فى ذكراه.. هل اُغتيل فنان الشعب سيد درويش بسبب أغانيه الثورية؟

تحل اليوم الأثنين، الذكرى الـ 102 لوفاة أحد أبرز رواد الموسيقى في العالم العربي، الفنان الخالد سيد درويش، الذي لا تزال ألحانه وأغانيه تصدح في القلوب من المحيط إلى الخليج، بعد أكثر من قرن على وفاته.
ولد السيد درويش البحر في 17 مارس 1892 بمدينة الإسكندرية، ورحل عن عالمنا في 15 سبتمبر 1923، عن عمر لم يتجاوز 31 عامًا، لكنه ترك إرثًا فنيًا يفوق ما يقدمه كثيرون في أعمار كاملة.
من سقالة البناء إلى خشبات المسارح
بدأ سيد درويش حياته كعامل بناء بسيط يُغني أثناء العمل ليخفف عن نفسه وعن زملائه مشقة اليوم. لكن صوته لم يمر مرور الكرام، فبينما كان يُردد مواويله داخل موقع العمل، التقطه الأخوان أمين وسليم عطا الله — وهما من رواد الفن في ذلك الوقت — حين تصادف وجودهما في مقهى قريب، وانبهرا بموهبته الفطرية، ليتفقا معه على مرافقة فرقتهما في جولة فنية إلى الشام نهاية عام 1908.
ومن هنا انطلقت شرارة الموهبة بدأ سيد درويش في التلحين، وقدم أولى أعماله "يا فؤادي ليه بتعشق"، ليبدأ مشواره الفني الحافل.
القاهرة... بداية المجد
في عام 1917، انتقل سيد درويش إلى القاهرة، حيث انطلقت مسيرته الحقيقية، وذاع صيته بسرعة البرق. تعاون مع كبار الفرق المسرحية آنذاك، مثل فرق نجيب الريحاني، جورج أبيض، وعلي الكسار، وقدم عشرات الأوبريتات، والموشحات، والطقاطيق، ما جعل الفرق تتسابق عليه، وتربع في غضون سنوات قليلة على عرش التلحين في مصر، متفوقًا على عمالقة عصره مثل كامل الخلعي وداوود حسني.
صوت الثورة.. وملحن الوطن
مع اندلاع ثورة 1919، لم يكن سيد درويش مجرد فنان، بل كان صوتًا للثوار، ورفيقًا لحلم الاستقلال. غنى "قوم يا مصري"، وصاغ لحن "بلادي بلادي"، الذي استوحاه من كلمات الزعيم مصطفى كامل، ليصبح لاحقًا النشيد الوطني الرسمي لمصر.
كان درويش مهمومًا بقضايا وطنه، فغنّى للمقاومة، وللفقراء، وللحرية، واستحق عن جدارة لقب "فنان الشعب".
عبقرية فنية لا تُكرر
رغم عمره القصير، قدم سيد درويش ما يفوق عمره بعقود: أكثر من 40 موشحًا نحو 100 طقطوقة
ما يقرب من 30 أوبريتًا ومسرحية غنائية وغنى روائع خالدة مثل:"آهو ده اللي صار" "زوروني كل سنة مرة"
"الحلوة دي قامت تعجن" "سلمى يا سلامة" "أنا هويت" "بلادي بلادي" وكلها أغانٍ لا تزال تُردد حتى اليوم وتُدرس كعلامات في تاريخ الموسيقى الشرقية.
رحيل غامض في عز المجد
في سبتمبر 1923، سافر سيد درويش إلى الإسكندرية استعدادًا لاستقبال الزعيم سعد زغلول العائد من المنفى، لكن القدر لم يمهله في يوم 15 سبتمبر، توفي فجأة في ظروف غامضة، عن عمر 31 عامًا فقط.
ورغم مرور أكثر من قرن، لا تزال وفاته لغزًا محيرًا وتشير أبرز الروايات إلى أن وفاته كانت مدبرة من الاحتلال الإنجليزي، الذي رأى في أغانيه خطرًا على سيطرته، نظرًا لما تحمله من تحريض مباشر على الثورة.
دفن في صمت... خوفًا من الجماهير
بحسب حفيده محمد حسن درويش، فقد تم نقل الجثمان إلى مقابر المنارة بالإسكندرية سريعًا، دون مراسم رسمية أو جنازة شعبية، خوفًا من إثارة الجماهير يقول: "تم التعتيم على خبر وفاته من الحكومة والاستعمار حتى لا تشتعل مشاعر الشعب. لم يشيّعه سوى عدد قليل من أقاربه وجيرانه."
وعلى قبره، كُتبت هذه العبارة المؤثرة: "يا زائري لا تنسني من دعوة صالحة وارفع يدك إلى السما واقرأ لروحي الفاتحة."
102 عامًا من الخلود
سيد درويش لم يكن مجرد موسيقي، بل ثائر ولحان عبقري أعاد تشكيل الموسيقى العربية، وترك مدرسة فنية لا تزال قائمة حتى اليوم ورحل الجسد لكن صوته باقٍ، والرسالة مستمرة، واللحن لا يموت.