ملامح الانخراط التركي في أمريكا اللاتينية.. تطورات مهمة
حددت ماري ماهر، الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، ملامح الانخراط التركي في أمريكا اللاتينية، موضحاً أن الاهتمام التركي بأمريكا اللاتينية تزايد خلال العقدين الأخيرين، بعدما كانت منطقة هامشية بالنسبة للسياسة التركية قبلًا وقد انعكس ذلك في عدة ملامح أبرزها توسيع الحضور السياسي، إذ توسعت العلاقات السياسية بين تركيا ودول أمريكا اللاتينية خلال العقدين الأخيرين بشكل لافت، وبرز ذلك في رفع عدد السفارات التركية داخل القارة من 6 إلى 20 سفارة، والتعاون مع المنظمات الدولية هناك؛ حيث إنها حصلت على صفة مراقب في منظمة الدول الأمريكية (OAS) ونظام التكامل لأمريكا الوسطى (SICA) ورابطة دول الكاريبي (ACS) والجماعة الكاريبية (CARICOM) والسوق المشتركة لأمريكا الجنوبية .
وأوضحت «ماري» في دراسة لها بعنوان «حسابات التوازن: كيف تعظم تركيا أوراقها الجيوسياسية المحدودة في أزمة فنزويلا؟»، أن هذا التوسع يأتي في إطار سعي أنقرة لاختراق ساحة كانت تاريخيًا مجال نفوذ شبه حصري للولايات المتحدة وأوروبا، وعدم ترك هذه المنطقة الحيوية التي تُشكل الفناء الخلفي للولايات المتحدة خارج نطاق حركتها الخارجية تمامًا. بالتوازي، كانت أنقرة أحد خيارات دول أمريكا اللاتينية في توجهها نحو الانخراط مع القوى الإقليمية والعالمية في أوراسيا ضمن مسعاها لتنويع العلاقات على الصعيد العالمي في محاولة لموازنة علاقاتها المعقدة والمتوترة مع واشنطن لا سيَّما في ظل حكم التيار اليساري وتصدره في الأرجنتين وفنزويلا والمكسيك وأورجواي وجواتيمالا وكوبا.
وبحسب الدراسة، ضمن الملامح أيضاً، استكشاف فرص التعاون الدفاعي، حيث برز قطاع الصناعات الدفاعية كمجال للتعاون؛ إذ شاركت الشركات التركية في المعارض الإقليمية مثل معرض إكسبوديفينسا في كولومبيا ومعرض لااد (LAAD) للدفاع والأمن في البرازيل، وافتتحت مكاتب لها في بعض الدول، فقد أسست شركة أسيلسان مكتبًا لها في تشيلي، فيما عقدت شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية TAI شراكة مع شركة INVAP الأرجنتينية لتطوير مشروع القمر الصناعي المتقدم GSATCOM، كما وقعت كولومبيا والإكوادور صفقات مع تركيا شملت مركبات مدرعة ذات عجلات وأنظمة هاون.
ومن زاوية استراتيجية، تنظر تركيا إلى أمريكا اللاتينية كساحة تمتلك فيها فرصة لتحدي الهيمنة الإسرائيلية طويلة الأمد على صادرات الصناعات الدفاعية من الشرق الأوسط إلى دول القارة، وهي الهيمنة التي استفادت جزئيًا من النفوذ الأمريكي هناك. فقد كانت تل أبيب لسنوات طويلة المورد الدفاعي الشرق أوسطي الوحيد في القارة، وباعت أنظمة دفاعية لكل من الأرجنتين والبرازيل وتشيلي وكولومبيا والمكسيك وباراغواي وبيرو والإكوادور وفنزويلا، كما اندمجت في تطوير بعض مكونات الصناعات الدفاعية المحلية مثل إلكترونيات الطيران وعجلات الهبوط لطائرة التدريب الأرجنتينية، إضافة إلى اتفاقيات الصيانة الأساسية لأسطول الطيران القتالي الكولومبي، بحسب الباحثة ماري ماهر.
وذكرت أن البصمة الدفاعية الإسرائيلية تشهد تراجعًا بفعل التداعيات السياسية المرتبطة بحرب غزة؛ إذ قطعت كولومبيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل؛ مما عرض اتفاقيات الصيانة وخطط التوريد المستقبلية للتهديد، كما استبعدت تشيلي الشركات الإسرائيلية من معرض الطيران والفضاء لديها، في مؤشر على احتمال تباطؤ العلاقات الدفاعية، موضحة أنه رغم أن أمريكا اللاتينية تمثل حصة متواضعة من واردات السلاح العالمية، ولم تكن يومًا ساحة تنافس رئيسية لكبرى الشركات الدفاعية، كما أن وارداتها من المعدات العسكرية من الشرق الأوسط محدودة -إذ لم تشتر سوى تسع دول في المنطقة أنظمة دفاعية من الشرق الأوسط بين عامي 2000 و2024 وكانت معظمها عمليات متقطعة- فإن أنقرة تنظر إلى هذا النوع من العلاقات، حتى وإن كان محدود الحجم، باعتباره استراتيجية وذات دلالة سياسية، وبخاصة في إطار التنافس المتنامي بين الصناعات الدفاعية التركية ونظيرتها الإسرائيلية.
وضمن الملامح، أكدت الباحثة ماري ماهر، أيضاً أن العلاقات الاقتصادية شهدت نموًا ملحوظًا؛ إذ وقعت تركيا اتفاقيات تعاون اقتصادي وتجاري مع حوالي 19 دولة لاتينية هي الأرجنتين وبوليفيا والبرازيل وتشيلي وكولومبيا وكوستاريكا وكوبا وبيرو وجمهورية الدومينيكان والإكوادور وجواتيمالا وغيانا وهندوراس وجامايكا والمكسيك ونيكاراجوا وباراجواي وأوروجواي وفنزويلا، كما وقفز حجم التجارة بين الجانبين من مليار دولار في أوائل الألفية إلى نحو 18 مليار دولار. وتعمل اليوم أكثر من 20 شركة تركية في القارة اللاتينية، معظمها في قطاعات السيارات والتعدين والنقل، ومن أبرزها استثمارات شركة “يلدريم هولدينغ” المتخصصة في التعدين وتطوير الموانئ في كولومبيا، وشركة «جلوبال إنفستمنت هولدينغ» المتخصصة في البنية التحتية للموانئ والطاقة النظيفة في كوبا.
كما تشمل الملامح توظيف أدوات القوة الناعمة، حيث وظفت تركيا القوة الناعمة وأدوات الدبلوماسية العامة، كالثقافة والتعليم والإعلام، في أمريكا اللاتينية؛ فعلى سبيل المثال، أطلقت الخطوط الجوية التركية رحلات جوية مباشرة من إسطنبول إلى عديد من مدن أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، في الأرجنتين والبرازيل وكولومبيا والمكسيك وفنزويلا وكوبا وغيرها. كما تعمل وكالة التعاون والتنسيق (تيكا) في القارة اللاتينية، من خلال مكتبين لتنسيق البرامج في أمريكا اللاتينية؛ أحدهما: في العاصمة الكولومبية بوغوتا، والثاني: في العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي؛ حيث تمول عديدًا من المشاريع مع التركيز بشكل أساسي على المساعدات التنموية والإنسانية. وفي قطاع التعليم، تسهم مؤسسة يونس إمرة في مكسيكو سيتي ومدارس مؤسسة المعارف التركية في بوغوتا وكاراكاس في تعزيز حضور تركيا في المنطقة.


.jpg)

.png)

.jpeg)


.jpg)



