من يُعيد هيبة المعلم في المدارس؟.. خبراء التعليم يقدمون لـ «النهار» روشتة لعودة هيبة باني الأمم...«الزناني»: كرامة المعلم خط أحمر...«التعليم»: لن نتهاون مع أي واقعة تمس كرامة وهيبة المعلم
«أثناء تأديتي الحصة الثالثة داخل فناء المدرسة، أمام الطلاب، اعتدى عليّ الطالب «إ.ف»، حيث مزّق ملابسي أمام زملائي المدرسين ومديرة المدرسة، وحضر أهله إلى المدرسة بعد الواقعة، واعتدوا على مديرة المدرسة» بهذه الكلمات الموجعة وجّه معلم بإحدى مدارس القليوبية عبر مواقع التواصل استغاثة إلى وزير التعليم، بعد تشكيل لجنة، صدر قرار بفصل الطالب لمدة عام دراسي كامل، وإحالة واقعة اعتداء ولي الأمر على وكيل ومدير المدرسة للنيابة العامة،هذه الواقعة ووقائع أخرى منذ انطلاق العام الدراسي الجديد، أثارت حالة استياء شديدة بين معلمي ومعلمات مصر الأجلاء، وأعادت إلى الأذهان طرح أسئلة مشروعة: لماذا سقطت هيبة رسول العلم بين طلابه؟، ومن يُعيد هيبة معلم ومربي الأجيال وباني الحضارات؟
المعلمون: تراجع دور الأسرة والإعلام من أسباب ضياع هيبة المعلم

«النهار» تحقق في هذا الملف وترصد الأسباب الحقيقية التي أدت إلى حدوث فجوة كبيرة بين المعلم والطالب في السطور التالية، ونسأل لماذا تغيرت الصورة الذهنية للمعلم لدى الأجيال بعد أن كان لفترة غير بعيدة الأب الروحي والقدوة للطلاب، سألنا المعلمين وخبراء التعليم والمسئولين عن الأسباب، وكيف تعود هيبة المعلم ووقاره؟
في البداية، يؤكد سعيد كشك، معلم لغة عربية بالمرحلة الإعدادية، أن الدور الأكبر في هذه المرحلة منصب على الإعلام في إعادة هيبة المعلم في الأعمال الفنية أو البرامج أو الحوارات، وتابع في حديثه لـ «النهار»، أنه يجب التركيز على رسالة المعلم، لأن الإعلام بلاشك يؤثر في تشكيل الوعي العام للجماهير، وضرورة وضع نهاية لتصوير المعلم بهذه الصورة المشينة البعيدة عن الواقع، حيث يظهر المعلم في الأفلام دائمًا في صورة غبي أو قاسي أو متسلط أو منعزل عن الواقع، ومحط سخرية من طلابه"، واختتم «كشك» أن لائحة التحفيز والانضباط المدرسي نظريًا كافية لحماية المعلم بشرط تطبيقها ومتابعتها على أرض الواقع.
بينما ترى دينا عبدالحميد، معلمة، أن تراجع دور الأسرة سبب مباشر في التجاوز في حق المعلمين بجانب دور الإعلام الذي ظل يقدم المعلم في المسلسلات والأفلام بصورة لا تليق بمن علم فئات المجتمع، وأضاف سيد محمد، معلم، أن بعض أولياء الأمور ينصرون أولادهم على الأساتذة، وبالتالي ينعكس ذلك على العلاقة بين الطالب والمعلم.
وطالبت سمر محمد، بضرورة تطبيق لائحة الانضباط المدرسي بقوة على كل من تسول له نفسه في التجاوز في حق المعلمين والمعلمات، مشددة أن هيبة المعلم لن تعود طالما يتم التصالح بين المعلم والطالب بعد تعدي الأخير على أستاذه أمام زملائه.
«تربوي»: المعلم المصري لا يملك صلاحيات لتأديب وتقويم الطلاب...وسلوكيات بعض المعلمين سببًا رئيسيًا في ضياع هيبة المعلم.

الدكتور مجدي حمزة الخبير التربوي
بينما يرى الدكتور مجدي حمزة، الخبير التربوي، أن عودة هيبة للمعلم تحتاج إلى بعض القرارات العاجلة، بدايةً إعطاء صلاحيات أوسع وأكبر للمعلمين في تأديب وتقويم وعقاب الطلاب، مؤكدًا أن الضرب كأحد وسائل التقويم هام، مشيرًا إلى أن بريطانيا أعادت الضرب للمدارس كوسيلة للتأديب والعقاب بعد أن لاحظ مديرو المدارس تغير سلوكيات بعض الطلبة وتجاوزهم في حق معلميهم.
وأضاف "حمزة" لـ "النهار" أن المعلم المصري لا يملك صلاحيات كبيرة لتأديب وتقويم الطلاب في المدارس، مشددًا على ضرورة تفعيل وتعزيز دور المعلم التربوي والتركيزة على بناء شخصية الطالب، وتقديم النموذج الإيجابي الذي يحتذي به الطالب من خلال سلوكيات المعلم وخاصة إذا كان المعلم حاصلًا على مؤهل تربوي.
وتابع الخبير التربوي: "أنه يجب على جميع طوائف المجتمع - بما فيها وسائل الإعلام والأسرة المصرية - التشجيع على احترام المعلم بجانب توفير الدعم النفسي والمعنوي وتقديم الرعاية اللازمة للمعلمين لزيادة فاعلياتهم وإنتاجهم وتحسين الأداء الخاص بهم بالإضافة إلى تطوير مهارات المعلمين من خلال برامج التدريب والندوات، موصيًا أن يكون التدريب في وزارة التربية والتعليم للمعلمين قائمًا على التقييم - قبل بعد التدريب- حتى يتم متابعة التطوير، كما يجب ربط التدريب بالحافز.
وأكد "حمزة" أن المشكلة الرئيسية في ضياع هيبة المعلم تكمن في دور ورؤية الأسرة للمعلم، حيث أن بعض الأسر تنظر للمعلمين نظرة غير سوية، وذلك بسبب الدورس الخصوصية، وبالتالي تنعكس على السلوك العنيف للطلاب تجاه المعلمين، موصيًا بضروة تفعيل دور الأسرة في عودة هيبة المعلم.
ولافت الخبير التربوي أن سلوكيات بعض المعلمين سببًا رئيسيًا في ضياع هيبة المعلم، موضحًا أن بعض المعلمين يدخنون سجائر مع الطلاب أو يطلبون أكل أثناء الدروس الخصوصية في منازل الطلاب.
كما أكد "حمزة" على دور الإعلام في ضياع هيبة المعلم من خلال تقديمه المعلم في صورة متدنية، مرة من ناحية "هدومه المبهدلة"، كما ظهر ذلك الأستاذ حمام -نجيب الريحاني – في فيلم غزل البنات، وأيضًا الصورة المبتذلة لمعلم الجغرافيا التي قدمها الفنان فؤاد المهندس في مسرحية السكرتير الفني، الذي كان يشرح نظرية "دوران الأرض حول نفسها"، تلك الصورة السيئة التي لا تليق بهيبة وكرامة ومكانة المعلم، وثم جاءت مدرسة المشاغين التي كانت بداية تدمير المعلم، ومرورًا بالأستاذ رمضان مبروك أبو العلمين حمودة الذي قدم المعلم في صورة لا تليق بهيبة وكرامة معلم الأجيال.
وأوضح أن تدني رواتب المعلمين أحد أهم أسباب ضياع هيبة المعلمين، لأن المعلم لكي يعيش حياة كريمة يلجأ إلى الدورس الخصوصية، التي تنعكس على سلوكياته.
واختتم الدكتور مجدي حمزة أن لائحة الانضباط المدرسي في مصر موجودة منذ سنوات، وكل عام يخرج بها كتاب دوري، لكنها "حبر على ورق"، مؤكدًا رغم وجود اللائحة إلا أنها لم تمنع التجازوزات والانتهاكات من بعض الطلاب وأولياء الأمور ضد المعلمين.
«تدني الرواتب والصورة السلبية في الأعمال الفنية»...«أستاذ علم نفس» يوضح أسباب تراجع هيبة المعلم

الدكتورعاصم حجازي، الخبير التربوي وأستاذ علم النفس التربوي بجامعة القاهرة
ومن جانبه، قال الدكتورعاصم حجازي، الخبير التربوي وأستاذ علم النفس التربوي بجامعة القاهرة، إنه حينما نقارن بين المعلم قديمًا وحديثًا فلا ينبغي أن نغفل الظروف المحيطة وبيئة التعلم والمؤثرات التي تؤثر في الطلاب والمعلمين والمناخ المدرسي، مضيفًا أن العلاقة بين المعلم والطالب تتأثر بعدد كبير جدًا.
وأشار الخبير التربوي في تصريحات خاصة لـ «النهار» إلى أن العوامل في الماضي كان المعلم يتعامل مع عدد أقل من الطلاب، وفي بيئة تعليمية تقل فيها الضغوط حيث إن متطلبات نجاح العملية التعليمية كانت تتميز بالبساطة هذا بالإضافة إلى أن منظومة القيم كانت أقوى نظرًا لعدم تعرضها للضعف نتيجة أي مؤثرات خارجية أما في العصر الحالي فقد أصبحت الكثافات أعلى بحكم تأثرها بالزيادة السكانية ومتطلبات نجاح العملية التعليمية أصبحت أكثر تعقيدًا
وتابع: "طبيعة العصر تفرض على الطلاب إتقان مجموعة أكبر من المهارات وتحصيل قدر أكبر وأكثر تنوعًا من المعارف، ولا شك في أن تعقد هذه المتطلبات وتنوعها يضيف على كل من المعلم والطالب ضغوطًا أكبر، بجانب ذلك فإن تعدد المؤثرات على شخصية وسلوك الأفراد تؤدي إلى تغييرات جذرية في منظومة القيم، فلم يعد الطالب يكتسب القيم فقط من الأسرة والمجتمع وإنما أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية والإنترنت شريكًا أساسيًا في تكوين شخصية الطالب وأفكاره وسلوكه".
وأوصى أستاذ علم النفس التربوي أن العودة لمكانة المعلم في الماضي تتطلب السيطرة على هذه المؤثرات وتحييد دورها أو تقوية دور الأسرة والمدرسة في مواجهتها، مشددًا على أن يكون التعلم هدفًا للطالب، وليس أن يكون الهدف هو التخرج والحصول على الشهادة أو أن يشعر الطالب بأنه مجبر على التعلم، موضحًا أن ذلك يتحقق عندما يشعر الطالب أن التعليم يضيف إلى شخصيته ومهاراته ومعلوماته إضافة حقيقية تساعده على تحقيق أهدافه الحياتية والمهنية.
وأتّم الدكتور عاصم حجازي حديثه، مؤكدًا أنه هناك أسباب مباشرة لتراجع هيبة المعلم، منها تدني الرواتب ولجوء المعلم للدروس الخصوصية وعدم قيام الأسرة بدورها التربوي كما ينبغي، بجانب تراجع الدور التربوي للمدرسة وغياب الأنشطة التي تجذب انتباه الطلاب وتتوافق مع ميولهم وقدراتهم وقصور تدريب المعلمين، فضلًا عن عدم وجود قانون خاص بالعقوبات المدرسية وغياب الأمن الإداري بالمدارس، إضافة إلى الصورة السلبية للمعلم التي تقدم في بعض الأعمال الفنية وبعض وسائل الإعلام وغياب القدوة الحسنة جميعها عوامل تؤدي إلى تراجع مكانة المعلم أولًا ومن ثم تراجع هيبته.
نقيب المعلمين: كرامة المعلم خط أحمر...لن نسمح بالتطاول عليه تحت أي ظرف

خلف الزناتي نقيب المعلمين
وفي هذا الصدد، أكد خلف الزناتي، نقيب المعلمين ورئيس اتحاد المعلمين العرب، بأن النقابة تتابع بقلق بالغ ما شهدته بعض المدارس مؤخرًا من حوادث تعدٍ من أولياء أمور أو طلاب على المعلمين، مشددًا على أن كرامة المعلم خط أحمر ولن تسمح النقابة بالمساس بها تحت أي ظرف.
وأوضح «الزناتي» في تصريحات خاصة لـ «النهار» أن النقابة العامة شكلت غرفة عمليات مركزية منذ بداية العام الدراسي لمتابعة أحوال المعلمين في جميع المحافظات، والتعامل الفوري مع أي واقعة اعتداء، وذلك من خلال تكليفات واضحة للنقابات الفرعية واللجان النقابية على مستوى الجمهورية، بالوقوف بجانب المعلم فى أى موقف أو مشكلة .
وأضاف «الزناتي» أن النقابة العامة وجهت كل النقابات الفرعية واللجان النقابية بتولى محامى الفرعية، بالدفاع عن أي معلم يتعرض للتعدي بأي شكل أثناء أداء عمله، ومتابعة الإجراءات القانونية حتى صدور الأحكام الرادعة بحق المعتدين، مؤكدًا أن النقابة لن تتهاون في حق أي معلم، وستتخذ كل السبل القانونية لحماية أعضائها.
ودعا «الزناتي» أولياء الأمور إلى التعاون الإيجابي مع إدارات المدارس والمعلمين في إطار من الاحترام المتبادل، بعيدًا عن الانفعال أو العنف، لافتًا إلى أن المعلم يؤدي رسالة تربوية سامية تستحق الدعم والتقدير لا الإهانة.
وأضاف خلف الزناتي، نقيب المعلمين، أن المعلم هو حجر الأساس في بناء الأجيال، وأن أي تقصير في حمايته ينعكس سلبًا على البيئة التعليمية، وأكد نقيب المعلمين أن النقابة ستواصل العمل على تعزيز ثقافة احترام المعلم وهيبة المدرسة من خلال حملات توعية وتنسيق دائم مع وزارة التربية والتعليم والجهات المعنية، لأن حماية المعلم هي حماية للعملية التعليمية بأكملها.
كما دعا النقيب إلى ضرورة تعزيز التوعية الأسرية بأهمية احترام المعلم، وتشجيع الحوار بين المدرسة والأسرة لمعالجة المشكلات بشكل تربوي سليم، بعيدًا عن العنف أو التصعيد، واختتم تصريحه قائلًا: نحن في النقابة نقف إلى جانب كل معلم تعرض للاعتداء، ونؤكد أن كرامة المعلم خط أحمر، ولن نسمح بالتطاول عليه تحت أي ظرف.
وزارة التعليم: لن نتهاون مع أي واقعة تمس كرامة وهيبة المعلم... وتطبيق لائحة التحفيز والانضباط المدرسي بكل حزم

محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم
وجه محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم، مديري المديريات والإدارات التعليمية، ومديري المدارس، بتطبيق لائحة التحفيز التربوي والانضباط المدرسي بكل حزم وجدية، منذ اليوم الأول للعام الدراسي، من أجل تحقيق بيئة تعليمية قائمة على النظام والالتزام.
وشددت وزارة التعليم على أنها لن تتهاون مع أي واقعة تمس كرامة وهيبة المعلم، مؤكدة أن المدرسة مكان للتربية قبل التعليم، وأن الاعتداء على أعضاء هيئة التدريس جريمة لن تمر دون عقاب.


.jpg)

.png)















.jpg)



