النهار
الإثنين 17 يونيو 2024 02:41 صـ 10 ذو الحجة 1445 هـ
جريدة النهار المصرية رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرأسامة شرشر

تقارير ومتابعات

بالأرقام.. مقعد البرلمان بـ 30 مليون جنيه

مع الإعلان عن فتح باب الترشح في انتخابات مجلس النواب المصري 2015، وضعت اللجنة العليا للانتخابات، معايير للدعاية الانتخابية، ومن هذه المعايير المبالغ المسموح بإنفاقها في الدعاية، وتنص قواعد اللجنة العليا وقانون الانتخابات، أنه يمكن استبعاد المرشح إذا تجاوز مبلغ الدعاية، وحددت اللجنة 7,5 مليون جنيه للدعاية الانتخابية للقوائم التي تضم 45 مرشحًا، وكذا مبلغ 2,5 مليون جنيه للقوائم التي تضم 15 مرشحًا. 
«في حب مصر» تتجاوز الدعاية 
بعد أن انتهت المرحلة الأولى من الانتخابات بجولتيها الأولى والإعادة هل التزمت القوائم بهذه المعايير؟ 
أحمد السجيني، النائب البرلماني الذي نجح في الجولة الأولى على قائمة في حب مصر، صرح لـ «النهار» أن المبلغ المحدد للدعاية الانتخابية بالنسبة للقوائم كان كافيًا للغاية، وأن قائمة «في حب مصر» لم تنفقه كاملًا بل تبقى الكثير منه. 
وأشار السجيني إلى أن معظم المبالغ التي تم إنفاقها على دعاية القائمة هي من التبرعات، حيث قامت القائمة بفتح باب التبرعات، وقد تلقت تبرعات تخطت مبلغ الـ20 مليون جنيه، مضيفًا أن من يملك شيئًا عن تجاوز القائمة فليتقدم به فورًا للجنة العليا للانتخابات. 
أما «شريفة محمد عبد الحافظ» مرشحة قائمة من «أجل مصر»، فقالت إن الدعاية الانتخابية لقائمتها لم تصل حتى لمليون جنيه، ويمكن معرفة حجم الدعاية من خلال اللافتات بالشوارع الرئيسية، فسوف تجدون قائمة واحدة لها لافتات إعلانية بأكبر ميادين مصر، وبقية القوائم ربما لم يسمع عنها أحد، وبالتالي فإن حجم الإنفاق لهذه القائمة بالتأكيد تعدى مبلغ الـ7,5 مليون جنيه المحددة من اللجنة العليا. 
تتفق معها «نجوى عزيز» مرشحة قائمة «نداء مصر»، التي أكدت أن قائمة واحدة تعدت مبالغ الدعاية بالتأكيد، وهو أمر ليس بحاجة إلى دليل، بل يكفي النظر لكل الوسائل الدعائية، سواء بإعلانات الشوارع، أو المواقع الإلكترونية، والصحف الورقية، وكذلك القنوات الفضائية، التي عملت على الدعاية بشكل مباشر عن طريق الإعلان المباشر، أو بشكل غير مباشر عن طريق إذاعة أخبار معينة، أواستضافة أحد أعضاء هذه القوائم. 
إعلانات الطرق
«جمال عبدالحميد» أحد العاملين بوكالة إعلانية كبرى، صرح لـ«النهار»، أن لافتة إعلانية واحدة أعلى كوبري 6 أكتوبر، تبدأ من 50 ألف جنيه وحتى 150 ألف جنيه، وكل الأمر يتوقف على المكان الموضوعة به، وكذلك حجمها، كما أن بعض الوكالات صاحبة امتياز الإعلانات بالشوارع قد ترفع من سعرها في فترة الانتخابات، خاصةً أن المرشحين، لا يبخلون بشيءٍ في الدعاية. 
وحول الملصقات والمطبوعات، يشير «عبدالحميد»، أن حجم الإنفاق على المطبوعات يبدأ من 40 ألف جنيه للمرشح الفقير، ويصل في بعض الأحيان إلى 500 ألف جنيه، ويضيف أن الأمر بالنسبة للقائمة مختلف، لأن دائرتها متسعة للغاية، وبالتالي ستحتاج إلى عدد كبير من الملصقات والمطبوعات، كي يستطيعوا الوصول لكل الناخبين بنطاق الدائرة، ويرى «عبد الحميد» أن المبلغ المحتمل لدعاية قائمة كبرى لن يقل عن 3 ملايين جنيه مطبوعات. 
بالنظر إلى تكلفة اللافتات الإعلانية كما قال «عبد الحميد»، نجد أن القائمة التي تضع لها في الميادين الرئيسية والطرق المهمة لافتات إعلانية، مثل «في حب مصر»، قد تتعدى اللافتات الإعلانية فقط مبلغ الـ10 ملايين جنيه حسب تقدير بعض المتابعين، كما أن المطبوعات قد تصل إلى مليون جنيه، أي أن دعاية قائمة «في حب مصر» قد تعدت المبلغ المحدد من اللجنة العليا، وهذا ما يفسر توجيه العديد من الأوساط السياسية اتهامات للقائمة بتجاوز حد الدعاية المسموح به قانونًا، حيث أشار بعض المتابعين أن حجم الإنفاق للقائمة في الدائرة الواحدة تعدى حاجز الـ20 مليون جنيه. 
فاتورة الفردي
أما في الانتخابات على المقاعد الفردية، فالأمر مختلف بشكل كامل، فقد حددت اللجنة العليا للانتخابات مبلغ 500 ألف جنيه لمرشحي الفردي، وألزمت كل مرشح بفتح حساب بنكي، بالبنوك الحكومية، لمتابعة ما تم إنفاقه.
فهل التزم المرشحون بهذا المبلغ؟ 
«مصطفى عبدالله» المتخصص بالحملات الانتخابية، وأحد مديري حملة أحد مرشحي دائرة حلوان– رفض ذكر اسم مرشحه – قال إن حجم الإنفاق لبعض المرشحين قبل بدء التقدم بأوراق الترشح تخطى حاجز المليون جنيه، وبعد بداية فترة الدعاية الرسمية، يصل حجم الإنفاق على حملة المرشح إلى 5 أو 7 ملايين جنيه، مضيفًا أن هذه الانتخابات فاتورتها كبيرة للغاية، حيث تم الإعلان عن فتح باب الترشح ثم تم التأجيل، وهناك مرشحون أنفقوا ما يقرب من نصف مليون جنيه قبل التأجيل، ثم أعادوا الأمور مرةً أخرى بعد فتح باب الترشح للمرة الثانية. 
ويضيف «مصطفى» أن هناك أحد رجال الأعمال يترشح للانتخابات منذ سنواتٍ عديدة، وفي كل مرة ينفق أكثر من 7 ملايين جنيه، ولم يحالفه الحظ في الدخول للبرلمان، وهو مرشح أيضًا هذه المرة، وأنفق أكثر من ذي قبل، لأنه يرى الفرصة سانحة له هذه المرة. 
وحول المبلغ المحدد من اللجنة العليا، يقول إن الـ500 ألف جنيه ربما لن تكون كافية لسماسرة الانتخابات، حيث يدفع لهم بعض المرشحين ما يقرب من 500 ألف جنيه، وكذلك تكلفة المؤتمر الانتخابي الواحد تتعدى الـ30 ألف جنيه، وأي مرشح يقيم ما يقرب من 20 مؤتمرًا، خاصةً أن الدوائر هذه المرة أكبر من ذي قبل. 
وحول عيد الأضحى وهل استغله المرشحون، يقول «مصطفى» استغل المرشحون كل شيء، استغلوا العيد، حيث قاموا بذبح الأضاحي، وكذلك استغلوا دخول المدارس، وقاموا بتوزيع بعض المساعدات العينية والمادية على فقراء دائرتهم. 
ويشير «مصطفى» إلى أن تكلفة الـ10 آلاف ملصق تصل إلى 15 ألف جنيه، والمرشح لا يكتفي بأي حال من الأحوال بهذا العدد، فقد يطبع في بعض الأحيان 300 ألف ملصق أو يزيد. 
ويقول «مصطفى» بالرغم من كل ذلك فإن حجم الدعاية في هذه الانتخابات أقل كثيرًا من مثيلاتها، على سبيل المثال انتخابات 2010، وكذلك 2011، التي كان فيها الإنفاق ببذخ تعدى كل الحدود. 
وعن كيفية إفلات هؤلاء من معايير اللجنة العليا للانتخابات، يقول، إن هذا أمر سهل للغاية، وقد اعتاده المرشحون، وهو القول بأن أهل دائرته هم من يقومون بعمل هذه الدعاية له، وكل مرشح له من الموالين الكثير، والذين يأتي على رأسهم السماسرة. 
ويقدر «مصطفى» تكلفة الوصول إلى مقعد تحت القبة، بما يقرب من 10 ملايين وقد تصل إلى 30 مليون جنيه. 
اللجنة العليا تعلم بتخطي حاجز الإنفاق
أما المرشح «غ.س.إ»، الذي رفض الإفصاح عن اسمه، وهو برلماني سابق، مرشح عن إحدى دوائر القاهرة، فيقول إن المبلغ المسموح به من اللجنة العليا للانتخابات غير كاف على الإطلاق، واللجنة لم تراعِ، ارتفاع الأسعار، فالمطبوعات والورق ارتفعت أسعارها للغاية، وكذلك الإعلانات، فالأمر ليس كما كان في السابق.
ويضيف المرشح، أن اللجنة العليا وواضعي القوانين يعلمون جيدًا أننا سنتخطى حاجز المبلغ المسموح وبكثير، وهذا لا يحدث للمرة الأولى، ولكنه يحدث منذ عشرات السنين. 
وحول سؤال، لماذا تنفق كل هذه الأموال من أجل الحصول على منصب المفترض أنه خدمي، يقول، إنه اعتاد لسنوات أن يكون عضوًا بالبرلمان، وقال إنه رجل أعمال ولم يتكسب يومًا من الحصانة البرلمانية. 
في الهرم .. الدعاية تتعدى الـ10 ملايين
محمد عبدالنبي جبريل، مرشح حزب «الوفد» عن دائرة الهرم، قال إن حجم الإنفاق في هذه الانتخابات لبعض المرشحين، تعدى حاجز الـ10 ملايين جنيه، خاصةً رجال الأعمال، والذين كانوا أعضاءً بالبرلمان من قبل، وهؤلاء أنفقوا ببذخ شديد من أجل العودة مرة أخرى. 
وأضاف «عبد النبي» أنه بالنسبة للأحزاب فإن حزب «المصريين الأحرار»، وحزب «النور»، يتصدران حجم الإنفاق، وقدر حجم إنفاقهما بـ 2 إلى 12 مليون جنيه لكل مرشح في الفردي. 
انتهى كلام المرشحين، ويبقى الإشارة إلى لغة وحيدة وهي الأكثر واقعية، وهي لغة الأرقام...
طبقًا لمعايير اللجنة العليا للانتخابات يفترض أن ينفق مرشحو المقاعد الفردية الذين يبلغ عددهم 5936، ومخصص لهم 448 مقعداً بالبرلمان، 3 مليارات جنيه. 
وبالنظر لحجم الإنفاق في ضوء الواقع، وبحساب أن المرشح سينفق في المتوسط 1,8 مليون جنيه، سيتعدى حجم إنفاق مرشحي الفردي 10 مليارات جنيه، وبالطبع المبلغ سيزيد حال وصول المرشح للإعادة، كما أن هذا الرقم طبقًا للحد الأدنى، والذي أجمع معظم المرشحين أنهم يتخطونه بكثير.  الرقم مخيف بالفعل، وسيدفعنا لطرح مجموعة من الأسئلة، للقاريء البحث عن إجابة لها، ماذا لو تم إنفاق هذا المبلغ على مشروعات اقتصادية، أوتم توجيهه لبعض أعمال التنمية؟ 
والسؤال الأهم، لماذا يتكبد المرشحون كل هذه الأموال في سبيل الحصول على مقعد في البرلمان؟ خاصةً أنه من المفترض أنه وظيفة خدمية،  الإجابة ستجدونها في البرلمانات السابقة.