنسيس في وثيقة الإخوة الإنسانية مع الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب».

إعادة التفكير في شكل الأسرة

وأضاف «فوزي»، أن البابا يؤمن بالانفتاح ومن المؤكد أنه سيتجه إلى بعض اللامركزية التي بدأها البابا فرنسيس فالكنيسة الكثوليكية هي كنيسة مركزية وعدد الكثاوليك في العالم 1.4 مليار موجودين في إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، وكل هذه البلاد لديها ثقافات وتقاليد مختلفة فبالرغم من أن الكنيسة عالمية ولها قيادة مركزية إلا أنه هناك اتجاه في الكنيسة إلى اللامركزية أي أن يكون هناك قدر من العمل المحلي الواسع الذي يعكس التراث المحلي والثاقفة والاحتياجات المحلية.

وفق الدكتور سامح فوزي، فإنه واضح من مواقف البابا أنه سيتخذ مواقف محافظة تجاه بعض القضايا الاجتماعية أولها الالتزام العقيدي والانحياز للقيم التقليدية لا سيما في مواجهة القضايا والتحديات الأخلاقية والعلمية الجديدة كموضوع المثليين والأسرة وإعادة التفكير في شكل الأسرة وفيما يتعلق بالإجهاض والطلاق، فلم يكون ليبرالياً في التعامل مع هذه القضايا بل الأقرب أن يكون محافظاً.

نوه الدكتور سامح فوزي، إلى مجموعة من التحديات التي تواجه البابا، أولها هوية الكنيسة سواء محافظة أم منفتحة مركزية أم محلية، ثانياً فهو يأتي في عالم مشبع بالصراعات ومُقدم على صراعات أخرى ففي ظل ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ستحدث صراعات ليست فقط عسكرية بل اقتصادية وقضايا أخرى تتعلق بالمناخ والبيئة.